الإقبال على الرحمن في شهر شعبان
يجتهد المسلم أن يتعرض لنفحات الله في الأيام والشهور ومواسم العبادات مؤتمِراً بما رُوي عن النبي -عليه الصلاة والسلام-:”إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبداً”.
وإن أحدى هذه النفحاتِ هذا الشهرُ الذي نحن فيه، شهر شعبان الذي بين رجب ورمضان، وهو كالسُّنة القبلية لرمضان، وهو الدورة التمهيدية والتقديمية له، فضله عظيم، والعمل فيه ثوابه كبير، وهو – كما قال السيد محمد علوي المالكي في كتابه(ماذا في شعبان؟)ـ : “مِن الأشهر الكريمة، والمواسم العظيمة، وهو شهر بركاته مشهورة، وخيراته موفورة، والتوبة فيه من أعظم الغنائم الصالحة، والطاعة فيه من أكبر المتاجر الرابحة، جعله الله تعالى مضمار الزمان، وضمَّن فيه للتائبين الأمان، مَن عوَّد نفسه فيه بالاجتهاد، فاز في رمضان بحسن الاعتياد،
وسمي شعبان: لأنه يتشعب منه خير كثير، وقيل معناه (شاعَ ـ بانَ)، وقيل: مشتق من الشّعب وهو طريق في الجبل، فهو طريق الخير، وقيل من الشَّعب وهو الجبر، فيجبر الله تعالى فيه كسر القلوب”.
وهو شهر يغفل الناس عنه، نبهنا النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى اغتنامه وما ينبغي أن نعمل فيه، فقال: “ذاك شهر يَغْفُلُ الناس عنه بين رجب ورمضانَ، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين”.
من خصائص شهر شعبان
في هذا الشهر الكريم من الحوادث والوقائع العظيمة المهمة التي على المسلم أن يستذكرها كلما جاء شعبان، وأن يقف عند أحكامها وحكَمها، والعبر المستفادة منها؛
مِن هذه الحوادث :
تحويل القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام
{ما ولّاهم عن قِبلتهم التي كانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلهِ الْمَشْرِق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} (البقرة ١٤٢)، فصلى مع النبي -صلّى الله عليه وسلّم- رجل، ثم خرج بعدما صلى، فمَرّ على قوم من الأنصار في صلاة العصر نحو بيت المقدس، فقال: هو يشهد أنه صلى مع رسول الله، وأنه توجه نحو الكعبة، فتحرّف القوم حتى توجهوا نحو الكعبة”.
قال الحافظ: قول محمد بن حَبيب أنّ التحويل كان في نصف شعبان، وهو الذي ذكره النووي في (الروضة) وأقرَّه، مع كونه رجح في شرحه لمسلم رواية ستة عشر شهرًا؛ لكونها مجزوماً بها عند مسلم، ولا يستقيم أن يكون ذلك في شعبان إلا إن ألغى شهري القدوم والتحويل. انتهى.
فلنعلم- أخي المسلم- مقام سيدنا رسول الله عند مولاه تعالى، ومكانة البيت الحرام، ودوره وأثره في توحيد القلوب والقصد، والهدف، فهو بيت التوحيد الذي وحد المسلمين، وهو بيت القبلة الذي تقبل إليه في صلاتنا، فالقصد واحد وهو ابتغاء مرضاة الله تعالى، والهدف واحد وهو أن تنال هذا الرضا في الدنيا والآخرة، فشهر شعبان يذكرنا بهذا كله لننبذَ الشقاق والخلاف ونعود للألفة والوفاق تحت مظلة الإخلاص في كل أقوالنا وأعمالنا الله عز وجل، فالإخلاص هو الإكسير الذي فقده المسلمون، والإخلاص يصنع العجائب.
(سلم الوصول باغتنام وظائف الأوقات والأيام والأشهر والفصول للشيخ علي الويس)
رفع الأعمال إلى الكبير المتعال
ومن خصائص شهر شعبان الجليلة أنه شهرُ رفع الأعمال إلى الكبير المتعال سبحانه وتعالى، وهو الرفع الأكبر والأوسع، فمن الأسباب التي جعلت حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام يَحرص على الصيام في شعبان و يحض على اغتنامه:
أنه شهر ترفع فيه أعمال السنة إلى الله سبحانه وتعالى، روى الترمذي والنسائي عن أسامة بن زيد من حديث النبي- صلى الله عليه وسلم-:”.. وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فَأُحِبُّ أَنْ يُرفع عملي وأنا صائم”.
(أوقات رفع الأعمال):
قد جاء في الأحاديث الشريفة ما يدل على تعدد رفع الأعمال في أوقات مختلفة، ولا تنافي بينها، فإن لكل رفع حِكَماً تتعلق به، وهو أنواع:
رفع فوريّ، ورفع بالليل والنهار، ورفع أسبوعي، ورفع سنوي، وهذا(الأخير) هو الذي يكون في شعبان.
وظائف شهر شعبان
الوظيفة الأولى: الصيام، لمّا كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام، ليحصل التأهب لتلقي رمضان، وتتروض النفوس بذلك على طاعة الرحمن، وأول الصيام: أن يبادر مَن عليه قضاء مِن ذكر وأنثى إلى أدائه قبل دخول رمضان.
والثاني: الإكثار من صوم النفل كما كان هديه صلى الله عليه وسلم، روى النسائي عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: “قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر كما تصوم من شعبان، قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم”.
وروى الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك-رضي الله عنه- قال: “كان أحب الصوم إليه -رسول اللهﷺ- في شعبان”
وروى البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- قالت:“كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله ﷺ استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان”.
وفي البخاري أيضاً وغيره عن عائشة -رضي الله عنها -قالت:”لم يكن النبي يصوم شهراً أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا”.
وقد وردت أحاديث كثيرة ترغب بالإكثار من الصيام في شعبان لما في ذلك من حِكم جمّة، قال ابن رجب رحمه الله (لطائف المعارف ص ٢٥٨): قيل في صوم شعبان: إن صيامه كالتمرين على صيام رمضان؛ لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط. انتهى.
الوظيفة الثانية: الإكثار من قراءة القرآن الكريم، وهي مطلوبة في كل زمان ومكان وكان السلف يهتمون بتلاوته في شعبان.
يقول الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى ( اللطائف ص ٢٥٨): رُوينا عن أنس قال: كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرؤها، وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان، وقال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء، وكان عمرو ابن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن.
الوظيفة الثالثة: اغتنام وقت الغفلة بأنواع الطاعات:
يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه (لطائف المعارف ص ٢٥١): وفي قوله : “يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان” إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه إما مطلقًا أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها أكثر الناس، فيشتغلون بالمشهور عنه ويفوتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم”.
الوظيفة الرابعة: اغتنام ليلة النصف من شعبان ويومها:
ليلة النصف من شعبان من الليالي المباركة الفاضلة، شملها فضل عامة الليالي، وشملها فضل ليالي شعبان وما جاء فيه، وجاء بخصوصها عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث تنوّه بفضلها على الخصوص، قال الدكتور عبد الإله العرفج: “وقد اتفق بعض التابعين وأكثر العلماء من أئمة المذاهب الأربعة وأتباعهم على أن لها فضلاً خاصاً يميزها عن غيرها من الليالي، واستندوا في إثبات أفضليتها على عدة أحاديث نبوية، وآثار سلفية، تدل بمجموعها على أفضلية تلك الليلة”.
ومن هذه الأحاديث:
-عن معاذ بن جبل ، عن النبي ﷺ قال: يطلع الله تعالى إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن. رواه الطبراني وابن حبان. هذا لفظ الطبراني، وهو أصح حديث في الباب.
قال الدكتور عبد الإله العرفج:”وهو -أي: الحديث السابق- وحده كافٍ في إثبات فضل ليلة النصف من شعبان”. وقال أيضاً: “فالاحتجاج بهذا الحديث وحده على فضل ليلة النصف من شعبان، وعلى تجلي الله عز وجل على خلقه فيها، وعموم مغفرته لهم إلا للمشركين والمتشاحنين، احتجاج مقبول من الناحية الحديثية، والحديث حسن لذاته، فإذا ثبت ذلك فكل ما يأتي من الأحاديث الضعيفة التالية يرتقي إلى مرتبة الحسن لغيره”.
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ قال:”يطلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لعباده إلا اثنين: مشاحن أو قاتل نفس”.
وفي شعب الإيمان عن عائشة -رضي الله عنها- قالت:” قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فصلى فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قبض، فلما رأيت ذلك قمت حتى حركت إبهامَه، فتحرَّك فرجعتُ فسمعتُه يقول في سجوده: أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك إليك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، فلما رفع رأسه من السجود، وفرغ من صلاته قال: يا عائشة،(أو: يا حميراء )أظننت أن النبي ﷺ قد خاص بك؟ قلت : لا والله يا رسول الله، ولكني ظننت أنك قبضت لطول سجودك، فقال: أتدرين أي ليلة هذه؟ قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله عز وجل يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين، ويؤخر أهل الحقد كما هم”.
ـ وروى الترمذي والإمام أحمد من حديث عائشة:” إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب”.
(كلب اسم قبيلة مشهورة بكثرة الغنم).
ـ وروى الطبراني عن أبي ثعلبة أن النبي ﷺ قال: “يطلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين ويمهل الكافرين، ويدع أهل الحقد لحقدهم حتى يدعوه”.
والأحاديث في ليلة النصف أكثر من ذلك تدل بمجموعها على فضل ليلة النصف من شعبان، وأنها ليلة مباركة، يتجلى الله تعالى الكريم الوهاب فيها على خلقه، فيشملهم بعفوه ومغفرته ورحمته.
اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.
قال الحافظ المباركفوري في تحفة الأحوذي (٣٦٥/٣): ” اعلم أنه قد ورد في فضيلة ليلة النصف من شعبان عدة أحاديث مجموعها يدلُّ على أنَّ لها أصلا…. فهذه الأحاديث بمجموعها حجَّةٌ على من زعم أنه لم يثبت في فضيلة ليلة النصف من شعبان شيء، والله تعالى أعلم”.
ونقل المناوي في فيض القدير (٣١٦/٢): قال المجد ابن تيمية:”ليلة نصف شعبان رُوي في فضلها من الأخبار والآثار ما يقتضي أنها مفضلة، ومن السلف من خصها بالصلاة فيها،
وصوم شعبان جاءت فيه أخبار صحيحة”.
كيفية إحياء ليلة النصف من شعبان
١ـ ألا يكون المؤمن غافلاً فيها، بل قائما متضرعاً إليه تعالى أن يغفر له ويرحمه، فله الحمد سبحانه على هذا العطاء، لذلك اتفقت كلمة أهل العلم على فضلها، والاهتمام بها، واغتنامها وقيامها، قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في (لطائف المعارف ص ٢٦٣) :”وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم… يعظمونها، ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها.
و اختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:
أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد؛ كان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم، ويتبخرون ويكتحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك وقال في قيامها في المساجد جماعة:”ليس ببدعة”، نقله عنه حرب الكرماني في مسائله.
والثاني : أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء ولا يكره أن يصلي الرجل فيها الخاصة نفسه وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى.
يقول العلامة الشيخ عبد الله سراج الدين رحمه الله تعالى:“إن اجتماع المسلمين في المساجد ليلة النصف من شعبان، لتلاوة سورة يس، والدعاء، والابتهال إلى الله تعالى، والاستغفار والتوبة إليه تعالى، عمل مبرور، وفيه خير كثير، داخل تحت أصول السنة الصحيحة، وقواعد الشريعة الصريحة”.
ونقل الإمام النووي له في التبيان عن كثير من السلف جواز القراءة معاً مجتمعين عليها، مستدلاً على ذلك ببعض الآثار.
هذا وإن الاجتماع على ذكر الله تعالى هو أمر حث عليه النبي- صلى الله عليه وسلم- وندب إليه.
أما تخصيص هذه الليلة بهذا الاجتماع، وهذا الدعاء، فلِأنّ فضائلها ثبتت بالأحاديث السابقة، فأي مانع شرعي يمنع من ذلك؟ وبهذا تعلم أن هذا الاجتماع في ليلة النصف من شعبان ليس من البدعة السيئة أصلاً، لأن البدعة السيئة هي ما لا أصل له في الشرع، ولا منزع له في السنة، فالقول بأن ذلك بدعة سيئة هو القول نفسه: بدعة سيئة، والله تعالى أعلم.
٢ـ ذكر الله تعالى والتضرع إليه: قال الحافظ ابن رجب: “فينبغي للمؤمن أن يتفرغ في تلك الليلة لذكر الله تعالى ودعائه بغفران الذنوب وستر العيوب وتفريج الكروب وأن يقدم على ذلك التوبة، فإن الله تعالى يتوب فيها على من يتوب”.
وقال الفاكهاني في (أخبار مكة ٨٤:٣): ذِكر عمل أهل مكة ليلة النصف من شعبان واجتهادهم فيها لفضلها: “وأهل مكة فيما مضى إلى اليوم إذا كان ليلة النصف من شعبان خرج عامة الرجال والنساء إلى المسجد فصلوا، وطافوا، وأحيوا ليلتهم حتى الصباح بالقراءة في المسجد الحرام، حتى يختموا القرآن كله، ويصلوا ، ومن صلى منهم تلك الليلة مائة ركعة يقرأ في كل ركعة بـ الحمد، و قل هو الله أحد عشر مرات، وأخذوا من ماء زمزم تلك الليلة فشربوه، واغتسلوا به، وخبأوه عندهم للمرضى، يبتغون بذلك البركة في هذه الليلة”.
وقال الشيخ ابن تيمية رحمه الله في (اقتضاء الصراط المستقيم ١٣٦:٢): “وليلة النصف من شعبان قد روي في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها مفضلة، وإن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها … لكن الذي عليه كثير من أهل العلم أو أكثرهم من أصحابنا وغيرهم على تفضيلها، وعليه يدلُّ نص أحمد لتعدد الأحاديث الواردة فيها،
وما يصدق ذلك من آثار السلف، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن، وإن كان قد وضع فيها أشياء أُخر”.
والخلاصة: ذهب جمهور الفقهاء إلى ندب إحياء ليلة النصف من شعبان.
(الدعاء في ليلة النصف من شعبان)
قال الإمام الشَّافِعِيُّ -رحمه الله تعالى- في كتاب (الأم) ٤٨٥:٢:” وبلغنا أنه كان يقال: إنَّ الدعاء يستجاب في خمس ليالٍ في ليلة الجمعة وليلة الأضحى، وليلة الفطر، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان”.
ثم قال: “وأنا أستحبُّ كل ما حكيت في هذه الليالي من غير أن يكون فرضاً”.
وينبغي للمسلم أن يدعو فيها بجوامع أدعيته المأثورة عنه، يدعو بحاجاته، وحاجات إخوانه وأمته، فلم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعاء خاص بليلة النصف من شعبان، أما الدعاء المشهور الذي يدعو الناس به في ليلة النصف في شعبان فلم يرد في حديث ولا أثر، وإنما وردت جمل منه في مصنف بن أبي شيبة، وكتاب الدعاء لابن أبي الدنيا.
ولكن كثير من العلماء والصلحاء واظبوا عليه أخذاً بعمومات الحض على الدعاء، وقال العلامة الشيخ محمد علوي المالكي رحمه الله تعالى: دعاء مشهور ومجرب.
وقد جرت العادة بقراءة هذا الدعاء في ليلة النصف من شعبان مع ترتيب سورة(يس) وهو -أي دعاء ليلة النصف من شعبان-:
(بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه، يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطول والإنعام، لا إله إلا أنت ظهر اللاجين، وجار المستجيرين، ومأمن الخائفين.
اللهم إن كنتَ كتبتني عندك شقياً أو محروماً، أو مطروداً، أو مقتراً عليه في الرزق، فامح اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني وطردي وإقتار رزقي، وأثبتني عندك في أم الكتاب سعيداً مرزوقاً موفقاً للخيرات، فإنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل على لسان نبيك المرسل:{يمحو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: ٣٩]
إلهي بالتجلي الأعظم في ليلة النصف من شعبان المكرم، التي يُفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم، أسألك أن تكشف عنا من البلاء ما نعلم وما لا نعلم، وما أنت به أعلم، إنك أنت الأعز
الأكرم، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم).
ـ قال الشيخ عبد الله سراج الدين رحمه الله تعالى:” الأصل في دعاء النصف من شعبان أنه أثر وارد عن ابن مسعود وعمر رضي الله عنهما كما في مصنف ابن أبي شيبة”.
أن يتخلصوا من أسباب الحرمان: أي الشرك والحقد وليس يُقصد بالشرك إشراك معبود مع الله فحسب؛ بل ترك الرياء.
وبعبارة أخرى: إن هذه الليلة تدعو المؤمنين إلى التوحيد الحقيقي، والذي هو إفراد المعبود بالعبادة مع اعتقاد وحدته ذاتاً وصفات وأفعالاً، تدعوهم إلى الإخلاص لله تعالى في أقوالهم وأفعالهم وحركاتهم وسكناتهم، كما أمرهم الله تعالى في قوله جل شأنه:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}
وهو الذي قال-جل شأنه- في الحديث القدسي الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:” قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معى غيري تركته وشركه”.
العمل في يوم النصف من شعبان
وأما العمل في يومها فهو الصيام، وكذلك سائر أنواع العبادات التي تطلب في سائر الأيام.
روى ابن ماجه عن سيدنا علي بن أبي طالب قال:” قال رسول الله : إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول ألا من مستغفر لي فأغفر له، ألا من مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا…، حتى يطلع الفجر”.
هذا الحديث قد تكلّم المحدّثون في تضعيفه، وقد قال بالعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال جمهور المحدثين، وهو مندرج تحت أصل معمول به.
وقد اعتاد الناس صيام اليوم الخامس عشر من شعبان، فلا مسوغ لمنعهم وتبديعهم، فهو من شعبان، وقد تقدم بيان صيام النبي فيه، والحض على الصيام فيه وبيان فضله، فهل استثنى النصف منه؟
وفي سائر الأشهر محضوض على صيام الأيام البيض، والخامس عشر منها، فهل ورد استثناء نصف شعبان؟
قال الإمام ابن القيم: “ولا أرى أن يُمنع أحد من التقرب إلى الله تعالى بشيء من الطاعات، ولا من الازدياد من الخير في موضع، ولم يأت بالمنع منه نص”.
فنصوم نصف شعبان على نية أنه من شعبان، وأنه من الليالي البيض.
سبل التخلص من موانع الرحمة في ليلة النصف من شعبان
الأول: بالعفو والصفح، فإن الله تعالى يقول:{وَلْيَعْفُوا وَلْيُصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغير الله لكم والله غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور : ٢٢]، يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله تعالى ورجاء رحمته ومغفرته.
الثاني: إلقاء السلام، فقد روى البخاري عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:” لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام”.
الثالث: تقديم هدية كما أرشد المصطفى لما رواه مالك في الموطأ عن عطاء بن أبي مسلم عبد الله الخراساني قال: قال رسول الله ﷺ: “تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا تحابوا، وتذهب الشحناء”.
الرابع: إعادة الحقوق لأصحابها.
ولنعلم – وهذا كله مقدمة لرمضان- أن الله تعالى الوهاب المعطي الكريم الجواد تمنن على عباده أجمع في هذه الليلة المباركة بالمغفرة، وهذا فضل كبير كل الخلق بحاجة إليه، ومن الذي يستغني عن مغفرة الله؟ ومن الذي لم يذنب قط؟
الصوم بعد النصف من شعبان
روى أبو داود وغيره عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: “إذا انتصف شعبان فلا تصوموا”.
دل هذا الحديث على تحريم الصوم متى انتصف شهر شعبان، وأخذ به الشافعية، وقالوا: يكره هذا الصوم، إلا إذا وافق صياماً اعتاده، كأن يصوم شعبان ويصله برمضان، أو يطرأ سبب للصيام.
وذهب الجمهور إلى جواز الصيام طيلة شهر شعبان، لكن لا يصوم يوم الشك منفرداً، ولا يتقدم رمضان بصيام يوم أو يومين احتياطاً من الزيادة في الفرض.
وقال الإمام الطحاوي يُفسر هذا الحديث بأن المراد به من الصوم بقُرب من رمضان يدخله به ضعف يمنعه من صوم رمضان.
( النهي عن تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين وصيام يوم الشك):
يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا وقع في ألسنة الناس إنه رؤي ولم يقل عدل: إنه رآه، أو قاله وقلنا: لا تقبل شهادة الواحد، أو قاله عدد من النساء، أو الصبيان، أو العبيد، أو الفُسَّاق، فأما إذا لم يتحدث برؤيته أحد، فليس بيوم شك، سواء كانت السماء مصحية، أو أطبق الغيم، وهذا قطع الجمهور.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : “لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه”. متفق عليه.
دل الحديث على أنه يحرم سبق رمضان بصوم يوم وكذا يومين، والحكمة في هذا النهي خوف الزيادة على صوم الفرض، ويستثنى من النهي صيام اعتاده المسلم، كالإثنين والخميس وآخر الشهر، فيجوز لمن ذُكِر أن يصوم قبل رمضان بيوم أو يومين.
ويوم الشك أيضاً منهي عن صيامه، فعن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال:” من صام اليوم الذي يُشَكّ فيه فقد عصى أبا القاسم)
فاتفَقوا على المنع من صيامه احتياطاً لرمضان، وإن كان له عادة فوافقها له صيامه.
خاتمة
فيما سلف خلاصة وظائف شهر شعبان يقضي المسلم ليالي هذا الشهر وأيامه ونسائم رمضان تداعبه، ورياحه تعطره والشوق إليه يحدوه، وهو يضرع إلى الله تعالى يبلغه إياه، وأن يعينه على صيامه وقيامه واغتنامه.
اللهم بلغنا رمضان غير فاقدين ولا مفقودين.
الأسئلة الشائعة عن الإقبال على الرحمن في شهر شعبان
-إما ٢٩ أو ٣٠ يوماً، حسب ظهور هلال رمضان.
-هو الشهر الثامن من أشهر السنة الهجرية.
-يجوز عند الجمهور، ومكروه صيام النصف الثاني منه عند الشافعية.
-نعم يجوز؛ وهو أولى من صيام النفل.
-لا، ليس من الأشهر الحرُم.
-لأنه يتشعب منه خير كثير، وقيل: لتشعبهم في طلب المياه أو في الغارات بعد أن يخرج شهر رجب الحرام.
-لا، بل يُكتب أجل الإنسان ونهايته فيه؛
فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ كان يصوم شعبان كله، قالت: قلت يا رسول الله أحب الشُّهور إليك أن تصومه شعبان؟ قال: إن الله يكتب فيه على كل نفس ميتة تلك السنة، فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم. رواه أبو يعلى، وهو غريب وإسناده حسن كما في الترغيب، ورواه الخطيب في التاريخ: ” وأحبُّ أن يُكتب أجلي وأنا في عبادة”.
-يغفر الله فيه ذنوب جميع عباده إلا المشرك والمشاحن.
-مكروه عند الشافعية لغير المعتاد، ومباح عند الجمهور.
-حرام ولا يجوز.
ـ يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا وقع في ألسنة الناس إنه رؤي ولم يقل عدل: إنه رآه، أو قاله وقلنا: لا تقبل شهادة الواحد، أو قاله عدد من النساء، أو الصبيان، أو العبيد، أو الفُسَّاق، فأما إذا لم يتحدث برؤيته أحد، فليس بيوم شك، سواء كانت السماء مصحية، أو أطبق الغيم، وهذا قطع الجمهور.
نعم، إن شاء الله تعالى.
التعرض للنفحات لا يكون بالغفلة والنوم والسهر، وإنما يكون كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:”فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين”.
فتكون العطية لمن يطلبها ويتعرض لها ويسأل الله رحمته ومغفرته بالقيام والدعاء والذكر وقراءة القرآن الكريم والصلاة في جماعة.
الكاتب: أ. بشار حمو
شارك المقال مع اصدقـائك: