fbpx

الأخلاق في الإسلام

أكثر الناس تدعو لمكارم الأخلاق، وقليل فاعلوها. دعت إليها الشرائع السماوية، والمدارس الفكرية، وتغنى بها الشعراء والأدباء.

فمن كانت سجيته الطيب من القول والفعل يَسْمُ بدينه وخلقه لمصاف الملائكة، ومن غلبت عليه شقوته هلك مع شياطين الإنس والجان. سنتعرف في هذا المقال على الأخلاق في الإسلام، وأهميتها، وذكرها في القرآن الكريم، وما الأخلاق التي دعا إليها الإسلام؟ وهل العبادات تغني عن الأخلاق أم كلاهما ضرورة لسلامة الآخرة؟

جدول المحتويات

تعريف الأخلاق

الأخلاق كلمة تحمل في طيتها القبيح والجميل، نسمع في وصف أحدهم أن أخلاقه كريمة، وفلاناً آخر أخلاقه سيئة. فالأخلاق: ﻫﻲ ﻫَﻴْﺌَﺔٌ راﺳِﺨﺔٌ ﰲ اﻟﻨﻔﺲ ﺗﺼﺪرُ ﻋﻨﻬﺎ اﻷﻓﻌﺎلُ اﻹرادﻳﺔُ الاﺧﺘﻴﺎرﻳﺔُ ﻣﻦ ﺣﺴﻨﺔٍ و ﺳﻴﺌﺔ وجميلة وﻗﺒﻴﺤﺔ.

فكيف نفهم إشارة الله سبحانه وتعالى للأخلاق في القرآن؟

قال سبحانه وتعالى: {وَنَفۡسࣲ وَمَا سَوَّىٰهَا ۝٧ فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا ۝٨ قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ۝٩ وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ۝١٠}

فالله سبحانه وتعالى فطر الناس جميعاً على فطرة سوية تحب الخير، وتكره الشر، تستحسن الجميل، وتستقبح القذر، ولكن قلوبهم جبلت على أمور هي من أصل تكوينها البشري كهيئة أجسامهم المعروفة.

آيات الأخلاق في القرآن

ذُكرت الأخلاق في القرآن الكريم في عدة مواضع بعدة صفات جُبل عليها الإنسان أصالة.

فقال سبحانه وتعالى: {إنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا ۝١٩ إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعࣰا ۝٢٠ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلۡخَیۡرُ مَنُوعًا۝٢١}. سورة المعارج

وقال: {وَكَانَ ٱلۡإِنسَـٰنُ قَتُورࣰا}. سورة الإسراء

وقال: {إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومࣰا جَهُولࣰا}. سورة الأحزاب

وقال: {وَكَانَ ٱلۡإِنسَـٰنُ عَجُولࣰا}. سورة الإسراء

في ظل هذه الآيات تُفهم الأخلاق في القرآن على أنها خلقة جبلية للإنسان؛ فقد خلق هلوعاً عجولاً قتوراً ظلوماً جهولاً. فهي أخلاق سيئة تحتاج الترويض والتزكية.

الأخلاق في الإسلام

كيف يخلق الله أمراً ويطلب من الإنسان أن يغيره؟

لنعلم أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، ومناط التكليف عند الإنسان تزكية نفسه، فيوجّهها في طريق الخير توجيهاً يثاب عليه، ويجنبها مهالك الردى التي حذره الله منها؛ فقد بيّن له الخير، وحببه إليه بفطرته، وبيّن له الشر على حد سواء، ونفره منه. 

مكارم الأخلاق في القرآن

بعث الله سبحانه وتعالى رسوله بالهدى ودين الحق وزكاه. قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِیمࣲ}.

وأمر المسلمين باتخاذه أسوة حسنة. قال تعالى: {لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا ۝٢١﴾

من حكمته سبحانه أن أرسل رسولاً بشراً يعتريه ما يعتري البشر من ألم وحزن وجوع وحب وشوق، ولكنه فاق البشر أدباً وخلقاً عظيماً، وبعثه ليتمم مكارم الأخلاق، فقد كانت الجاهلية العربية على صفات من المروءة والشجاعة والكرم والإباء مما نفتقده في عصرنا. ولم تكن في أغلبها لله، وإن كثيراً من الفضائل كانت تنقصهم، فبعثه فيهم ليزكيهم ويهديهم إلى عبادة الله الواحد.

فأخرجهم من الظلمات إلى النور، فكان جيل الصحابة الكرام الذين تربوا في محراب النبوة، فكانوا خير القرون بشهادة المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى.

فنقلهم من الجاهلية والعصبية المقيته إلى رحابة الإسلام كما جاء في الحديث الشريف:

“عَنِ المَعرُور بنِ سُوَيدٍ، قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلتُهُ عَن ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبتُ رَجُلًا فَعَيَّرتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخوَانُكُم خَوَلُكُم، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحتَ أَيدِيكُم، فَمَن كَانَ أَخُوهُ تَحتَ يَدِهِ، فَليُطعِمهُ مِمَّا يَأكُلُ، وَليُلبِسهُ مِمَّا يَلبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُم مَا يَغلِبُهُم، فَإِن كَلَّفتُمُوهُم فَأَعِينُوهُم”.

فدين الإسلام العظيم جعل معايير التمييز بين الناس على أساس سامٍ؛ لم يفضل غنياً على فقير، ولا عربياً على أعجمي، بل قال سبحانه: {إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرࣱ}  فالتقوى أساس مقياس الأخلاق في القرآن.

هل يمكن للإنسان أن يغيير أخلاقه؟

إن مجاهدة النفس لتتخلق بخلق حسن، وتترك القبيح ليس أمراً سهلاً، بل يحتاج إلى صبر ومثابرة، ولكن ليس بالمستحيل إذا ما اُبتغي وجه الله وطُمع بما عند الله.

{وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ۝٤٠ فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ}

فيعينه الله إذا رأى منه صدقه.

قال سعيد بْن العاص رضي اللَّه عنه: “يا بُنيّ! إنَّ الْمَكَارِمَ لَوْ كَانَتْ سَهْلَةً يَسِيرِه لسابقكم إلَيْهَا اللِّئَام، وَلَكِنَّهَا كَرِيهَة مُرَّة لَا يَصْبِرُ عَلَيْهَا إلَّا مِنْ عَرَفَ فَضْلِهَا، وَرَجَا ثوابها”.

ونأخذ من مدرسة النبوة رياحين الأخلاق؛ فقد جسّد عليه الصلاة والسلام معنى الأخلاق في القرآن في خلقه العظيم.

خلق الرسول الكريم

ما خلق الرسول عليه الصلاة والسلام؟ سُئلت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها هذا السؤال فقالت: “كان خلقه القرآن يغضب بغضبه ويرضى برضاه”.

يعني أنه تحلى بكل خلق كريم في أجمل صوره وأزكى معانيه؛ فإن تحدثت عن الكرم كان أكرم الناس، فكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وإن تحدثت عن الشجاعة كان أصحابه إذا حمي الوطيس احتموا به، فهو في مقدمة جنده، وإن تحدثت عن الوفاء فهو أوفى الأزواج، فها هو ذا يغضب لزوجته خديجة أم المؤمنين عندما نالت منها أحب نسائه فقالت: “أبدلك خيراََ منها فقال عليه الصلاة والسلام ما أبدلني الله عز وجل خيراً منها، قد آمنت إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عزوجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء”.

وإن سألت عن الصدق والأمانة فهو أصدق الناس وأحفظهم أمانة، فلُقِّب في قومه الصادق الأمين قبل أن يبعث، وبعد أن بُعث فيهم ودعاهم لعبادة الواحد القعاد وأنذرهم عذابه كانوا مكذبيه ومعذبيه وطارديه.

وإن تحدثت عن الصبر فهو أصبر الناس، تحمل أذية قومه وتكذيبهم له، وإن ألم النفس لمَن تحلى بمعالى الأخلاق إذا ما اتهم بعرضه لشديد، وكذلك صبره على فقد أهله وزوجه أولاده وأصحابه.

وإن أردت الشكر فاسمع لقوله: “أفلا أكون عبداً شكورا” عندما رأته أمنا عائشة يقوم الليل كله إلا قليلاََ، وهي زوجه وأحب الناس إلى قلبه.

وكثير من الناس يكون له طمع بذويه وأهله، فيسيء لهم تارة قاصداً وتارة متجاهلاً، يبخل عليهم باهتمامه أو بحسن عشرته لكونه معهم في حياته، ويكون في المقابل مع الناس في المحيط باسطاً إليهم مودته لمصلحة أو لتزكيته في أعينهم بينما المؤمن الخيّر هو من يبسط مودته الدائمة لأهله، ومن هو قائم على رعايتهم مكلف بوصايته عليهم لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”.

وكذلك سئل أصحابه عنه فقال أبو سعيد الخدري: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه”.

والحياء خلق الإسلام كما قال النبي الأكرم، خلق يحمل صاحبه على تجنب القبائح والرذائل، ويأخذ بيد صاحبه لفعل المحاسن الفضائل. 

محامد الأخلاق في القرآن

إذا ما نقلت قلبك بين آيات الله ترى الأخلاق في القرآن، والتي دعا الله عباده للتحلي بها، وحبب إليها ببيان ثوابها تارة وببيان محبته لها سبحانه تارةً، والمؤمن أشد حباً الله ويحب ما يحبه الله.

كالصدق والإحسان والوفاء والصبر.

قال تعالى: {یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَكُونُوا۟ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِینَ}.

وحث على الإنفاق والصدقة والإحسان، فقال: {ٱلَّذِینَ یُنفِقُونَ فِی ٱلسَّرَّاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ وَٱلۡكَـٰظِمِینَ ٱلۡغَیۡظَ وَٱلۡعَافِینَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ}.

وقال تعالى: {فَأَثَـٰبَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُوا۟ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ وَذَ ٰ⁠لِكَ جَزَاۤءُ ٱلۡمُحۡسِنِینَ}.

وكرّه إلى عباده الرذائل من الأخلاق بنفي محبته لمن كانت تلك صفاتهم كالفحش بالقول والخيانة والكبر والغرور…

قال سبحانه: {لَّا یُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلۡجَهۡرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ إِلَّا مَن ظُلِمَۚ}.

وقال سبحانه: {إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِیمࣰا}.

وقال سبحانه: {إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالࣰا فَخُورًا}.

عدد الآيات التي ذُكرِت فيها الأخلاق في القرآن

إن نسبة الآيات التي تدعو لمكارم الأخلاق، وتنفر من رذائلها عشرة أضعاف الآيات التي يأمر الله سبحانه عباده بأوامر ونواهٍ.

فهل ذلك يدعو المسلم لترك عبادته لله مقابل تحليه بحسن الخلق؟

كثير من الناس يحاجون بسوء خلق بعض المصلين الملتزمين بعبادتهم ويتذرعون لترك صلاتهم بأن صلاة هؤلاء لم تهذب أفعالهم.

نعلم أن الله سيحاسب كل فرد على حدة كلاً بحسب عمله.

قال تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنسَـٰنٍ أَلۡزَمۡنَـٰهُ طَـٰۤىِٕرَهُۥ فِی عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ كِتَـٰبࣰا یَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا﴾ (الإسراء ١٣)

وقد أخبر النبي عليه الصلاة عن امرأة تصوم النهار وتقوم الليل وتؤذي جيرانها، فقال هي في النار، وقالوا فلانة تصلي المكتوبات وتصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها قال هي في الجنة.

وقد أخبر عليه الصلاة والسلام عن المفلس يوم القيامة؛ من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ماعليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه فطرح في النار.

ديننا العظيم شرع العبادات التي يقوم الإسلام بها، وهي لا تأخذ حيزاً من وقت الإنسان وجهده، فالصلوات خمس في اليوم والليلة، والصوم شهر في السنة، والحج من استطاع إليه سبيلا، وزكاة المال لمن يبلغ عنده النصاب.

ولكنه محاسب على تقصيره بها، وخاصة أنه شرع له التخفيف بالأعذار كصلاة الخوف والمريض والجمع والقصر في صلاة المسافر، والإفطار للمريض العاجز، وغيرها من الرخص التي يرحم الله بها عباده وما يجحدها إلا كل جبار عنيد.

لماذا تضاعفت آيات الأخلاق في القرآن مقارنة بآيات العبادات؟

وتكرار الآيات التي تخص المعاملات والأخلاق في القرآن تضاعفت لكثرة حاجتها في المعاملات مع الناس، فتجد المرء يستيقظ في بيته مع أهله يحتاج إلى فقه المعاملات معهم، ويخرج إلى عمله -أياً كان- يحتاج لفقه معاملات معهم، فضلاً عن جيرانه وذوي رحمه، حتى أعداؤه.

قد نظّم الله تعالى علاقاتنا المتشابكة مع الناس، ولذلك كانت آيات الأخلاق مضاعفة، والله أعلم.

فهل تغني الأخلاق عن العبادات؟

لنعلم أن الله سبحانه وتعالى رب معبود، ونحن مربوبون له بما أمر ونهى؛ {لَا یُسۡـَٔلُ عَمَّا یَفۡعَلُ وَهُمۡ یُسۡـَٔلُونَ} (سورة الأنبياء)

افترض الفرائض التي يتعبد بها المسلم ربه، وتعود على سلوكه باستقامته على أمر خالقه إذا أداها استشعاراً لمخلوقيته منتقلاً من تعوده على العبادات إلى تعلق قلبه بها حباََ وخشيةََ.

يقول تعالى: {وَٱلَّذِینَ یُؤۡتُونَ مَاۤ ءَاتَوا۟ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَ ٰ⁠جِعُونَ ۝٦٠ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰ⁠تِ وَهُمۡ لَهَا سَـٰبِقُونَ ۝٦١} (سورة المؤمنون)

يوجد من المسلمين مفلسون يوم القيامة لسوء أخلاقهم أُخبِر عنهم، كذلك أُخبر عن حال السالكين في سقر.

قال تعالى: {مَا سَلَكَكُمۡ فِی سَقَرَ ۝٤٢ قَالُوا۟ لَمۡ نَكُ مِنَ ٱلۡمُصَلِّینَ ۝٤٣ وَلَمۡ نَكُ نُطۡعِمُ ٱلۡمِسۡكِینَ ۝٤٤ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلۡخَاۤىِٕضِینَ ۝٤٥ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِیَوۡمِ ٱلدِّینِ ۝٤٦ حَتَّىٰۤ أَتَىٰنَا ٱلۡیَقِینُ} (سورة المدثر)

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصلاة عمود الدين من أقامها أقام الدين ومن تركها هدم الدين”

والعبادات -ولا سيما الصلاة- من أقامها حق إقامتها كانت عوناً له على التحلي بمكارم الأخلاق في القرآن.

اسمع قوله تعالى: {إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا ۝١٩ إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعࣰا ۝٢٠ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلۡخَیۡرُ مَنُوعًا ۝٢١ إِلَّا ٱلۡمُصَلِّینَ} (المعارج)

فاستثني المصلين لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.

والرسول الكريم عندما قال: “إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه” قرن بين الدين والخلق للموافقة على الخاطب، فبهما تعمر البيوت المسلمة، ويستثمر في بناء أفراد مسلمين أسوياء.

هل نشهد تطوراً أخلاقياً في ظل الحضارة المادية اليوم؟

ما نحياه اليوم من فساد أممي، وانتكاس في القيم، وتردٍّ في الأخلاق، ثم يقلبون الأمور على الناس؛ فيسمون الخمور التي تذهب العقول مشروبات روحية، والربا فوائد مالية، والتلاعب والاحتيال مهارة، والشعوذة علوم طاقة، وجحود الخالق نظرية التطور العلمية، والزنا مساكنة، والشـذوذ مثلية…

فهم بحاجة لعودة للإنسانية قبل دعوتهم للدين الحنيف.

يشهد عصرنا الحالي تطوراً هائلاً في العلوم والتكنولوجيا في كافة مجالات الحياة، ولكن هذه الثورة الصناعية والعلمية عادت ضرراً وخسفاً في الفطرة البشرية لم يشهد لها مثيل.

فماذا أنتجت هذه الحضارة المادية إلا الخواء الروحي، والتصحر القيمي، والانسلاخ عن الفطرة. قال تعالى: {كَلَّاۤ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَیَطۡغَىٰۤ ۝٦ أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰۤ ۝} (الأعلى)

العلم من دون أخلاق

لقد رأينا كيف نعيش اليوم في ظل مجتمع حقوق الإنسان والمجتمع المادي ودعاة التطور والحضارة المسيطر على العالم الذي أقفر من كل قيمة نبيلة حقيقية، وما زالوا ماضين في خداعهم وغيهم يعمهون.

وإن كان هناك بقية من أخلاق لديهم فإنها أخلاق نفعية تضبطها قوانين صارمة، فربما يجرمون الأذى الذي يلحق الضرر بالآخرين ولما ينته الضرر عندهم، فهي لا تضبط أهواءهم، فإن أكثر حالات الجرائم والسرقة في العالم بين أظهرهم، كيف لا؟ وهم يسرقون غيرهم باسم الوصاية تارة، ولإحكام قبضتهم وبطشهم تارة أخرى وسرقة خيرات الأمم…

فترى هذه الأخلاق تضحمل وتختفي عندما تلم بهم النائبات، رأينا آلات تصويرهم/كاميراتهم توثق حالات السلب والنهب، ورأينا بطشهم وكذبهم بأم أعيننا، فما يُغَرُّ ببريق شعاراتهم إلا كل مفتون بهم لم يُبصر بقلبه.

فرحم الله أم الإمام مالك عندما كانت ترسل ولدها إلى شيخه، فتقول: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه.

وقال ابن المبارك: كاد الأدب أن يكون ثلثي العلم.

وكان رسول الله على الله عليه وسلم يتعوذ من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء.

الأخلاق رزق من الله

نعم هي رزق من الله بطلب من العبد وإلحاح كما هي بقية الأرزاق لها من سعي المرء نصيب.

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم اهدني لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت”.

فهي رزق كغيرها من الأرزاق.

جاء في الأثر:

فإِذا رُزقتَ خَليقةً محمودةً ==== فقد اصطفاكَ مقسِّمُ الأرزاقِ

والناسُ هذا حظُّه مالٌ وذا ==== علمٌ وذاكَ مكارمُ الأخلاقِ

ويقول عليه الصلاة والسلام: “مامن شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق”.

فشتان ما بين النور الذي يهدي إلى الحق المبين فتستقيم به الحياة وتسمو النفس بأخلاق القرآن ونور الإنسانية المادية الذي يعميك ويحرق الأولى والآخرة.

الأسئلة الشائعة عن الأخلاق في الإسلام

ما الأخلاق؟

هي كلمة جامعة تعني الهيئة الراسخة في النفس تصدر عنها الأفعال الإرادية من خير وشر.

كيف دعا الله للأخلاق؟

بتربيتهم على حب خالقهم، فإذا أحبوه أحبوا ما يحب وكرهوا ما يكره.

هل ممكن أن يتغير خلق الإنسان؟

نعم، إذا ابتغى وجه الله، وصدق في مجاهدته لنفسه أعانه الله. قال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ} (سورة الرعد)

ما خلق الرسول؟ وما أجمل الأخلاق؟

كان خلقه القرآن، وخلق الإسلام الأول هو الحياء الدافع لعمل كل فضيلة وتجنب كل رذيلة. 

ما الأخلاق التي يحبها الله سبحانه وتعالى؟

كل الأخلاق الفاضلة التي تسمو بصاحبها للبر والتقوى، وأولها الصدق مع الله والصبر. 

هل العلم أسمى من الخُلُق؟

لا يكون عالماً بحق إلا من عمل بعلمه، وثمرة العلم العمل به.

هل نشهد تطوراً أخلاقياً في ظل الحضارة المادية اليوم؟

لا، على العكس، يحتاج المجتمع العالمي اليوم لإصلاح يبدأ من إصلاح الفطرة التي انتكست، ولا يصلح إلا بإصلاح المسلمين دينهم وأخلاقهم التي تلوثت بشوائب الغرب.

هل العلم ينفع من دون أخلاق؟

لا ينفع، فلكل علم أخلاقه، وهذه الأخلاق يجب أن تستمد من الأخلاق التي مصدرها القرآن الكريم والسنة النبوية، لا من أخلاق الغرب النفعية.

هل الأخلاق رزق من الله سبحانه؟

نعم، هي رزق من الله بسعي العبد لها. قال سبحانه: {وَأَن لَّیۡسَ لِلۡإِنسَـٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ} (سورة النجم)

الكاتبة: آ. رشا ميا

شارك المقال مع اصدقـائك: