فليغرسها "دروس وفوائد"
المنعطفات الكبيرة في حياتنا ربما لا تحتاج إلى أن نعصب لها رؤوسنا، ونشمر لها عن سواعدنا، ونشحذ السيوف، ونقضّ المضاجع، قد تأتينا بشعلة تضيء من أحدنا، فيعم النور، ونتجه إلى حيث اتجه، ويسير المركب إلى برّ الأمان. لا تحتقر شمعتك، فربما كانت منارة هداية لمن ضلّ الطريق. اغرس فسيلتك لا تستقلل مافي يدك،
{وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّون إِلى عَٰلِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}
بين أيدينا كنز عظيم من ميراث النبوة، نحظى به من بين الأمم، هو قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم : “إن قامتِ السَّاعةُ و في يدِ أحدِكم فسيلةٌ، فإن استطاعَ أن لا تقومَ حتَّى يغرِسَها فليغرسها
فما الدروس والعبر التي نلمحها في هذا الحديث الشريف؟
نبدأ أولاً بمعنى فسيلة
الفَسِيلَة: الصَّغِيرَةُ مِنَ النَّخْلِ، وَالْجَمْعُ فَسائل وفَسِيلٌ، والفُسْلان جَمْعُ الْجَمْعِ؛ عَنْ أَبي عُبَيْدٍ الأَصمعي فِي صِغَارِ النَّخْلِ قَالَ: أَول مَا يُقْلَعُ مِنَ صِغَارِ النَّخْلِ الغِرس فَهُوَ الفَسِيل والوَدِيّ، وَالْجَمْعُ فَسائِل، وَقَدْ يُقَالُ لِلْوَاحِدَةِ فَسِيلة، وأَفْسَل الفَسِيلة: انْتَزَعَهَا مِنْ أُمّها وَاغْتَرَسَهَا.
و معنى الحديث كما يظهر
إذا قامت القيامة على أحد منكم، وكانت في يده نخلة صغيرة فليغرسها في الأرض، إن استطاع، وهذا الأمر على وجه الندب، لتبقى هذه الدار عامرة إلى آخر أمدها المحدود المعلوم عند خالقها، وهذا تحذير من القنوط واليأس وترك العمل.
هذه لمحة سريعة عن معنى الحديث، وتنطوي الكثير من الفوائد تحت معانيه المباركة
فوائد الحديث
ومن هذه الفوائد
عدم اليأس والقنوط
فالمؤمن يتمتع بروح التفاؤل والعمل والسعي، ولا يركن للمشاعر السلبية، ولا يستسلم لليأس والأحباط، فربما يسأل سائل ماذا يمكن أن يجدي نفعاً أن أغرس فسيلة يحتاج نموها وإثمارها إلى سنوات وقد قامت الساعة وأهوالها؟! فيأتي الهدي النبوي ليقول بأن عليك العمل والسعي واترك النتائج، وستنال أجر ما فعلت، فلا تحقرنّ عملك وامضِ به و لا تبتئس.
إعمار الأرض
يستمر العمل على هذه الدنيا ولا يتوقف ما دام في البدن قلب نابض بالحياة؛ فالمسلم صاحب رسالة على هذه الأرض، وهو مستخلف فيها ليعمل صالحاً ويعمرها بما يرضي الله.
اعمل ولا تنتظر النتيجة
من المتبادر للذهن أن نقول بأن تلك الفسيلة تحتاج سنوات لتنتج، فما فائدة زراعتها؟ فيأتي منهج الإسلام ليعلمنا أن العمل غاية وإن لم نر النتيجة، هذا واجب المسلم وهذه مهمته، فالواحب والمهمة ينتهيان به هناك عند غرس الفسيلة في الأرض، لا في التقاط الثمار.
وهنا يحضرني قول الله تعالى لإبراهيم عندما أمره بعد انتهائه من بناء البيت أن يؤذن للناس بالحج ، فقال تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) الحج/27
قال ابن كثير في تفسيرها: أي: ناد في الناس داعياً لهم إلى الحج إلى البيت الذي أمرناك ببنائه، فذكر أنه قال: يا رب كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقال: ناد وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، وقيل على الحجر، وقيل على الصفا، وقال: يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه، فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك
أنت مأجور على كل عمل صالح تقوم به
فالإنسان إما أن يكون في عمل دنيا لنفعه ونفع غيره، وإما في عبادة، والعمل الصالح الذي ينوي به العبد وجه الله هو عبادة يؤجر عليها وينال ثوابها.
– لا تحتقر عملك، وإن قل، وأنت مأجور في عملك.
– لا شيء على الإطلاق يمكن أن يمنع من العمل والإعمار.
– اغتنم آخر لحظة من العمر في العمل الصالح مهما كان ولا تتوان في عمل الخير.
ذكر صاحب كتاب (صناعة الحياة) قصة تذكِّر بالإيجابية حتى اللحظة الأخيرة يقول فيها: إن أحد دعاة الإسلام في إحدى البلاد حُكِمَ عليه بالإعدام، وأرادوا أن يقتلوه شنقاً، وخرجوا به في الساحة العامة في وسط البلد، ووضعوا مشنقة وحبلاً، ثم أرادوا أن يخنقوه ويشنقوه، يقول: فلما شدوا الحبل وهو معلق، انقطع الحبل، وسقط الرَّجُلُ، فقام الرجل واقفاً يتلفت ماذا يقول؟ يقول لهم: كل جاهليتكم رديئة، حتى حبالكم رديئة، كل الجاهلية التي أنتم فيها رديئة.
استغل الدقائق الأخيرة التي منحه الله تعالى إياها في هجاء الجاهلية والكفر الذي كان يوجد في ذلك البلد، ولم يقل: هذه أمور انتهت، بل عمل واستغل ذلك الوقت.
فلينطلق كل فرد حسب طاقته يـدعو إلى الله إخفاء وإعلاناً.
ولنترك اللوم لا نجعله عـدتنا
ولنجعل الفعل بعد اليوم ميزانا
– المسلم يتمتع بروح الإيجابية والإنتاج والفاعلية، ويسعى المسلم لبناء حياته ومجتمعه.
-الحرص على الوقت وعدم التفريط فيه، قيل: (لا تكن سبهللاً في أمر الدنيا أو أمر الدين).
فالعاقل الموفق من يملأ كل لحظة وثانية من حاضر عمره ووقته بفائدة أو عمل صالح، وقد كره سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه التعطل والبطالة وإضاعة الزمن سدى! فقال: “إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً -أي: فارغاً- لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة!”.
فالوقت أغلى مملوك وأرخص مضيع.
ورحم الله العلامة الفقيه يحيى بن هبيرة إذ يقول:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع!
– الإسلام دين النشاط والعمل، وليس دين الركون والعجز والكسل.
عدم الأنانية وحب الذات
لا بد من نفع الآهرين والإصلاح؛ وحُكي أن ملكاً خرج يوماً يتصيد، فوجد شيخاً كبيراً يغرس شجر الزيتون، فوقف عليه، وقال له: يا هذا! أنت شيخ هرم؛ والزيتون لا يثمر إلا بعد ثلاثين سنة، فلمَ تغرسه، فقال: “أيها الملك زرع لنا مَن قبلنا فأكلنا، فنحن نزرع لمن بعدنا فيأكل “.
اغرس غرستك
يشير الحديث إلى نقطة مهمة قلّ من تتضح له، فعندما يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “فليغرسها” فلا يجب أن نفهم الغرس بأنه الفسيلة من النخل فحسب، فكلّ منا له غرسته، بحسب طاقته وجهده وهمّته؛ فالمعلم يغرس، والواعظ يغرس، وقارئ القرآن يغرس، والأب يغرس، والأم تغرس…
وأذكر قول الله عز وجل عندما صوّر لنا النبي يعقوب عليه السلام الذي أبى أن يموت قبل أن يغرس كلمات الوعظ والتذكير والتربية لبنيه، قال تعالى: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنۢ بَعْدِى قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبْرَٰهيمَ وَإِسْمَٰعِيلَ وَإِسْحَٰقَ إِلَٰهًا وَٰحِدًا وَنَحْنُ لَهُۥ مُسْلِمُونَ} (البقرة – 133)
وعندما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “قامت الساعة” يجب ألا يقف بنا التدبر أنها عند لحظة انتهاء الكون وخرابه وانشقاق السماء وانتثار الكواكب وتبعثر القبور، بل ليتسعَ بنا الفهم، ولنرى في الساعة ساعة انتهاء الأجل على فراش الموت، أليس الإنسان إذا مات قامت قيامته؟ ففي هذه اللحظات العصيبة التي ييئس فيها الإنسان من الحياة ويستعد للموت يأتي قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم “فليغرسها”.
فيا صاحب العلم! قل كلمتك واستغل بقايا حشرجة روحك ولا تقف، ويا قارئ القرآن! اقرأ وأسمِع من حولك تلاوتك فلعلّ قلباً تلامسه كلماتك تكون سبب هدايته، ويا معلماً! قل كلمتك، فكم غيرت الكلمات أهواء القلوب، ويا واعظاً! قل كلمتك، ويا ناصحاً! أضئ مصباحك.
ويذكر لنا الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة في كتابه (قيمة الزمن عند العلماء) حكاية عن الإمام أبي يوسف إذ يقول:
“فهذا الإمام أبو يوسف القاضي (يعقوب بن إبراهيم الأنصاري الكوفي ثم البغدادي)، المولود سنة ١١٣، والمتوفي سنة ١٨٢ رحمه الله تعالى، صاحب الإمام أبي حنيفة وتلميذه وناشر علمه ومذهبه
يباحث -وهو في النزع والذماء: النفس الأخير من الحياة- بعض عواده في مسألة فقهية، رجاء النفع بها لمستفيد أو متعلم، ولا يخلي اللحظة الأخيرة من لحظات حياته من كسبها في مذاكرة علم وإفادة واستفادة.
((قال تلميذه القاضي إبراهيم بن الجراح الكوفي ثم المصري: مرض أبو سيف، فأتيته أعوده، فوجدته مغمى عليه، فلما أفاق قال لي: يا إبراهيم، ما تقول في مسألة؟ قلت: في مثل هذه الحالة؟! قال: ولا بأس بذلك، ندرس لعله ينجو به ناج؟
ثم قال: يا إبراهيم، أيما أفضل في رمي الجمار -أي: في مناسك الحج- أن يرميها ماشياً أو راكباً؟ قلت: راكباً، قال: أخطأت، قلت: ماشياً، قال: أخطأت، قلت: قل فيها، يرضى الله عنك. قال: أما ما كان يوقف عنده للدعاء، فالأفضل أن يرميه ماشياً، وأما ما كان لا يوقف عنده فالأفضل أن يرميه راكباً. ثم قُمت من عنده، فما بلغت باب داره حتى سمعت الصراخ عليه، وإذا هو قد مات، رحمه الله عليه.
وهذا البيروني يتعلم مسألة في الفرائض وهو في الغرغرة والنزع
فقد جاء في (معجم الأدباء) لياقوت الحموي، في ترجمة الإمام الفلكي الرياضي الفذ، والمؤرخ اللغوي الأديب الأريب، أبي الريحان البيروني، الملود سنة ٣٦٢، والمتوفي سنة ٤٤٠ رحمه الله تعالى:
((كان أبو الريحان مع الفسحة في التعمير، وجلالة الحال في عامة الأمور، مكباً على تحصيل العلوم، منصباً إلى تصنيف الكتب، يفتح أبوابها، ويحيط بشواكلها وأقرابها -أي: بغوامضها وجلياتها-، ولا يكاد يفارق يده القلم، وعينه النظر، وقلبه الفكر،
حدث الفقيه أبو الحسن علي بن عيسى الولوالجي، قال: دخلت على أبي الريحان وهو يجود بنفسه، قد حشرج نفسه، وضاق به صدره، -قد بلغ من العمر ٧٨ سنة-، فقال لي في تلك الحال: كيف قلت لي يوماً: حساب الجدات الفاسدة -وهي التي تكون من قبل الأم-؟
فقلت له إشفاقا عليه: أفي هذه الحالة؟ قال لي: يا هذا! أودع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة، ألا يكون خيراً من أن أخليها وأنا جاهل بها، فأعدت ذلك عليه، وحفظ، وعلمني ما وعد، وخرجت من عنده وأنا في الطريق فسمعت الصراخ.)).
أبعاد قوله صلى الله عليه وسلم "وفي يد أحدكم فسيلة"
– إنها تعني العمل بشكل عام، وتخص الزراعة لما لها من نفع كبير على الفرد والمجتمع.
فلابد أن يكون في يد المسلم حرفة يقتات منها ويعيل أهله، ولا قيمة للمرء إلا بعمله وما ينتجه، والذي لا يعمل يكون عالة على غيره وعلى المجتمع، وفي الأثر جاء عن أمير المؤمنين سيِّدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: “لا يَقعدنَّ أحدُكم عن طلبِ الرِّزق، وهو يقول: اللهمَّ ارزقني، وقد علِمَ أنَّ السَّماء لا تُمطِر ذهبًا ولا فِضَّة”. (أخبار عمر) لعلي وناجي الطنطاوي.
وقال -رضي الله عنه- أيضاً: “إنِّي لأرى الرَّجل فيُعجبني، فأسأل: ألَه مهنة؟ فإن قيل: لا، سقط مِن عيني”. تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي.
فالمسلم لا يكون مفلساً من صنعة أو عمل ما دام قادراً على ذلك.
– وكذلك تعني “وفي يد أحدكم فسيلة” الترغيب بمهنة الزراعة لعموم نفعها وعظيم أجرها قال صلَّى الله عليه وسلَّم: “ما مِن مسلمٍ يَزرعُ زرعًا، أو يَغرس غرسًا، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة، إلَّا كان له به صَدقة”. رواه البخاري .
وكذلك تعني “وفي يد أحدكم فسيلة ” عدم التواني والتلكؤ في العمل لضياع النفع ؛ لأن الفسيلة لا تحتمل تأجيل زراعتها يقول المزارعون مبينين كيفية غرس فسائل النخيل: “يوصى بغرس فسائل النخيل فور قلعها أو وصولها إلى مكان الغرس، وتقل نسبة نجاح الفسائل كلما تأخر موعد الغرس
أهمية زراعة شجرة النخيل
ما جاء عن فضلها في القرآن الكريم والحديث الشريف وشعر العرب:
من أكثر الشجر التي جاء ذكرها في القرآن النخيل لكثرة خيرها وعظيم منافعها ويمن الله على عباده بإيجادهم لها في الدنيا، ويجعلها جزاء الصالحين الفائزين برضوانه في الآخرة.
يقول الله تعالى في سورة البقرة: ﴿أيَوَدُّ أَحَدُكُمُ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الَانْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [البقرة 266]
وفي سورة النحل: ﴿يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالَاعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل 11]
وفيها أيضاً: ﴿وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالاَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [النحل 67]؛
وفي سورة الرعد: ﴿وَفِي الَارْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٍ وَنَخِيلٍ صِنْوَانٍ وَغَيْرٍ صِنْوَانٍ تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الاُكْلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾
وغيرها من الآيات كثير
وأشارت أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى فضل شجرة النخيل لكثرة منافعها وخيرها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي؟ يا رسول الله قال فقال: «هي النخلة» قال: فذكرت ذلك لعمر، قال: لأن تكون قلت: هي النخلة، أحب إلي من كذا وكذا”.
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: وشبه النخلة بالمسلم في كثرة خيرها، ودوام ظلها وطيب ثمرها ووجوده على الدوام، فإنه من حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس، وبعد أن ييبس يتخذ منه منافع كثيرة، ومن خشبها وورقها وأغصانها، فيستعمل جذوعاً وحطباً وعصياً ومخاصر وحصراً وحبالاً وأواني وغير ذلك، ثم آخر شيء منها نواها، وينتفع به علفاً للإبل، ثم جمال نباتها، وحسن هيئة ثمرها، فهي منافع كلها خير وجمال، إضافة إلى أن المؤمن خير كله، من كثرة طاعاته ومكارم أخلاقه، ويواظب على صلاته وصيامه وقراءته وذكره والصدقة والصلة وسائر الطاعات وغير ذلك، فهذا هو الصحيح في وجه التشبيه، قيل: وجه الشبه أنه إذا قطع رأسها ماتت، بخلاف باقي الشجر، وقيل: لأنها لاتحمل حتى تلقح والله أعلم.
وكانت النخلة بالنسبة للعربيّ رمز الأصالة والخير والنماء، أما عرب الأندلس فكانت لهم رمزاً للوطن الأم، والتعلق بالأصل، ومن أجمل الأبيات التي تصف الحنين إلى الموطن ما جاء على لسان عبد الرحمن الداخل (صقر قريش) عندما رأى نخلة في الأندلس بعيدة عن موطنها في بلاد العرب فهاجت أشجانه، وفاض حنينه إذ يقول:
تبدَّتْ لنا وسْطَ الرُّصافة نخلةٌ === تناءتْ بأرضِ الغرب عن بلد النخلِ
فقلتُ شبيهي في التغرُّب والنوى === وطولِ الـتَّنائي عن بَنِيَّ وعن أهلي
نشأتِ بأرض أنتِ فيها غريبةٌ === فمثلُكِ في الإقصاءِ والمُنْتأى مثلي
كانت تلك بعض ما استوحته الأقلام من كلام خير المرسلين وهو يستنهض به الهمم، ويمسح عن عيون المسلمين غشاوة اليأس والقنوط، ويدعو للأمل وحسن العمل، فاغرسوا غراسكم أيها المؤمنون، وأشعلوا مصابيحكم إذا نامت الجفون، وافعلوا الخير لعلكم ترحمون.
الأسئلة الشائعة عن "فليغرسها" دروس وفوائد
تحدث أهوال عظيمة، وتغيرات كونية مذهلة، ويبعث الله الناس من قبورهم، ويحشرون للحساب والجزاء، ويكون الموقف صعباً عسيراً على الكافر هيناً على المؤمن.
نخلة صغيرة تقلع من الأرض أو تقطع من الأم فتُغرس.
لا أحد يعلم متى تقوم الساعة، ولكن لها علامات صغرى وعلامات كبرى تحدث قبل قيامها، والأَولى أن نستعد لها بالعمل الصالح والتقرب إلى الله بالطاعات.
هذا حديث صحيح رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح.
الدعوة إلى العمل الصالح لآخر لحظة وترك القنوط واليأس.
نعم، تقوم الساعة على شرار الخلق.
كلٌّ بحسب إيمانه؛ فيخف على المؤمن كلما كان أكمل إيماناً، ويكون على الكفار عسيراً.
الكاتبة: آ. هيفاء العلي
شارك المقال مع اصدقـائك: