الإحسان في الإسلام
الإحسان في الإسلام قيمة من أهمّ القيم، وفي الدين هي قمّة الهرم، تُعدّ من القربات إلى الله، وبين الناس تغلق أبواب العداوات، طريق للسعادة ومجمع للحسنات، صفة إلهيّة ومطلوبة من البشريّة، ذكرها الله تعالى في كثير من الآيات الكريمة، قال تعالى: { وأحسنوا إنّ الله يحبّ المحسنين } [ البقرة:195 ].
وكذلك أطنب بذكرها الشعراء، قال إيليا أبو ماضي:
كن بلسماً إن صار دهرك أرقما – وحلاوةً إن صار غيرك علقما – أحسن وإن لم تُجز حتى بالثنا – أي الجزاء الغيث يبغي إن همى؟ – منذا يكافئ زهرةً فوّاحةً – أو من يثيب البلبل المترنّما؟
إذاً، الإحسان من القيم الإنسانيّة العليا التي تعزّز مكارم الأخلاق والحس الروحاني السامي في حياة الإنسان، ويُعدّ ركيزةً أساسيّةً في الدين الإسلامي يتجلّى في عبادة المسلم وتعامله مع الآخرين.
والكلمة تحمل في طيّاتها معاني العطاء والتفاني في تقديم الأفضل إلى الله وإلى الآخرين وإلى النفس.
تعريف الإحسان وأركانه
الإحسان -بمفهومه العام – هو إضفاء الحسن على الأفعال، مثل: أفعال الجوارح كالتصرفات تجاه الآخرين، أو ردود الفعل على تصرفاتهم، وهو ضدّ الإساءة.
ومعناه يشمل أيضاً إتقان ما يقوم به الإنسان من عمل أو مبادرة، أوغير ذلك، فقد جاء في الحديث الشريف في صحيح مسلم عن شدّاد بن أوس عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلم -قال: “إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة، وليُحدّ أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته”.
وإذا ما تعمّقنا أكثر في المعنى فإنّ الإحسان يأتي بمعنى الفضل أو الزيادة، وهو أن تقدم أكثر مما هو مطلوب منك وأفضل، فإن ابتسم لك أحد الناس فابتسم له وبادر بالسلام، وإذا أساء لك أحدهم فاصفح عنه، أو أن تتطوع فتقدّم ما ليس مطلوباً منك على وجه الحتم، مثل: الصدقة؛ فهي ليست واجبة مثل زكاة المال.
والإحسان فوق العدل؛ فالعدل أن تعاقب بمثل ما عوقبت به، والإحسان هو العفو، وأفضل من ذلك العفو عند المقدرة.
وهو أيضاً الإيثار والتنازلٌ عن الحق لأخيك مع حاجتك إليه، وهذه مراتب عليا من الإحسان.
والمعنى أيضاً يشمل جميع أنواع المساعدة غير الواجبة وتقديم العون للآخرين، وقضاء حوائج المسلمين.
ونأتي إلى الإحسان بمفهومه المطلق والأعم والأشمل، وهو كما بيّنه جبريل عليه السلام للمصطفى -صلوات الله عليه وسلامه- عندما سأله عن الإحسان فقال: أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك.
وهذه مرتبة عالية، وهي ركن الإحسان الوحيد، ويطلق أهل العلم على هذه المرتبة (الرَّغب والرّهب)؛ أي: أن تشعر بأنك ترى الله بجلاله وقدرته وقوّته وبلطفه ورحمته وغفرانه، فترهب صفات الجلال فيه، وترغب في عفوه ورضوانه، فتعبده جلّ وعلا كما ينبغي أن تكون العبادة.
معنى الإحسان في القرآن الكريم
الإحسان في القرآن الكريم له معان كثيرة، وظواهر متعددة وشاملة لجميع أنواع العبادات، وجوانب التعاملات بين الناس، ومنها:
الإحسان في العبادة
أي كما أسلفنا: “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك “؛ أي: أن تحسن عبادتك وكأنّ الله بعظيم جلاله شاخص أمامك.
إذاً، كيف ستكون هذه العبادة؟
ستكون في غاية الخشوعِ والتذلّل وأنت تقف بين يدي الله في الصلاة أو في الحج، وستبتغي وجه الله في سائر العبادات الأخرى.
الإحسان إلى الوالدين
قال الله تعالى :{وقضى ربك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه وبالوالدين إحساناً }. [الإسراء ٢٣]
نلاحظ هنا أنّ الله سبحانه رفع مقام الإحسان إلى الوالدين، حيث ربط بين إفراد الله في العبادة والإحسان إلى الوالدين بحرف الواو الذي يفيد الإشراك في الحكم بين المتعاطفين، وكذلك أنّ الإحسان إلى الوالدين ذكر في العديد من الآيات الكريمة، وذلك للحثّ على أهميّة وضرورة ووجوب الإحسان إليهما، والجزاء العظيم الذي أعدّه الله تعالى للمحسنين إلى الوالدين.
الإحسان إلى ذوي القرابة والفقراء والمسكين والناس عامّة
الإحسان بين الزوجين في حال الوفاق والخلاف
قال تعالى: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان }. [ البقرة: ٢٢٩ ]
صرح الله تعالى بلفظ (الإحسان) عند الطلاق واستعاض عنه بلفظ (المعروف) عند الإمساك، مايدل على أهمية الإحسان إلى الزوجة حتى في حالات الطلاق فأمر الله تعالى أمراً صريحاً بالمفارقة الحسنة بين الزوجين وعدم استدامة المكارهة بينهما.
الإحسان وأثره في المجتمع
حثّ الله تعالى عباده المؤمنين على التخلق بمحاسن الأخلاق من أجل نشر المحبة والألفة بين الناس، ولا يخفى على أحد آثار الإحسان على الناس بإشاعة الرضا والامتنان بينهم، فيجلب ذلك المحبة، ويُذهب البغض، ويؤدي إلى التعاون في سياق ردّ الجميل، قال الله تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}. [ الرحمن: 60 ]
وهذه طبيعة في الإنسان، وخاصّة الإنسان المؤمن الذي انصقل قلبه وزكت نفسه جرّاء أداء العبادات المفروضة.
والله حثّ المؤمنين على المبادرة والبدء بحسن المعاملة في حال العداوة بين شخصين، قال الله تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه ولي حميم } [فصّلت ٣٤]
لأنّ الإحسان إلى الآخرين يجلو القلب من الضغينة، فيصفو، وتنتهي العداوة.
من أهم آثار الإحسان أيضاً أثرُهُ على نفس المحسن وسريرته؛ فالإنسان المحسن إنسان هادئ السريرة، مرتاح الضمير، راض عن نفسه وتصرفاته، خالٍ من العقد النفسيّة والتناقضات، متصل بالله، فهو يعيش في سلام مع نفسه، وتهون عليه صروف الدهر، فيدفعه كل ذلك لتطوير نفسه، وبذل الجهد لتحسين وضعه لكي يدخل السعادة على قلوب أسرته ومن حوله، وبالنتيجة: إنّ مايقوم به يجعله إنساناً سويّاً جسداً وروحاً ومحبوباً من الجميع، فإذا أصبح الجميع محبوبين وعلى هذا النمط من السموّ الأخلاقي فتصوّر حال المجتمع آنذاك، وكيف سيرتقي وينهض ويسوده السلام؟
هذه هي جنة الدنيا التي يمكن للإنسان أن يعيشها من خلال التحلّي بحسن الخلق.
مراتب الإحسان
الإحسان بمعناه المقصود كما بيّنه جبريل عليه السلام للنبي -صلوات الله سلامه عليه- هو مرتبة واحدة، ومقام عال في الدين، وفي معرفة الله تعالى، وحبه والانصياع لأوامره، وتجنب نواهيه.
هذا المقام لايرقى إليه إلّا ثلّة من المؤمنين الأبرار الذين تجلى إيمانهم حقيقة عملية في عباداتهم وتصرفاتهم، وكأن حُجب الغيب قد كُشفت أمامهم فيظهر في عباداتهم وتصرفاتهم، فهم ليسوا طُلاب دنيا، بل طلاب الآخرة، لا تعنيهم الدنيا إلا بما يُعينهم على العيش الكريم وإعفاف النفس وإعمار الأرض.
ولا يُشترط أن يكون هؤلاء من الزّهّاد، بل تراهم يعملون للدنيا والآخرة لأن العمل للدنيا في الحلال الطيب هو أمر من الله تعالى، فقد أمرنا بالنجاح والفلاح، استمع إلى الأذان يُنادى فيه إلى الصلاة ويقترن بها الفلاح: “حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح “.
بعيداً عن هذه المرتبة وهذا المقام الرفيع الذي ينقل صاحبه إلى جنة الدنيا وهي حلاوة الإيمان كما يقال نجد مراتب الإحسان تتفاوت بين المسلمين، ويمكن أن تتعدّد، فمنهم من يحسن العبادة ولا يحسن الأخلاق، ومنهم من يحسن الأخلاق ولا يحسن العبادة، ومنهم من يحسن العبادة والأخلاق ولا يحسن عمله، ومنهم من يحسن للغرباء ويهمل الأقرباء والعكس، ومنهم من يحسن إلى نفسه ولا يعنيه أحد آخر، ومنهم من لا يحسن شيئاً أبداً، والاحتمالات كثيرة.
وكما أسلفنا، إنّ المرتبة الفضلى في الإحسان هي: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك، وبناءً عليه نقول إنّ المرتبة الثانية أن تعبد الله وأنت متيقن بأنه يراك ويراقبك، وأدنى من تلك المرتبة التوسط في العبادة والتعامل، وتتدرّج المراتب بعدها كلّ فئةِ بحسب أدائها، وعلم الله بخبايا النفوس وبالصادقين والمرائين.
أعظم أنواع الإحسان
إنّ أعظم أنواع الإحسان هو الإحسان الذي يشمل كلّ أنواعه، وهذا يتحقّق بالوصول إلى تلك الدرجة العليا من التقوى واليقين بالله، والقرب منه سبحانه وتعالى، والاعتماد عليه جلّ وعلا، والثقة فيه إذ يستشعر المؤمن حلاوة الإيمان، ويتعرض لنفحاتٍ من التجليات الإلهية، فلا يأبه للشدائد ليقينه بعصمة الله له، ولا تحزنه الملمات لأنه يعرف أن الله لا يُقدّر له إلا الخير، ولايجزع لمصيبة لأن الصبر صار طبعاً أصيلاً لديه.
تراه شاكراً في السراء والضراء، محسناً إلى الفقراء مع فقره، يقوم بما عليه ويحمل عبئاً تنوء بالجبال دون تذمّرٍ أو شكوى، قلبه متعلّق بحب الله، لا يُغريه متاع الحياة الدنيا مهما كثُر ومهما دنا منه لأنّه بمعيّة الله في كل أحواله، ولا يستبدل هذه المعيّة بمتاع زائل، أو لذّةٍ عارضة، فهو لا يُخاصم في مال ولا يصادق في مصلحة، يبتغي وجه الله في جميع تعاملاته، وهو بذلك يحمل الخير لكل من يعيش معه، وقد نال هذه الدرجة بالتقرب إلى الله بإخلاص وبنيّة صافية.
قال الله تعالى في الحديث القدسيّ: “ومايزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذّنّه”. رواه البخاري
في هذا المقام يمكن أن نقول: إن الإحسان قد تحقق بأعظم أنواعه وأعلى مراتبه، وهي أن تعبد الله كأنّك تراه.
علاقة الإحسان بالإخلاص
الإحسان مقرون ومرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإخلاص، والإخلاص شرط في الإحسان لأننا نتكلم عن الإحسان الخالص، الإحسان كما أمر الله به وأراده، وكما بيّنه جبريل عليه السلام للحبيب المصطفى صلوات الله عليه، الإحسان الذي يكون جزاؤه الإحسان، وذلك لايكون إلّا بالإخلاص المحض، أي إنك لا تبتغي بإحسانك إلّا رضا الله، ولا تتنظر مقابله ردّاً بإحسانٍ من الناس، وإلا فهذا تملّق ونفاق تسعى من خلاله إلى حظوة أو مركز أو مصلحة دنيويّة، وستأخذ جزاءك الذي سعيت وقدّمت من أجله في الدنيا، ولكنّك في الآخرة ستكون من الخاسرين.
وقد يسمّيه البعض إحساناً، ولكنّه ليس موضوع حديثنا، فنحن نتحدّث عن الإحسان الصرف الخالص لوجه الله تعالى، الإحسان الذي يحبّه الله ويُعين عليه، قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا وإنّ الله لمع المحسنين}. [العنكبوت: ٦٩]
أجمل ما قيل في الإحسان
ذكرنا فيما سبق بعض الآيات الكريمة التي تتحدّث عن الإحسان، ومما جاء في الحديث الشريف عن أبي شريح الخزاعي أنّ النبيّ- صلّى الله عليه وسلم – قال: “مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليَقل خيراً أو ليصمت”.
أوضح المصطفى -عليه الصلاة والسلام- أنّ شرط الإيمان الإحسان، أي: لا إيمان حقيقياً دون الإحسان.
وقد أفاض الشعراء في ذكر الإحسان في نظمهم، فمنهم من أفرد له قصيدة مثل قصيدة عبد الله عبد اللطيف العثمان حيث قال:
قابل الإحسان بالحسنى ولا
تَأسفَن ياصاحِ إن شئتَ الظفر
إنّما الإحسان غَرسٌ ثابتٌ
فاغرسِ الإحسان يأتيك الثمر
كم جنى المحسن من خير الدُّنى
هكذا الأُخرى ثواب مُدَّخر
ومن أجمل ماقيل في أثر الإحسان ما قاله أبو الفتح البستي:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
إذ طالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
وقد ذكرنا في المقدمة أبيات إيليا أبو ماضي التي يحثّ فيها على الإحسان دون انتظار الجزاء، وهي من أجمل ماقيل في الإحسان.
وسنعرض لبعض أقوال السلف الصالح في الإحسان:
- كتب عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- إلى عبد الحميد صاحب الكوفة رسالة قال فيها: “إنّ قوام الدين العدل والإحسان”.
- وقال ابن حِبّان: “لا سبب لتسكين الإساءة أحسن من الإحسان”.
- وقال ابن تيميّة: “النفوس الطيبة تتلذّذ بالعفو والإحسان، والنفوس الخبيثة تتلذّذ بالإساءة والعدوان”.
خاتمة
في الختام يمكننا القول: إنّ الإحسان هو جوهر القيم الإنسانيّة وذروتها، وأساس بناء المجتمع الإسلامي المنشود، المجتمع الخالي من الحقد والشحناء، والذي يسوده السلام وتغشاه المحبة والطمأنينة، ويسعى أفراده إلى بنائه والنهوض به متعاونين غير متباغضين ولا متحاسدين.
ويمكننا من خلال الالتزام بمبدأ الإحسان أن نساهم في بناء مجتمع يُقدِّر الإنسان ويقدّر الجهود المبذولة من أجل الخير العام، وبذلك ترتقي الأمم وتزدهر وتسود العالم، ومن جهة أخرى رأينا أنّ الإحسان الخالص المقصود به رضا الله ورضوانه هو طريق ممهّدٌ وسهل للتقوى والوصول إلى الله ودخول جنّته التي أطلق الله تعالى عليها اسم (الحُسنى) اشتقاقاً من الإحسان مُبيّناً أنّها من نصيب المحسنين
وقال في ذلك جلَ وعلا: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}. [يونس ٢٦]
الأسئلة الشائعة عن الإحسان في الإسلام
بأن نضفي الحسن على عبادتنا وتصرفاتنا تجاه خلق الله، ونتقن كلّ عملٍ نقوم به.
إذا كنت محسناً فسيحسن الله والناس إليّك، وبذلك تجني ثمرة الإحسان.
هو الإحسان بنيّة التقرّب لله تعالى.
بأن تعفو عن الإساءة، وتحسن لمن أساء إليك.
الكاتبة: آ. هدى الصباغ
شارك المقال مع اصدقـائك: