fbpx

الإسراء والمعراج

ليلة الإسراء والمعراج  معجزة الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ليسري عن حزنه ويثبته في دعوته ويرفع قدره ويريه من آياته الكبرى، ولم يحدد تاريخها على وجه الدقة؛ فقيل إنها في ربيع الأول، وقيل في رجب، وقيل في شعبان، وقيل في السنة العاشرة من صدر الدعوة، وقيل قبل الهجرة بسنة، أي في السنة الثانية عشر، وأياََ كان تاريخها فلم يحتفل السابقون ليلتها على مر القرون الأولى المزكاة بالقرآن والسنة.

جدول المحتويات

لقد جاهـد النبي مشركي قريش -لاسيما عشيرته الأقربين ومنهم عمه أبو لهب- بالحجة والبيان ليبلغهم رسالة ربهم، ويحولهم عن عبادة الأصنام لعبادة الله الواحد الأحد، فساموه سوء العذاب، ولك أن تتخيل أن من كانوا يلقبونه (الصادق الأمين) لرقي أخلاقه ونبل خصاله طعنوا بصدقه وشككوا بقوله وعقله؛ فرموه بهتاناََ بالكذب والسحر والجنون.

ولم يكتفوا بذلك بل عذبوا أصحابه المؤمنين، ونكلوا بهم أشد التنكيل، وحاصروهم في شعاب مكة ثلاث سنين، عانوا الجوع والمرض والقهر والحرمان، ولم يثنهم عن إيمانهم قيد أنملة، بل كانوا في عزة وثبات، وكان المشركون يعذبون الضعفاء من المؤمنين ممن هم عبيد عند سادات قريش وزعمائهم،  وكان من أغنياء المسلمين من يعتقهم بماله كسيدنا أبي بكر -رضي الله عنه- وكان لأبي طالب كلمة بين زعماء قريش، فكانوا يخفّون وطأتهم على نبي الله لمعزته له وحظوته في قلبه، وكانت سيدتنا خديجة -رضي الله عنها وأرضاها- تعين زوجها الرسول بمالها وبذلها لكل ما يرضيه ويعينه في سبيل دعوته.

فكانت الفاجعة كبيرة بوفاة عم النبي أبي طالب الذي كان بمنزلة الدعم الخارجي له بين قومه، ووفاة زوجه خديجة التي مثلت الدعم الداخلي لنبينا والسكن الروحي لبيته، فسمي ذلك العام (عام الحزن) لشدة حزن النبي الكريم لهذا الفقد العظيم، وحزن أصحابه لحزن نبيهم.

ولكن الله عز وجل لم يترك نبيه وحبيبه ليهلكه الحزن، فكانت حادثة الإسراء والمعراج تسلية له عن حزنه ورفعة لمقامه وتثبيتاََ لقلبه فيما يكابده من ضغوط الدعوة ونكران قومه وألم الفقد لأهله.

الإسراء والمعراج حقيقة أم حلم ورؤيا؟

كانت حادثة الإسراء والمعراج معجزة ربانية للنبي الكريم بجسده حقيقة لا رؤيا وحلماً، ودليله قوله تعالى:

﴿سُبۡحَـٰنَ ٱلَّذِیۤ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَیۡلࣰا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِی بَـٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِیَهُۥ مِنۡ ءَایَـٰتِنَاۤۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ﴾ [الإسراء ١]

وجاء في تفسير ابن عاشور:

“الِافْتِتاحُ بِكَلِمَةِ التَّسْبِيحِ مِن دُونِ سَبْقِ كَلامٍ مُتَضَمِّنٍ ما يَجِبُ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنْهُ؛ يُؤْذِنُ بِأنَّ خَبَرًا عَجِيبًا يَسْتَقْبِلُهُ السّامِعُونَ دالًّا عَلى عَظِيمِ القُدْرَةِ مِنَ المُتَكَلِّمِ، ورَفِيعِ مَنزِلَةِ المُتَحَدَّثِ عَنْهُ”.

وأي عجب في رؤيا يريها الله لنبيه، وكل الناس يمكن أن يأتيها في أحلامها ما هو خارق للطبيعة ومغاير للواقع.

الإسراء والمعراج

موقف العلم الحديث من الإسراء والمعراج

كثير من الناس اليوم ينكرون حادثة الإسراء والمعراج لتسليمهم بالعلم الحديث حكماََ فاصلاََ على عقولهم، وما لا يتمكن العلم من إثباته بنظرهم فهو محض خيال أو خرافة أو من أساطير الأولين.

وهذا ما لا يجوز عقلاََ، فما لم تستطع إثبات حدوثه لا يقتضي حقيقة عدم حدوثه.

فلا دليل عندهم على عدم حدوثه إلا التكذيب به.

موقف الصحابة والمشركين من حادثة الإسراء والمعراج

 “رُوِيَ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَمّا ذَكَرَ قِصَّةَ المِعْراجِ كَذَّبَهُ الكُلُّ، وذَهَبُوا إلى أبِي بَكْرٍ وقالُوا لَهُ: إنَّ صاحِبَكَ يَقُولُ كَذا وكَذا، فَقالَ أبُو بَكْرٍ: إنْ كانَ قَدْ قالَ ذَلِكَ فَهو صادِقٌ، ثُمَّ جاءَ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَ الرَّسُولُ لَهُ تِلْكَ التَّفاصِيلَ، فَكُلَّما ذَكَرَ شَيْئًا، قالَ أبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ، فَلَمّا تَمَّمَ الكَلامَ قالَ أبُو بَكْرٍ: أشْهَدُ أنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، فَقالَ لَهُ الرَّسُولُ: وأنا أشْهَدُ أنَّكَ الصَّدِّيقُ حَقًّا”.

 كانت حادثة الإسراء والمعراج امتحانَ إيمانٍ لهم كما هي امتحان لنا اليوم، واختباراََ لتصديقهم نبيهم كما هي اختبار لتصديقنا مع الفرق الشاسع بين واقعنا المعيش في ظل انتقال الصوت والصورة بلمح البصر من شرق الأرض لمغربها في يومنا، وقرب تصور الإسراء لعقولنا في ظل التقدم العلمي الذي نعيشه وواقعهم الذي لم تكن فيه ناقتهم لتصل من مكة لبلاد الشام إلا بعد ثلاثة أشهر؛ وعلى الرغم من ذلك كان الإيمان راسخاََ بقلب أبي بكر الصديق الذي لقب بهذا اللقب من بعد حادثة الإسراء والمعراج.

جاء في الحديث: “جاء المشركون إلى أبي بكر فقالوا: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس!”.

فما كان رد أبي بكر -رضي الله عنه- إلا أن قال: أوقال ذلك؟ -أي: هل قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ – قالوا: نعم، قال: لقد صدق.

إني لأصدقه بأبعد من ذلك، بخبر السماء غدوة وروحة.

انظر كيف برر تصديقه بخبر الوحي الذي يصعب على العقل البشري تصور تنزل الملائكة من السماء السابعة بكلام ربها على قلب بشر، فآمن بأنه رسول مكلف من ربه، فلا يصعب على هذا الخالق عكس الدور والعروج بالبشر لعالم الملائكة.

من القرآن على حدوث الإسراء والمعراج

جاء مطلع سورة الإسراء ليثبت حقيقة الإسراء مستهلاََ بتسبيح الله عز وجل وتنزيهه عن كل نقص كما أسلفنا أعلاه. وجاء الحديث عن المعراج في قوله تعالى: ﴿أَفَتُمَـٰرُونَهُۥ عَلَىٰ مَا یَرَىٰ ۝١٢ وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةً أُخۡرَىٰ ۝١٣ عِندَ سِدۡرَةِ ٱلۡمُنتَهَىٰ ۝١٤ عِندَهَا جَنَّةُ ٱلۡمَأۡوَىٰۤ ۝١٥ إِذۡ یَغۡشَى ٱلسِّدۡرَةَ مَا یَغۡشَىٰ ۝١٦ مَا زَاغَ ٱلۡبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ ۝١٧ لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَایَـٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰۤ ۝١٨﴾ [النجم ١٢-١٨]

ملخص رحلة الإسراء والمعراج

تمت رحلة الإسراء والمعراج ليلاََ على مرحلتين:

الإسراء

بانتقال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس الشريف بصحبة جبريل عليه السلام على دابة البراق التي وصفها النبي أنها تضع حافرها عند موضع مد بصرها.

المعراج

وهو عروج النبي  إلى السماء الأولى فالثانية وهكذا إلى السماء السابعة فسدرة المنتهى.

ثم عاد إلى مكة المكرمة في ليلة واحدة، وليس ذلك على الله بعزيز.

فرض الصلاة في السماء السابعة

جاء فرض الصلاة في السماء لعظم أهمية الصلاة؛ فهي عمود الدين، وفرضها الله سبحانه وتعالى خمسين صلاة ولا يزال يخفف عن أمة المصطفى إلى أن صارت خمس صلوات بأجر خمسين صلاة.

جاء في حديث رسول الله صلى  الله عليه وسلم: “فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلَاةً. قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ… قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً”.

الآيات الكبرى التي رآها النبي في الإسراء والمعراج

لما كانت رحلة الإسراء والمعراج تسلية للنبي الكريم عما أصابه من الحزن الذي ألمّ  بقلبه أعرج به إلى السماء، وعرضت عليه آيات ربه الكبرى:

 ١-رؤية جبريل عليه السلام:

فأراه جبريل عليه السلام بشكله الحقيقي: ﴿وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةً أُخۡرَىٰ ۝١٣ عِندَ سِدۡرَةِ ٱلۡمُنتَهَىٰ ۝١٤ عِندَهَا جَنَّةُ ٱلۡمَأۡوَىٰۤ ۝١٥ إِذۡ یَغۡشَى ٱلسِّدۡرَةَ مَا یَغۡشَىٰ ۝١٦ مَا زَاغَ ٱلۡبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ ۝١٧ لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَایَـٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰۤ ۝١٨﴾ [النجم ١٣-١٨]

كانت هذه الرؤية الثانية له بعد أن رآه عند بدء الوحي ونزول سورة المدثر كما جاء في الحديث الشريف: “إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ”.

٢ـ سدرة المنتهى:

وعندها جنة المأوى بنص الآية سابقة الذكر.

٣ـ رؤية الأنبياء -عليهم صلوات ربي وسلامه- في السماوات السبع:

لقد جاء في الحديث الشريف ذكر النبي لرؤيته آدم عليه السلام في السماء الدنيا، ثم النبيين عيسى ويحيى عليهما السلام في السماء الثانية، وفي السماء الثالثة التقى بنبي الله يوسف عليه السلام، ثم في الرابعة إدريس عليه السلام، وفي الخامسة نبي الله هارون عليه السلام، وفي السادسة موسى عليه السلام، وفي السماء السابعة نبي الله وخليله إبراهيم عليه السلام، يسند ظهره إلى البيت المعمور وأقرأنا السلام وأخبره بعظيم ذكر الله كما في ذكر الحديث الشريف: “يا محمد! أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر”.

٤ـ أراه جبريل عليه السلام نهر الكوثر:

وهو نهر عظيم في الجنة له حوض عظيم في أرض المحشر، عليه كؤوس بعدد النجوم يرده المؤمنون من أمة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- يشربون منه شربة لايظمؤون بعدها أبداََ.

٥ـ رأى النار:

إن الله سبحانه وتعالى عرض لنبيه أصنافاً من عذابات أهل النار لينذر قومه ويحذرهم عاقبة السوء، فجاء في الأحاديث:

” لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ. فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ”.

“مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ. قَالَ: قُلْتُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: خُطَبَاءُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا مِمَّنْ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ، وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ، وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ، أَفَلَا يَعْقِلُونَ”.

٦ـ رأى خازن النار مالك ورأى شجرة الزقوم:

ومالك خازن النار لم يضحك للنبي -صلى الله عليه وسلم- بخلاف كل الملائكة التي استبشرت وضحكت لرؤية حبيب الله محمد -صلى الله عليه وسلم- وجاء في الحديث الشريف: ” فقال لي جبريل: أما إنه لو ضحك إلى أحد كان قبلك أو كان ضاحكاً إلى أحد بعدك، لضحك إليك، ولكنه لا يضحك، هذا مالك صاحب النار”.

٧ـ كان قاب قوسين أو أدنى:

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: اعْلَمْ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ إِضَافَةِ الدُّنُوِّ وَالْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ أَوْ إِلَى اللَّهِ فَلَيْسَ بِدُنُوِّ مَكَانٍ وَلَا قُرْبِ مَدًى، وَإِنَّمَا دُنُوُّ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ رَبِّهِ وَقُرْبِهِ مِنْهُ: إِبَانَةُ عَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ، وَتَشْرِيفُ رُتْبَتِهِ، وَإِشْرَاقُ أَنْوَارِ مَعْرِفَتِهِ، وَمُشَاهَدَةُ أَسْرَارِ غَيْبِهِ وَقُدْرَتِهِ.

فهل رأى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ربه في ليلة الإسراء والمعراج؟

بنص القرآن الكريم: ﴿۞ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن یُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡیًا أَوۡ مِن وَرَاۤىِٕ حِجَابٍ أَوۡ یُرۡسِلَ رَسُولࣰا فَیُوحِیَ بِإِذۡنِهِۦ مَا یَشَاۤءُۚ إِنَّهُۥ عَلِیٌّ حَكِیمࣱ﴾ [الشورى ٥١]

وجاء في الحديث الشريف: “إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه”.

وفي(صحيح مسلم) عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل رأيت ربك؟ قال: “نور أنَّى  أراه”.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله ورضي عنه- يقول: معناه كان ثَمَّ نور، أو حال دون رؤيته نور، فأنّى أراه. قال: ويدل عليه أن في بعض ألفاظ الصحيح: “هل رأيت ربك؟ ” فقال: “رأيت نورًا”.

صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- إماماََ بالأنبياء

بعد أن تمت رحلة المعراج وعودة النبي-عليه الصلاة والسلام- إلى الأرض من السماء السابعة أمَّ النبيين في المسجد الأقصى، وكان من إشارات الإمامة بهم أنه سيد المرسلين، ورسالته تامة وجامعة لرسائلهم، ودينهم الإسلام وتوحيد الله؛ كما جاء في الحديث الشريف: “الأنبياءُ إخوَةٌ لعَلَّاتٍ: دِينُهم واحِدٌ، وأُمَّهاتُهم شَتَّى”.

وقوله سبحانه وتعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُوا۟ مِنَ ٱلطَّیِّبَـٰتِ وَٱعۡمَلُوا۟ صَـٰلِحًاۖ إِنِّی بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِیمࣱ ۝٥١ وَإِنَّ هَـٰذِهِۦۤ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰ⁠حِدَةࣰ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱتَّقُونِ ۝٥٢﴾[سورة المؤمنون]

الارتباط الإيماني بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى

إن بركة أرض الشام من بركة البقعة المباركة فيها المتمثلة بالمسجد الأقصى والقدس الشريف، وهي بعد أرض مكة المباركة والحرم المكي الشريف والمسجد النبوي في المكانة الإيمانية، وترتيب عظم أجر الصلاة في هذه المساجد الثلاث لا يعني التفريط بحق أحدها في الدفاع عنه وتطهيره من كل شائبة، إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً، فالله يصطفي من الأرض مايشاء ويختار كما يصطفي من الملائكة رسلاََ، ومن الناس ليكونوا رسلاََ، والارتباط بين أرض الشام والشعائر المقدسة بمكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة راسخ في قلب كل مسلم، ولا يرضى المسلم المساس بهذه الأماكن؛ أن يصيبها ما يدنس طهرها وعظيم قداستها، بل يبذل الغالي والنفيس في الجهاد في سبيل تطهيرها من كل مايشوب حرمتها.

خاتمة

ومسك ختامنا وعطر مقالنا سنجعله روائع شعرية قيلت في تصوير هذه الحادثة العظيمة من كلام البوصيري في بردته إذ يقول:

سَرَيْتَ مِنْ حَرَمٍ لَيْلاً إلَى حَرَمٍ

 كَمَا سَرَى البَدْرُ فِي دَاجٍ مِنَ الظُّلَمِ 

وَبِتَّ تَرْقَى إِلَى أَنْ نِلْتَ مَنْزِلَةً

مِنْ قَابِ قَوْسَيْنِ لَمْ تُدْرَكْ وَلَمْ تُرَمِ 

وَقَدَّمَتْكَ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ بِهَا

 وَالرُّسْلِ تَقْدِيمَ مَخُدُومٍ عَلَى خَدَمِ 

وَأَنْتَ تَخْتَرِقُ السَّبْعَ الطِّبَاقَ بِهِمْ

 فِي مَوْكِبٍ كُنْتَ فِيهِ صَاحِبَ العَلَمِ 

حَتَّى إِذَا لَمْ تَدَعْ شَأْوًا لِمُسْتَبِقٍ

 مِنَ الدُّنُوِّ وَلاَ مَرْقًى لِمُسْتَنِمِ

صلى الله عليك يا سول الله وخاتم النبيين، اللهم اجعلنا على نهجه وسنّته، وأوردنا حوضه، وأكرمنا بشفاعته، واجمعنا معه في جنان الفردوس على سرر متقابلين.

الأسئلة الشائعة عن الإسراء والمعراج

متى حدث الإسراء والمعراج؟

ـ لم يحدد لها تاريخ على وجه الدقة؛ قيل إنها ليلة السابع من ربيع الأول، وقيل ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر، وقيل ليلة السابع عشر من رمضان، لكنها حددت في عام الحزن الذي كان فيه وفاة زوجة النبي -صلى الله عليه وسلم- خديجة بنت خويلد أم المؤمنين، ووفاة عمه أبي طالب.

مامعنى الإسراء والمعراج، وما سبب تسميتها؟

ـ الإسراء: هو انتقاله -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام  إلى المسجد الأقصى ليلاً.

 المعراج: هو عروجه -عليه الصلاة والسلام- إلى السماء الأولى فالثانية فالثالثة فالرابعة فالخامسة فالسادسة فالسابعة إلى سدرة المنتهى.

والإسراء والمعراج حدث لرسول الله عقب وفاة خديجة وعمه، وإيذاء أهل الطائف له، فأسرى به الله سبحانه تسلية من ربه عن حزنه، وليريه آياته الكبرى.

ما اسم الدابة التي استخدمها النبي -صلى الله عليه وسلم- في الإسراء؟

ـ اسمها البراق، وهي فوق الحمار ودون البغل، يقع حافره عند أقصى طرفه، فهو كلمح البرق لسرعته وتلألئه.

ما الدليل القرآني على حادثة الإسراء؟

ـ أما دليل الإسراء ففي مطلع سورة الإسراء قوله تعالى: ﴿سُبۡحَـٰنَ ٱلَّذِیۤ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَیۡلࣰا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِی بَـٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِیَهُۥ مِنۡ ءَایَـٰتِنَاۤۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ﴾ [الإسراء ١]

وأما المعراج فدليله قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ ۝١ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمۡ وَمَا غَوَىٰ ۝٢ وَمَا یَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰۤ ۝٣ إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡیࣱ یُوحَىٰ ۝٤ عَلَّمَهُۥ شَدِیدُ ٱلۡقُوَىٰ ۝٥ ذُو مِرَّةࣲ فَٱسۡتَوَىٰ ۝٦ وَهُوَ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡأَعۡلَىٰ ۝٧ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ۝٨ فَكَانَ قَابَ قَوۡسَیۡنِ أَوۡ أَدۡنَىٰ ۝٩ فَأَوۡحَىٰۤ إِلَىٰ عَبۡدِهِۦ مَاۤ أَوۡحَىٰ ۝١٠ مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰۤ ۝١١ أَفَتُمَـٰرُونَهُۥ عَلَىٰ مَا یَرَىٰ ۝١٢ وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةً أُخۡرَىٰ ۝١٣ عِندَ سِدۡرَةِ ٱلۡمُنتَهَىٰ ۝١٤ عِندَهَا جَنَّةُ ٱلۡمَأۡوَىٰۤ ۝١٥ إِذۡ یَغۡشَى ٱلسِّدۡرَةَ مَا یَغۡشَىٰ ۝١٦ مَا زَاغَ ٱلۡبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ ۝١٧ لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَایَـٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰۤ ۝١٨﴾[سورة النجم]

كم استغرقت حادثة الإسراء والمعراج؟

-استغرقت  ليلة واحدة.

ما الهدف من معجزة الإسراء والمعراج؟

ـ معجزة أيّد الله سبحانه وتعالى نبيه بها ليسليه عن حزنه، ويثبت فؤاده ويريه من آياته الكبرى، لتكون زاداََ قوياََ لما يلاقيه من أذى بدعوته، ورفعةََ له، واختباراََ لصدق إيمان المؤمنين، وتعظيمهم لقدرة خالقهم، و تسليمهم بصدق أخبار نبيهم.

الكاتبة: آ رشا ميا

شارك المقال مع اصدقـائك: