إعجاز القرآن الكريم
أرسل الله (سبحانه وتعالى) أنبياء لهداية الناس رحمة منه سبحانه، وأيدهم بالمعجزات التي تبين صدق دعوتهم لأقوامهم؛ تكون حجة عليهم، وتكون مما عظم في أعينهم وتفاخروا فيه، فقد أخرج لثمود الذين كانو ينحتون من الجبال قصوراََ فارهين ناقة فعقروها، وكفروا بنبيهم صالح عليه السلام، وأرسل النبي موسى عليه السلام ومعه العصا التي ألقاها لتلقف عمل السحرة، وقد عظم عمل السحرة حينئذ، أولئك العالمون بالسحر وخفاياه قد علموا صدق آيته فآمنوا، وبطش بهم فرعون، وزالت العصا بزوال موسى عليه السلام ودثرت، فلا أحد اليوم شهد تلك المعجزة،
لكننا نصدق بها بوحي الله في القرآن الكريم، وهو معجزة لأهل الفصاحة وصناديد اللغة العربية أن يأتوا بمثله، وهم الذين برعوا بالشعر، وجعلوا للشعر سوقاً يتفاخرون به، فينتقون أبهى الأشعار لتكون معلقات على ستار الكعبة، والتي مازالت محفوظة في كتب الأدب.
﴿قُل لَّئنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰۤ أَن یَأۡتُوا۟ بِمِثۡلِ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا یَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضࣲ ظَهِیرࣰا﴾ [الإسراء ٨٨]
ونعيش اليوم بعداً مهولاً عن الفصاحة والبلاغة العربية بلسان يشبه العجمة برطانة اللغة العامية، فكيف نفهم إعجاز القرآن الكريم اللغوي ولا نكاد نميز الغث من السمين؟
إعجاز القرآن الكريم البلاغي
معنى الإعجاز القرآني
القرآن الكريم كتاب الله المعجز للإنس والجن على حد سواء أن يأتوا بمثله فلم يستطيعوا ولن يستطيعوا ذلك، وقد كان معجزاً لأهل الفصاحة والبيان والشعر في زمن نزوله كما ذكرنا؛ ولأنه قرآن لكل العصور وللناس كافة حصل فيه الإعجاز التاريخي والعلمي والتربوي والسياسي ما يثبت أنه خارج قدرة هؤلاء البشر، فهو معجزة خالدة إلى قيام الساعة.
فكلمات القرآن العظيم فهمها الأقدمون بمقتضى عصرهم، و يفهمها اليوم المسلمون في ظل تطور عصرهم، وستبقى صالحة لفهم اللاحقين وفق سياق زمنهم.
﴿وَإِنَّهُۥ لَتَنزِیلُ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ ١٩٢ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِینُ ١٩٣ عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِینَ ١٩٤ بِلِسَانٍ عَرَبِیࣲّ مُّبِینࣲ ١٩٥﴾ [الشعراء]
ويقول جل جلاله﴿ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرࣱ لِّلۡعَـٰلَمِینَ ٨٧ وَلَتَعۡلَمُنَّ نَبَأَهُۥ بَعۡدَ حِینِۭ ٨٨﴾ [ص]
بلاغة القرآن
البلاغة هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال؛ يميز البلاغيون بين المعنى الأصلي والمعنى الزائد على أصل المراد،
فالمعنى الأصلي هو مجرد ثبوت حكم شيء لشيء؛ فقولنا: (زيدٌ قام، أو قام زيدٌ) أثبتنا فعل القيام لزيد، والجملتان صحيحتان نحوياً سواء كانت اسمية أم فعلية، فقواعد النحو سليمة ويتلقاها الإنسان العادي بالمعنى الأصلي، أما عند البلغاء فإن المعنى عندهم يختلف؛ فيكون المعنى الزائد على الأصل المراد مراعاة لمقتضى الحال للقائل والسامع وظرف القول على حد سواء.
لنقرب المعنى للقارئ:
حدثت قصة بين الفيلسوف الكندي الذي يهتم بالمفاهيم العقلية مع المبرد أحد علماء اللغة والبيان الكبار، فتجشم الفيلسوف الكندي عناء السفر إلى المبرد ليقول له: “إني وجدت في كلام العرب حشواً، الأصل أن يقتصر من التركيب على قدر الحاجة”، فقال له :”أين وجدت ذلك؟”
قال: في قولهم: “عبد الله قائم، إن عبد الله قائم، واللهِ إن عبد الله لقائم”.
فالمعنى واحد بنظره مفهوم من العبارة الأولى، فما زاد في الثانية والثالثة حشو لا طائل منه، فرد عليه المبرد مرشداً له إلى المعنى الزائد عن التركيب بفهم اللغويين؛ ففي الجملة الأولى يخبر فيها لإنسان خالي الذهن ليس له معلومة سابقة عن قيام عبد الله، وفي الثانية لإنسان آخر شك في قيام عبد الله فأكد القائل قوله( بإن)، وفي الثالثة لإنسان منكر مكابر لقيام عبد الله، فأكد القائل قوله بالحلف وإنّ واللام.
ومثل ذلك قوله تعالى﴿فَوَرَبِّ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقࣱّ مِّثۡلَ مَاۤ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ ٢٣﴾ [الذاريات ٢٣]
يؤكد الله سبحانه بالقسم وإن واللام لناس أنكروا الحق وكابروا.
ولما كان القرآن الكريم كلام الله سبحانه وتعالى الذي أحاط بالنفس البشرية خلجاتها ووسوساتها وما تخفيه وماتعلن، وأحاط باللغة إحاطة العليم الذي لايتأتى لبشر، فإن كلامه سبحانه وتعالى يطابق تماماً الحال المراد بإرادة دقيقة قاصدة لوضع الشيء موضعه بالقول.
اسمع قوله تعالى: ﴿یَـٰبُنَیَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَاۤ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَ ٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ﴾ [لقمان ١٧]
وقوله تعالى ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَ ٰلِكَ لَمِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ﴾ [الشورى ٤٣]
أتت عبارة “إن ذلك من عزم الأمور” في الآية الأولى من غير لام، في حين أتت مؤكدة باللام في الثانية لأن الصبر على الأذى أتى مترافقاً بالمغفرة، وهذا أشد على النفس، فاحتاج مؤكداً آخر ألا وهو اللام.
وكل كلامه سبحانه وتعالى معجز لا يمكن أن تسقط حرفاََ أو تضيف آخر و يستقيم المعنى كما يريد الله عز وجل، لذلك عجزوا عن الإتيان بمثله، وراحوا يحاربونه بالتكذيب تارة واتهام الرسول بالجنون والسحر تارة والتعذيب والقتال تارة أخرى.
البلاغة تدرس على ثلاث قواعد:
١- البيان: هو إظهار المقصود بأبلغ لفظ ومن أبوابه:
- التشبيه
- الاستعارة
- المجاز
- الكناية
٢- المعاني: وعلم المعاني هو رُوح النَّحوِ وعلته، وبيان أغراضه وأحواله. نفهم دراسته لماذا جاءت الجملة خبرية، ومتى نجعلها إنشائية، والإنشاء ومنه الطلبي ويتفرع إلى:
- الاستفهام
- الأمر
- النهي
- التمني
- النداء
غير الطلبي:
ومنه القسم والتعجب.
٣- البديع: وهو العلم الذى يختص بتحسين الكلام في لفظه وفي معناه،ومنه:
- الطباق
- الجناس
- المقابلة
مثال قوله البديع:﴿قلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ﴾ ، [آل عمران]
وإن الآية الواحدة قد تحوي عدة أبواب من البلاغة مالا يتأتى لفحول اللغة مجاراته.
كقوله تعالى: ﴿حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَتَوۡا۟ عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمۡلِ قَالَتۡ نَمۡلَةࣱ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّمۡلُ ٱدۡخُلُوا۟ مَسَـٰكِنَكُمۡ لَا یَحۡطِمَنَّكُمۡ سُلَیۡمَـٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ﴾ [النمل ١٨]
ففيها من بيان المعاني أن النملة أحست وبادرت ونادت ونبهت وأمرت ونهت وأكدت ونصحت وبالغت وبيّنت وأنذرت وأعذرت ونفت.
من أدوات الدلالة على المعاني نذكر مثالين
التنكير والتعريف وفائدته البلاغية
في قوله تعالى:
﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ٢﴾ [الإخلاص]
جاء بصفة الله( أحد) نكرة (غير معرفة بال) وجاء بالصمد معرفة لنكرانهم أحدية الله سبحانه، فقد اتخذوا أصناماً وأوثاناً يعبدونها من دونه، وجاءت كلمة الصمد معرفة لمعرفتهم بصمديته فهم يدعون ربهم في الحروب والمخاطر.
وكثيرة هي الأمثلة في القرآن تشهد أنه كلام الله عز وجل.
الحذف ودلالته البلاغية:
عرّف الجرجاني: الحذف بأنه “باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب
الأمر، شبيه بالسحر، فإنه ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق وأتم ما تكون بياناً إذا لم تبن”.
مثال قوله تعالى: ﴿أَمَّنۡ هُوَ قَـٰنِتٌ ءَانَاۤءَ ٱلَّیۡلِ سَاجِدࣰا وَقَاۤىِٕمࣰا یَحۡذَرُ ٱلۡـَٔاخِرَةَ وَیَرۡجُوا۟ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ یَسۡتَوِی ٱلَّذِینَ یَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا یَتَذَكَّرُ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ﴾ [الزمر ٩]
في قوله تعالى: “هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون” حذف المفعول به المقدر الذين يعلمون الدين والذين لا يعلمون الدين، الذين يجهلون الدين هم الذين يجهلون حقيقة العلم، فإنكار الدين إنكار للعلم لأن العلم من الدين والدين يدعو للعلم.
وكثيرة هي أبواب البلاغة التي أعجز الله سبحانه أرباب الفصاحة والبلاغة أن يحيطوا بمثلها تعالى علواً كبيراََ.
عجز البشر عن الوصول إلى مستوى البلاغة القرآنية
خلق الله الإنسان بقدرات محدودة وعلم محدود، فلن يستطيع إحاطة مفردات اللغة ولا معرفة أحوال الناس كلهم ما يبدونه وما يخفونه، فعقله محدود وعلمه محدود، فعجزه لا حدود له مقارنة بقدرة الله المحيط بكل شيء علماً وقدرة، لذلك كان كلام البشر مبدعاً في ناحية عاجزاً مخلاً بجوانب عديدة؛ و كما قيل: “لا يحيط باللغة إلا نبي” لأنه يوحى له من خارج عالم البشر؛ وإن خبر كل أدوات البلاغة ودرس معاييرها فلن يستطيع استخدام دقائقها بنسبها الدقيقة كما جاءت من الله العظيم.
الكلام عملية عقلية واعية يتكلم الإنسان بأفكاره التي تجول في خلده يخفي بعضها ويعلن بعضها، فأنى له بعلم الله وإحاطة الله.
إدراك الإنسان العامي لبلاغة القرآن
نعود للآيات في سورة الذاريات ﴿وَفِیۤ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ ٢١ وَفِی ٱلسَّمَاۤءِ رِزۡقُكُمۡ وَمَا تُوعَدُونَ ٢٢ فَوَرَبِّ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقࣱّ مِّثۡلَ مَاۤ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ ٢٣﴾ [الذاريات ٢١-٢٣]
الإنسان العادي يعلم بمعلوماته الأولية إعجاز الله في خلق الإنسان؛ كيف ينبض قلبه بلا إرادة منه؟ وكيف خلق الله الهيكل العظمي محيطاً بقلبه ورئتيه ليحميهما من أية صدمة؟ و الكثير الكثير من مبادئ العلوم التي يعلمها ولكنه لا يشخص أمراض انسداد الشريان كطبيب القلب، ولا يشرّح الأعصاب الدقيقة واصلاً لأصل المشكلة كطبيب الأعصاب، كذلك يعلم أن هذا القرآن هو كلام الله ليس كلام البشر.
وإن صور الإعجاز في القرآن غير محصورة في البلاغة والبيان فحسب، بل تعدى ليعجز أرباب العلم اليوم في إشاراته الدقيقة التي تدل على أنه قول رب البشر، فأنى لمحمد عليه الصلاة والسلام منذ أربعة عشر قرناََ أن يأتي بمثله إن لم يكن وحياََ يوحى:
﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِٱلذِّكۡرِ لَمَّا جَاۤءَهُمۡۖ وَإِنَّهُۥ لَكِتَـٰبٌ عَزِیزࣱ ٤١ لَّا یَأۡتِیهِ ٱلۡبَـٰطِلُ مِنۢ بَیۡنِ یَدَیۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِیلࣱ مِّنۡ حَكِیمٍ حَمِیدࣲ ٤٢﴾ [فصلت ].
صور من الإعجاز القرآني
الإعجاز التاريخي
لا يخفى علينا اختبار اليهود لنبي الله أيام نزول القرآن، وسؤالهم له عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين، هذه من القصص التي غابت عن العرب الأميين آنذاك، ونزول سورة الكهف على رسول الله لينبئهم بها، وكذلك قصة النبي يوسف وسليمان وداوود، وكل القصص التي جاءت تسرد قصص القرى السابقة ونبوءات ما سيأتي، وتحققت كما ذكر الله تعالى تماماََ.
وفي عصرنا الحالي كان من انكب على دراسة التاريخ والقرآن معادياََ له، فما كان له إلا أن يسلم لله بعدما تبين له صدق كلام رب العالمين، ومن ذلك ما علم بعد فك رموز اللغة الهيروغليفية، فبعد اتهام المستشرقين محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه نسخ القرآن من التوراة والإنجيل، وأنه أخطأ بذكر اسم شخص اسمه (هامان) مقرباََ إلى فرعون لم يذكر في كتبهم، يأتي الكشف الحديث بوجود هذا الاسم في الأحجار الأثرية، هو ذاته الاسم في القرآن (هامان) هو الشخص الذي يوكل إليه هندسة المباني.
يذكره الله في قوله جل وعلا: ﴿وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمَلَأُ مَا عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرِی فَأَوۡقِدۡ لِی یَـٰهَـٰمَـٰنُ عَلَى ٱلطِّینِ فَٱجۡعَل لِّی صَرۡحࣰا لَّعَلِّیۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰۤ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّی لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلۡكَـٰذِبِینَ﴾ [القصص ٣٨].
وكذلك فيما جاء استعمال القرآن الكريم لاسم (الملك) في قصة يوسف عليه السلام بخلاف ذكر اسم( فرعون) في قصة موسى عليه السلام، لكونهما نبيين عاشا في مصر، ولكن اختلاف الحقبة التاريخية التي كانت متمثلة بملوك الهكسوس في زمن النبي يوسف، وهي الحقبة الأقدم التي شاع فيها استخدام لقب (الملك) تماماََ كما جاء في القرآن الكريم.
الإعجاز العلمي
لقد حوى القرآن إعجازات علمية كثيرة لن تحصرها المقال كما لم تحصر سالفها،
نذكر منها إشارة القرآن الكريم إلى خلق الإنسان الذي جاء العلم الحديث مطابقاََ لمراحل خلق الإنسان من نطفة فعلقة فمضغة ثم عظام ثم لحم بوصف يفهمه أهل البادية من ألف وأربعمئة سنة، ولا يخالف ما جاء به العلم الحديث في القرن الحادي والعشرين بوصف الأشعة فوق الصوتية اليوم وعلماء التشريح، بخلاف ما كان سائداََ في الأزمان الغابرة من أفكار الفلاسفة وحكماء القرون البعيدة بوصف الإنسان من نطفة الرجل ورحم المرأة كالفرن المعد لإنضاجه ليأتي القول الفصل بالقرآن الكريم ﴿إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجࣲ نَّبۡتَلِیهِ فَجَعَلۡنَـٰهُ سَمِیعَۢا بَصِیرًا﴾ [الإنسان ٢]
كلمة (أمشاج) المفردة الدقيقة التي تعني أنه مزيج من ماء الرجل وماء المرأة على حد سواء.
وإشاراته العلمية لا حصر لها لما سيظهر في العصور المقبلة؛ إذا تدبرت القرآن أيقنت أنه كلام رب البشر نزل لهداية البشر.
وكذلك قوله تعالى: ﴿وَٱلۡخَیۡلَ وَٱلۡبِغَالَ وَٱلۡحَمِیرَ لِتَرۡكَبُوهَا وَزِینَةࣰۚ وَیَخۡلُقُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [النحل ٨]
وهو ما أشار إليه محمد عبدالله دراز في كتابه (النبأ العظيم) من مخاطبة القرآن لكل أصناف البشر القدماء والمعاصرين على اختلاف درجة ذكائهم وأفهامهم، حيث يصل المعنى المراد من الله سبحانه وتعالى إلى عقولهم على تفاوت ملكاتهم.
الإعجاز التربوي
سبق القرآن الكريم التربويين والمعلمين في المنهج التربوي الذي جاء به القرآن الكريم الذي قام بين الترهيب و الترغيب، ليسير الإنسان بجناحي الخوف والرجاء متعبداََ خالقه، وكذلك ضرب الأمثال وغيرها التي تجدها في المقال (الإنسان بين التربية القرآنية والتنمية البشرية).
الإعجاز الفيزيائي الكوني
كثيرة هي الإشارات القرآنية التي تبهرك في مفرداتها الواحدة، فينفق العلماء سنين بحث وعمل ودراسة ليصلوا باكتشافاتهم إلى ما جاء به القرآن بكلمة واحدة منه، كقوله تعالى: ﴿وَٱلسَّمَاۤءِ ذَاتِ ٱلۡحُبُكِ ٧﴾ [الذاريات].
وكانوا يعتقدون بفراغ السماء، وتبين أنها نسيج محكم من المجرات ضبطت المسافة بينها بدقة وإتقان لا يكون إلا من الخالق البارئ بديع السماوات والأرض.
وكذلك ما أشار إليه القرآن في كلمة (أنزلناه) في سورة الحديد إلى الحقيقة العلمية لتكوّن الحديد في عوامل لا يمكن أن تكون في الأرض.
اقرأ ما في الرابط
خاتمة
“كتابُ اللهِ، فيه نبأُ ما قبلكم ، وخبرُ ما بعدكم، وحُكمُ ما بينكم، هو الفصلُ ليس بالهزلِ، من تركه من جبَّارٍ قصمه اللهُ، ومن ابتغى الهدَى في غيرِه أضلَّه اللهُ، وهو حبلُ اللهِ المتينُ، وهو الذِّكرُ الحكيمُ، وهو الصراطُ المستقيمُ، وهو الذي لا تزيغُ به الأهواءُ، ولا تختلفُ به الآراءُ، ولا تلتبس به الألسُنُ، ولا يَخلَقُ عن كثرةِ الرَّدِّ، ولا تنقضي عجائبُه، ولا يَشبعُ منه العلماءُ، من قال به صدَق، ومن حكم به عدَل، ومن عمِل به أُجِر، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيمٍ”
صدق رسول الله الكريم بوصفه لكلام ربه.
هوجم القرآن كثيراََ من قبل الكافرين سابقاََ بتكذيبهم وجحودهم، واليوم يُهاجم من المستشرقين، والكثير من يتبع قولهم بجهلهم لأسس العلم وقواعد اللسان العربي، فيكون عليه عمى، ويزداد بعداََ وضلالاََ، وقليل ممن يكون طالباََ الحق المبين، فيجد الشفاء والرحمة في كلام رب العالمين.
وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَاۤءࣱ وَرَحۡمَةࣱ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ وَلَا یَزِیدُ ٱلظَّـٰلِمِینَ إِلَّا خَسَارࣰا﴾ [الإسراء ٨٢].
الأسئلة الشائعة عن إعجاز القرآن الكريم
القرآن الكريم كلام رب العالمين بلسان عربي مبين، نزل به الروح الأمين على سيد المرسلين متحدياََ به العالمين على مر السنين أن يأتوا بمثله فخابوا خاسرين.
أن تكون الكلمة والحرف بميزان دقيق في كلام رب العالمين ليأتي مطابقاََ لمقتضى الحال، ماعجز عنه بلغاء الجاهلية من خطباء وشعراء على أن يأتوا بحديث مثله أو عشر سور أو سورة واحدة وهم أهل الفصاحة والبلاغة.
القرآن الكريم كلام رب العالمين، ورسالته الخالدة لكل الأمم في كل الأزمان، تعددت وجوه إعجازه البلاغي، والبياني، والعلمي، والتاريخي، والتربوي، والتشريعي.
الكاتبة: آ رشا ميا
شارك المقال مع اصدقـائك: