fbpx

أثر الأصدقاء في حياة الإنسان

الصداقة علاقة ضرورية للإنسان، يستعين بها للتخلص من وحدته، وتتقوى بها همته بتقديم العون والنصح من أصدقائه، ومساعدتهم له في قضاء حاجاته، والأنس بهم في أوقات مسراته، واللوذ بهم في نائباته.

جدول المحتويات

أهمية الصداقة في حياة الإنسان

الإنسان اجتماعي بطبعه لا يمكنه العيش وحيداََ، يكوّن علاقات تمده بالعون والنصح. واشتُّقت كلمة صداقة من الصدق؛ الصفة الأجمل التي تقوم عليها هذه العلاقة.

فهل كل الصداقات نافعة؟

الصداقة النافعة

إنّ الصداقة مشتقة من الصدق، يصدقك القول ويصدّق قولك؛ قال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: “عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وإِيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا”.

أثر الأصدقاء

المرء -وإن كان نبياََ- يحتاج إلى صديق

لا يمكن للإنسان العيش وحيداََ في الحياة، فهو يميل لمن يألفه وتألف به روحه، ولا يخفى علينا صحبة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في هجرته من مكة إلى المدينة، فقد كان أبو بكر أشبه الناس برسولنا الكريم بصفاته وأخلاقه ومقارباََ لعمره، اختاره النبي الكريم في رحلته من بين أصحابه لأنه أحب الناس إلى قلبه، و ُقِّب بالصديق لتصديقه الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الإسراء والمعراج.

كان الرسول الكريم في غم شديد بعدما واجه قومه فكذبوه وسخروا منه، وعندما وصل الخبر إلى أبي بكر قال: “والله لئن كان قاله لقد صدق، فما يعجبكم من ذلك فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه”.

فالصحبة تقتضي المحبة والصدق، ولك أن تتخيل عظيم حب الصديق لحبيبه إذ يقول: ” لَمَّا خَرَجْنَا مع النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مِن مَكَّةَ إلى المَدِينَةِ مَرَرْنَا برَاعٍ، وَقَدْ عَطِشَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: فَحَلَبْتُ له كُثْبَةً مِن لَبَنٍ، فأتَيْتُهُ بهَا فَشَرِبَ حتَّى رَضِيتُ”. 

لا شك أن الظمأ والجوع أصابهما معاََ إلا أنه لشدة حبه له لم يشعر بظمئه في ظل شعوره بظمأ النبي، فإذا ما شرب نبيه كان كأنه هو الذي شرب ورضيت نفسه.

إن جمال علاقتهما القوية كانت في ظل حب الله والتعلق برضاه، فإن أبا بكر كان يخشى على رسول الله أشد من خشيته على نفسه لشدة حبه لله وحبه لدين الله وخوفه عليه، وكذلك كل علاقة صداقة -إن كانت لله- عمرت وأثمرت، وإن كانت لغير الله خابت وخسرت.

شروط الصحبة النافعة

الصدق، والإخلاص، والحب في الله، والبذل في المال والوقت والجهد.

وكم من علاقة بنيت باسم الصداقة لتحقيق مصلحة عارضة وعند انقضائها بان أصحابها كأنهم لم يعرفوا بعضهم من قبل، وانقلبت بؤساََ وغماََ.

أثر الصداقة الصالحة على الإنسان

تعود الصداقة الصالحة على الإنسان بالنفع في الدنيا والآخرة، ويتجلى ذلك في عدة أمور، منها:

القدوة القريبة في النشاط والأخلاق

القدوة القريبة في النشاط وحسن الخلق وممارسة الرياضة النافعة وغير ذلك من الإشارة لكل ماهو نافع من برامج ومحاضرات وفوائد والبعد عما هو ضار.

مغفرة الذنوب

جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر”.

وفي الحديث أن الله سبحانه وتعالى يسألهم عن مجالس هؤلاء وما يقولون فيها، فتقول الملائكة: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، فيقول الله في آخر الحديث: “أشهدكم أني قد غفرت لهم”، قال: فيقول ملك من الملائكة: فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، فيقول الله تبارك وتعالى: “وله قد غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم”.

دوام الصداقة المتصلة بالله تعالى في الدنيا والآخرة

إن كمال الصداقة -كما ذُكِرَ- أن تكون المحبة فيها لله، وإذا ما كانت لله فإنها أغلى ما يجنيه المرء.

قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: “المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء”.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: “مثل الجليس الصالح كحامل المسك؛ إما إن يحذيك -يعني: يعطيك- وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ومثل جليس السوء مثل نافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة”.

الأنس بالأصدقاء النافعين وعلو الهمة بهم

وتأنس النفس في نفس توافقها === بالفكر والطبع والغايات والقيم فحق لنفسك أن تختار من تصحبهم في مجالسك يقول أحد الزهاد: “لاتصاحب من لايُنهِضك حاله ومن لايدلّك على الله مقاله”. فأهل الهمم تستنهض فيك الهمة، وكذلك يُنقل إليك إحباط المحبَطين، وقوة تأثيرهم عليك بالغة فيك إلى ماتعتقده وتؤمن به، ويعكس ذلك قول الله عز وجل: ﴿وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِینَ یَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِیِّ یُرِیدُونَ وَجۡهَهُۥۖ وَلَا تَعۡدُ عَیۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِیدُ زِینَةَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطࣰا﴾ [الكهف ٢٨]

التعاون على البر والتقوى

الصداقة الصالحة ترفع أصحابها إلى سلالم العمل والبر والتقوى فيتناصحون بينهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: ﴿وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ یَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَیُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَیُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَیُطِیعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ سَیَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ﴾ [التوبة ٧١] فيكون جزاؤهم عند الله: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَا وَمَسَـٰكِنَ طَیِّبَةࣰ فِی جَنَّـٰتِ عَدۡنࣲۚ وَرِضۡوَ ٰ⁠نࣱ مِّنَ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۚ ذَ ٰ⁠لِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ﴾ [التوبة ٧٢]

الشفاعة يوم القيامة

وإن لم يكن للصحبة الصالحة إلا هذا الأثر لكفت.

جاء في الحديث الشريف: “… حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحدٍ بأشدَّ مُناشَدَةً لله في استقصاء الحق من الله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتُحَرَّم على صورهم النار، فيخرجون خلقاً كثيراً قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه…”

وقال لقمان الحكيم لابنه: “يابني! ليكن أول شيء تكسبه بعد الإيمان بالله أخاً صادقاً، فإنما مثله كمثل شجرة إن جلست في ظلها أظلتك، وإن أخذت منها أطعمتك، وإن لم تنفعك لم تضرك”.

فلله در الصاحب الصالح، ما أطيب صحبته في الدنيا والآخرة!

وعندما تكون الصحبة سيئة يكون أثرها على النقيض.

أثر الأصدقاء الضارين على الإنسان

العدوى السيئة بكل ما هو سيئ

يسلك به كل ما لا يحمد عقباه، فتنتشر العدوى بفحش القول، والكسل، والتملص من المسؤوليات، والتسكع في الطرقات، والتأخير دراسياََ وصحياََ، وما إلى ذلك من الأضرار.

سوء العاقبة يوم القيامة

فما أشقى جليس السوء! يزداد غفلة بقربه، وإن كان ضعيف الإيمان أفسده.

إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم === ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

وفي قصة أبي طالب عبرة لأولي الألباب، إذ كاد أن يسلم قبل وفاته لولا صحبة السوء التي أوردته المهالك.

جاء في صحيح البخاري: “لمَّا حَضَرَتْ أبَا طَالِبٍ الوَفَاةُ، جَاءَهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أبَا جَهْلٍ، وعَبْدَ اللَّهِ بنَ أبِي أُمَيَّةَ بنِ المُغِيرَةِ، فَقالَ: أيْ عَمِّ! قُلْ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لكَ بهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقالَ أبو جَهْلٍ، وعَبْدُ اللَّهِ بنُ أبِي أُمَيَّةَ: أتَرْغَبُ عن مِلَّةِ عبدِ المُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعْرِضُهَا عليه، ويُعِيدَانِهِ بتِلْكَ المَقالَةِ، حتَّى قالَ أبو طَالِبٍ آخِرَ ما كَلَّمَهُمْ: علَى مِلَّةِ عبدِ المُطَّلِبِ، وأَبَى أنْ يَقُولَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ”.

وتكون عاقبة الصداقة السيئة يوم القيامة؛إذ يكون يوماََ عسيراََ على الكافرين.

يقول الله تعالى: ﴿یَـٰوَیۡلَتَىٰ لَیۡتَنِی لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِیلࣰا ۝٢٨ لَّقَدۡ أَضَلَّنِی عَنِ ٱلذِّكۡرِ بَعۡدَ إِذۡ جَاۤءَنِیۗ وَكَانَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ لِلۡإِنسَـٰنِ خَذُولࣰا ۝٢٩﴾ [الفرقان ٢٨-٢٩]

وإن لم يكن إلا هذه العاقبة لكفى بها لتنفر من كل صاحب سوء.

التعاون على المنكر وتزيينه في عيونهم وقلوبهم

وكم من صحبة سوء جرّت صاحبها إلى أسوأ الأخلاق والأفعال والإقبال على المعاصي!

والكفر بالله كما حدث مع أبي طالب، وإن كان الكفر أعظم الشرور فما دونه من غفلة ومعاصٍ تجر صاحبها لشر أكبر كذلك.

قال تعالى: ﴿وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّبِعُوا۟ سَبِیلَنَا وَلۡنَحۡمِلۡ خَطَـٰیَـٰكُمۡ وَمَا هُم بِحَـٰمِلِینَ مِنۡ خَطَـٰیَـٰهُم مِّن شَیۡءٍۖ إِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ ۝١٢ وَلَیَحۡمِلُنَّ أَثۡقَالَهُمۡ وَأَثۡقَالࣰا مَّعَ أَثۡقَالِهِمۡۖ وَلَیُسۡـَٔلُنَّ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ عَمَّا كَانُوا۟ یَفۡتَرُونَ ۝١٣ ﴾ [العنكبوت ١٢-١٣]

مضاعفة الذنوب

 يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن دعا إلى هُدًى كان له مِن الأجرِ مِثْلُ أجورِ مَن تبِعهُ لا ينقُصُ ذلك مِن أجورِهم شيئًا، ومَن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه مِن الإثمِ مِثْلُ آثامِ مَن تبِعهُ لا ينقُصُ ذلك مِن آثامِهم شيئًا”.

انقطاع العلاقة بانقضاء المصلحة، وإن استمرت في الدنيا فستتقطع حتماََ يوم القيامة

قال سبحانه وتعالى: ﴿ٱلۡأَخِلَّاۤءُ یَوۡمَىِٕذِۭ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلۡمُتَّقِینَ ﴾ [الزخرف٦٧].

فالأنس بالمعصية يذهب بزوالها ويبقى أثرها، وإن رفاق السوء ليزينون الشر في عقول قرنائهم، ويوم القيامة يلعن بعضهم بعضاً، ويتراشقون الاتهامات، وهم في العذاب مشتركون.

﴿وَمَن یَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ نُقَیِّضۡ لَهُۥ شَیۡطَـٰنࣰا فَهُوَ لَهُۥ قَرِینࣱ ۝٣٦ وَإِنَّهُمۡ لَیَصُدُّونَهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِیلِ وَیَحۡسَبُونَ أَنَّهُم مُّهۡتَدُونَ ۝٣٧ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَنَا قَالَ یَـٰلَیۡتَ بَیۡنِی وَبَیۡنَكَ بُعۡدَ ٱلۡمَشۡرِقَیۡنِ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرِینُ ۝٣٨ وَلَن یَنفَعَكُمُ ٱلۡیَوۡمَ إِذ ظَّلَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ فِی ٱلۡعَذَابِ مُشۡتَرِكُونَ ۝٣٩﴾ [الزخرف ٣٦-٣٩]

أشكال جديدة للصداقة

قال رسولنا الكريم عليه الصلاه والسلام: “المرء على دين خليله”.

وخليل اليوم لم يعد مقتصراً على صاحب جلسةٍ بمقهى أو زميل مهنة أو رفيق مدرسة ولا حتى جامعة، بل أصبح صاحب خلواتك الهاتف الذكي، وله نصيب الأسد من صحبتك وكذلك التلفاز، فاختيار قنواتك ومواقعك الإلكترونية رهن إشارتك، ففي ظل الانفرادية التي نعيشها اليوم يكتفي المرء بشبكة اتصال إلكترونية ليعيش منكفئاََ على نفسه مستأنساََ به مبتعداََ عن كل المحيطين به خيرهم وشرهم، ويعيش في كهف هاتفه الجوال الذي يجول به في الدنيا غرباََ وشرقاََ ليكوّن صداقات افتراضية لم يدر عنهم إلا صورتهم التي غالباََ تكون مزيفة، وكذلك بعضاََ من أقوالهم لايدري صدقها من كذبها في أخبارهم التي يمدونه بها، ولكنهم يكونون تبعاََ لأهوائهم يوهمونهم بنفع خيالي ويعوضون نقصاََ و فقداََ في محيطهم الواقعي ليلوذوا بهذا العالم الافتراضي.

فأي معرفة وثقة تُبنى بهذه الصداقة الوهمية.

أسس اختيار الأصدقاء

المحبة والصدق في المعاملة:

تكلمنا عن أهمية الصدق سالفاََ، وأن المحبة من دعائم الصداقة، والمحبة إن كانت لله فإنها تعمر وتثمر، وما كان منها لغير الله فإنه ينقطع ويندثر.

المعرفة الحقيقية لمعدن الإنسان: 

جاء في الأثر أن رجلاََ قال لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: إن فلاناً رجل صدق، قال: سافرت معه؟ قال لا، قال: فكانت بينك وبينه خصومة؟ قال لا، قال: فهل ائتمنته على شيء؟ قال لا، قال: فأنت الذي لا علم لك به، أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد!

وإذا كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بيننا اليوم فما تراه يقول عن هذه الثقة العمياء بهذه الصداقات؟

اختبارات معرفة الإنسان

لكي تبني معرفتك بإنسان توجد اختبارات تبيّن لك جوهر الشخص الذي تتعامل معه:

١- في السفر: قيل: سمي السفر سفراََ لأنه يسفر عن أخلاق الناس.

٢- في الخصام: يتضح لك من يفجر بالخصومة؛ كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق، حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر”.

وهذا يصدق اختبار عمر رضي الله عنه لمعرفة الشخص على حقيقته، وإن كان يظهر منه حسن العبادة في المساجد فقد يكون مراءاة ونفاقاََ.

٣- أداء الأمانة: فلا عهد لمن لا أمانة له، وكيف يُتخذ من لا عهد له صديقاََ وولياََ؟

٤- المساعدة وقت الحاجة وتبادل المشاعر: فالاهتمام لحال الصديق، والفرح لفرحه، والحزن لترحه عربون وفاء لتلك العلاقة الصادقة.

فمن وجدت فيه تلك الخصال فاتخذه صاحباََ، واقرأ ما كتبه مصطفى صادق الرافعي ناصحاََ: “اعلم أن أرفع منازل الصداقة منزلتان: الصبر على الصديق حين يغلبه طبعه فيسئ إليك، ثم صبرك على هذا الصبر حين تغالب طبعك لكي لا تسيء إليه”.

هكذا يكون في الصحبة الصالحة صبر ومجاهدة نفس وإعذار عن الهفوات وتناصح للخير ومد يد العون كما يقول المثل: (الصديق عند الضيق).

الصداقة المحرمة بين الجنسين

مع الانفتاح الذي يشهده العالم اليوم تسرٌب لنا شكل جديد من أشكال الصداقة عند الغربيين ما لا يتناسب مع ديننا الحنيف؛ ألا وهو الصداقة بين الجنسين صداقة الذكور للإناث والإناث للذكور، وما يُروج له بمسميات كثيرة تصل إلى المساكنة، ومعروف حكمها شرعاََ لما لها من توابع لا تحمد عقباها.

قال تعالى: ﴿وَلَا مُتَّخِذَ ٰ⁠تِ أَخۡدَانࣲۚ﴾ [النساء]

وقال: ﴿وَلَا تَقۡرَبُوا۟ ٱلزِّنَىٰۤۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَـٰحِشَةࣰ وَسَاۤءَ سَبِیلࣰا﴾ [الإسراء ٣٢]

فكل مقدمة للزنا من نظر وخلوة وغير ذلك محرم شرعاََ.

قال رسول الله صلى الله عليه سلم: “إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه، وفي رواية: … والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِجل زناها الخُطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه”.

إن العلاقات الإلكترونية بين الجنسين تدخل كذلك في العلاقات المحرمة إلا لضرورة لقوله تعالى: ﴿یَـٰنِسَاۤءَ ٱلنَّبِیِّ لَسۡتُنَّ كَأَحَدࣲ مِّنَ ٱلنِّسَاۤءِ فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ فَیَطۡمَعَ ٱلَّذِی فِی قَلۡبِهِۦ مَرَضࣱ وَقُلۡنَ قَوۡلࣰا مَّعۡرُوفࣰا﴾ [الأحزاب ٣٢]

فإن كانت الآيه بوجه الخصوص لنساء النبي بلفظها فإنها تأخذ حكم العام في معناها، والخضوع بالقول يكون باللسان أو الإشارة أو الكتابة باليد، ولْتقتصرِ النساء على الضرورة التي لا بد منها، أطهر لقلوبهن وقلوبهم.

وللأهل مسؤولية كبيرة في هذا الجانب في التربية، وزرع تلك القيم الدينية في عقول بناتهم وأبنائهم قبل أن ينطلقوا في غمار الحياة.

خاتمة

الصداقة إضافة جميلة لحياتك تزهر بها أيامك -إن كانت صالحة- وشر يجب عليك التخلص منه إن كانت سيئة.

يقول الشاعر صالح بن عبد القدوس:

واختر قرينك واصطفيه تفاخراً === إن القرين إلى المقارن ينسب

ودع الكذوب فلا يكن لك صاحباً === إن الكذوب يشين حراََ يصحب

واحذر مصاحبة اللئيم فإنه === يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب

الأسئلة الشّائعة عن أثر الأصدقاء

ما أهمية الصداقة؟

وجود الإنسان محكوم بفطرته التي تقتضي تكوين صداقات تعرِّفه على الناس المحيطة، ويكتسب بها خبرات وتجارب إضافية لحياته.

ما أثر الأصدقاء في حياة الإنسان؟

الصاحب ساحب كما يقولون، وله أكبر الأثر على صاحبه؛ يرفعه في درجات العلم والأخلاق، أو يهوي به إلى دركات الجهل والفجور.

ما الصداقة الإلكترونية؟ وما مخاطرها؟

الصداقة الإلكترونية نشأت حديثاََ ولا تغني عن الصداقة الحقيقية لأنها محفوفة بالمخاطر لما فيها من الغموض، لكنها تعزز الصداقات القديمة التي تقطعت بها السبل.

كيف يُختار الصديق؟

اختيار الصديق يكون على أساس المحبة في الله، والخلق الحسن، والمعاملة الصادقة، والحرص على جلب المنفعة، ودفع الضر؛ وكثير من الناس من يُظهِر لك الخير في البدء، ولكن عند المصائب تكشف معادن النفوس.

ما الصداقة المحرمة؟

الصداقة بين الرجل والمرأة والشاب والشابة من غير المحارم محرمةٌ لأنها تكون سبباً لانتشار الفواحش في المجتمع. والعلاقة الضرورية في إطار العمل أو الجامعة تخضع لضوابط شرعية تحمي كلا الطرفين، ومنها تحريم الاختلاط، وفرض الحجاب على النساء، وغض البصر.

الكاتبة: آ. رشا ميا

شارك المقال مع اصدقـائك: