fbpx

الإنسان بين التربية القرآنية والتنمية البشرية

تمتلئ رفوف المكتبات بكتب التربية  ونظرياتها وقواعدها، و بمسميات عديدة وتقسيمات وتصنيفات كثيرة، وكلها تهدف لبناء الإنسان الذي هو نواة المجتمع. فما التربية؟ وهل في قرآننا منهج تربوي؟ وما منطلقه وأساسه؟ وما أساليبه؟ وما مدى شموله؟ وما ميزاته؟ وهل يستفاد منه في التنمية البشرية؟ وهل تفوّقت مدارس التنمية البشرية على التربية القرآنية؟

 هذا ما سنناقشه في هذا المقال بعون الله.

جدول المحتويات

مفهوم التربية

التربية تعني بلوغ كمال الشيء بالتدرج؛

فعندما نربي طفلاََ نأخذ بيده شيئاََ فشيئاََ من طور لآخر ليكتمل إنساناََ بالغاََ عاقلاََ راشداََ قادراََ على خوض غمار الحياة بمكتسباته ومبادئه التي ربي عليها.

وما زلت أومن أن في تربية القرآن ما يشفي القلب والروح والجسد معاََ، ما يفوق كل منهج شرقي أو غربي، ويصلح لكل البشر من أول الخليقة لآخرها، كيف لا وهو تنزيل رب العالمين؟!

﴿أَلَا یَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِیفُ ٱلۡخَبِیرُ﴾ [الملك ١٤] .

ولنرَ كيف كان المنهج القرآني موجهاً لتربية الإنسان.

منطلق التربية القرآنية

عبودية الإنسان لخالقه

يقول تعالى: ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِیَعۡبُدُونِ﴾ [الذاريات ٥٦]

و منطلق (العبودية لله) يحرر الإنسان من عبودية ما سواه، فلا يهيمن عليه هوى نفس، ولا تسلط قوي وإن خارت قواه وفقد ما يحب فهو قوي صلب متين، ما يزال في مقدوره تحمل الحياة، بل مواصلة العطاء، فالعبودية لله قوة نفسية تدفع بصاحبها لتحدي المخاطر ومواجهة الأزمات بتوكلٍ على الله، فإذا ما عاش في بحبوحة ورغد  شكر المنعم، ولم يدفعه نعيمه للطغيان.

وهذا يختلف عن منطلق منهج التربية الغربية التي تنطلق من حرية الإنسان في كل شيء، فتربيه على أن يكون حراََ في نفسه وشكله واعتقاده وأهوائه…، وتصل إلى حريته في تغيير جنسه والتنكر لخالقه في ظل طغيان الترف والحياة المادية الحرة.

الإنسان بين التربية القرآنية والتنمية البشرية

فطرة النفس السوية التي فطر الله عليها البشر

فجعل النفس البشرية متساوية في فطرتها وإن اختلفت ألوانهم وأعراقهم، تعرف الشر وتميزه، وتعرف الخير وتحبه، وجعلها حرة الاختيار بين هذا وذاك:

﴿وَنَفۡسࣲ وَمَا سَوَّىٰهَا ۝٧ فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا ۝٨ قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ۝٩ وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ۝١٠﴾ [سورةالشمس]

ونجد هذه الفطرة السليمة تتغير في المجتمعات الغربية لبعدها عن الخالق عزّ وجلّ.

قابلية التعلم والتزكية

خلق الله البشر جميعهم لا يعلمون شيئاََ، وزودهم بآليات يرفعون عن أنفسهم الجهل بها  كالسمع والبصر للتعليم الحسي، والقلوب وما أودع الله فيها من الفطرة السليمة لتمييز الخير من الشر، وتتلقى الموعظة، وتتنبه للأحداث، وتستقرئ المستقبل، وتحلم وتتخيل. ﴿وَٱللَّهُ أَخۡرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ شَیۡـࣰٔا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَـٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾ [النحل ٧٨] ونجد جانب التعليم ينشط في الدول الغربية ويزهو، ويخفت نوره في مجتمعاتنا للأسف إلا نوادر اجتهادات فردية لم تحظ بعناية دولية كمثيلها في الدول المتقدمة.

أساليب التربية القرآنية

تنوعت أساليب التربية القرآنية سواء في النص القرآني أو الحديث  النبوي،  لبناء النفس الإنسانية السليمة التي تقدم السلوك الأرقى في كل جوانب الحياة متمثلة بنقاط عديدة نذكر منها:

لقدوة الحسنة

المتمثلة بالنبي الكريم وخلقه الكريم، وحرصه على تزكية نفوس أصحابه، وتعليمهم، وتوجيههم. جاء في سورة آل عمران: ﴿لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ إِذۡ بَعَثَ فِیهِمۡ رَسُولࣰا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِهِۦ وَیُزَكِّیهِمۡ وَیُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبۡلُ لَفِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینٍ﴾ لقد كان النبي عليه الصلاة والسلام معروفاََ في قومه بالصادق الأمين،  ورباه سبحانه وتعالى فأحسن تربيته، وزكاه فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِیمࣲ﴾ [القلم ٤] و حرص النبي بهذا الخلق العظيم على تربية أصحابه، فكان منهم خير القرون، عليهم رضوان الله. حملوا الأمانة، وبذلوا أرواحهم ونفوسهم في سبيل دينهم.

ضرب الأمثلة

كتب الشيخ السعدي (في ضرب الأمثال في القرآن) يستفاد منه أمور: “التذكير، والوعظ، والحث، والزجر، والاعتبار، والتقرير، وتقريب المراد للعقل، وتصويره في صورة المحسوس، بحيث يكون نسبته للعقل، كنسبة المحسوس إلى الحس.” وفي الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن القرآن نزل على خمسة أوجه : حلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فاعملوا بالحلال، واجتنبوا الحرام، واتبعوا المحكم، وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال”. يقول تعالى: ﴿وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَـٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا یَعۡقِلُهَاۤ إِلَّا ٱلۡعَـٰلِمُونَ [العنكبوت ٤٣]

التربية بالقصص القرآنية

عندما قص الله سبحانه وتعالى بعضاََ من قصص الأنبياء على نبيه محمد لم تكن قصة تسرد قبل النوم، ولا ليلهى بها في المجالس، بل لأخذ العبر ولتثبيت النبي   صلى الله عليه وسلم في كل موقف، وإشارة الله سبحانه لما مر على إخوته الأنبياء من قبله، فلم يكن بدعاََ من الرسل وحالته جديدة، بل هو حال الأنبياء جميعهم مع أقوامهم:

﴿وَكُلࣰّا نَّقُصُّ عَلَیۡكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَۚ وَجَاۤءَكَ فِی هَـٰذِهِ ٱلۡحَقُّ وَمَوۡعِظَةࣱ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِینَ [هود ١٢٠]

واستفادت كثير من مدارس التربية من هذا الأسلوب الذي يحبب الوعظ بطريقة مقربة للنفس، وطرح القيم بأسلوب قصصي جذاب، يحبه الأطفال والكبار، ويتمثلون أبطاله في سلوكهم وإصلاح مشكلاتهم.

التعليم بالرسوم التوضيحية

استخدام الرسوم التوضيحية لتقريب المعنى لعقول المتلقين، وما فيه من التعليم البصري الذي يساعد في ربط المعلومات ببعضها في عقول المتعلمين ما يفوق أسلوب الطرح النظري المجرد للأفكار، وقد كان رسولنا الكريم معلمنا الأول يستعملها مع أصحابه.

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خط النبي صلى الله عليه وسلم  خطاً مربعاً، وخط خطاً في الوسط خارجاً منه، وخط خططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط وقال: “هذا الإنسان وهذا أجله قد أحاط به، وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا”.

الحث على أهمية العمل وضرورته الملحة للإنسان

﴿وَقُلِ ٱعۡمَلُوا۟ فَسَیَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَـٰلِمِ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [التوبة ١٠٥]

فالعمل ضرورة إنسانية ملحة لتوفير احتياجات الفرد في المجتمع، وتحقيق لكرامة الإنسان فيه، فلا يحتقره أحد ولا يستغل ضعفه أية جهة، فيعيش حراََ لتحقيق عبودية المولى عز وجل ولو كانت مهنة بسيطة تستحقرها النفوس المتكبرة التي تطمع في الدنيا وتريد العلو في الأرض.

وفي هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه”.

ولو نُفذ هذا الحديث في المجتمع لاختفت البطالة فيه، وهو ما تسعى التنمية البشرية لتحقيقه، قد سبقها الدستور الرباني قروناََ بعيدة.

ميزات التربية القرآنية

شمول التربية القرآنية

جوانب الإنسان  النفسية والجسمية والروحية والعقلية والعملية؛ فالعبادة  تقوم على البدن والروح  وإعمال العقل والتفكر في النفس، وقد حاط الخبير العليم بما لم يحط به العلماء والمنظرون والفلاسفة المربون علماََ، كيف لا وهو الخالق الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى؟

فلم يدع سِلماََ ولا حرباََ ولا مضماراََ عقلياََ ولا بدنياََ أو سلوكياََ إلا وجّهه للأنفع، وكان مقياس نجاحه بمقياس القيم المثلى التي يحققها ليرتقي بنفسه وبمن حوله، فلم يكن محصوراََ كالتربية الغربية على العمران المادي الصرف، وكلما زاد تسليع الإنسان زادت رفاهيته، وعلا مقياس نجاحه، وإن خلا من كل قيمة أخلاقية تعود للظهور بعد غور بعيد.

﴿إِنَّ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ یَهۡدِی لِلَّتِی هِیَ أَقۡوَمُ﴾ [الإسراء ٩].

إرساء العدل بين أطياف المجتمع

 فيكون توزيع الموارد منصفاََ، والأحكام القضائية تشمل الجميع، لا فرق بين حاكم ومحكوم.

ونذكر أنَّ قُرَيْشاً أهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتي سَرَقَتْ، فَقالوا: ومَن يُكَلِّمُ فِيهَا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فَقالوا: ومَن يَجْتَرِئُ عليه إلَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قالَ: إنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا.

وإن المجتمع الذي تسود فيه العدالة ويطمئن أفراده حقوقهم محفوظة، وينعكس ذلك إيجاباََ على عملهم وإخلاصهم.

صفات المربي الرباني

التحبب والتلطف مع الصغار بحضور الكبار، والاهتمام بمشاعرهم وعدم إغفالهم، فيترك ذلك أثراََ كبيراََ في قلوبهم ليتعلقوا بشخصه الكريم، ويشعرهم بعظيم شأنهم، فهم رجال الغد الذين يعول عليهم.

عن أنس بن مالك قال: ” كان بُنيٌّ لأبي طلحة يكنى(أبا عمير)، وكان النبي إذا جاء إلى أم سليم مازحه، فدخل فرآه حزيناً، فقال: ما بال أبي عمير حزيناََ، فقالوا: مات يا رسول الله نغيره الذي كان يلعب به، فجعل رسول الله يقول: أبا عمير ما فعل النغير؟ وما مسست شيئاً قط (خزة ولا حريرة) ألين من كف رسول الله”.

وقد استفاد مختصو التربية في توجيه الانتباه للصغار، والحث على الاهتمام بهذه الفئة اللطيفة، ففيها تزرع بذور التربية التي تجنيها مستقبلاََ.

اللين واللطف والرفق

رأينا تعليق الطفل الذي لمس يدي رسول الله، فشعر بلينها انعكاساََ للين كلماته عليه الصلاة والسلام التي تمسح ألم قلبه الصغير مراعاة لمشاعر الصغار التي لا يغفل عنها قائد الأمة وعلى كاهله من الهموم التي يحملها ما تنوء به العصبة من الرجال الأشداء.

يقول تبارك وتعالى عنه: ﴿فَبِمَا رَحۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِیظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِینَ﴾ [آل عمران ١٥٩]

ومن ذلك نصحه عليه الصلاة والسلام برفق لربيبه عمر بن أبي سلمة وهو طفل يأكل من صحيفة الطعام فطاشت يده في الصحيفة، فأمسك الرسول عليه الصلاة والسلام بيده وقال: “يا غلام :سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك”

وفي هذا نهي الطفل عن الخطأ بأسلوب تعليمي رفيق بحالهم، وتأديبهم بطريقة مثالية، فهو لا يترك الحبل على غاربه ليفعل ما يحلو له حتى إذا ما اشتد عوده رفض أي تقويم لسلوكه، بل يربيه مبيناََ السلوك الصحيح ناهياََ له عن السلوك الخاطئ،  وهذا ما افتقدته  بعض أفكار التربية الحديثة التي تدعو الأهل أن يتركوا أطفالهم بسلوكهم الخاطئ (فهم صغارٌ لا يفهمون الخطأ من الصواب) ينتظرونهم حتى سن البلوغ الذي حددته مدارسهم سن الثامنة عشر، وكل ما قبله يعدونه قاصراََ لم يكتمل عقله، ولن يكلف ما لا يحب، واذا ما بلغ ذلك السن صار حراََ في كل شيء؛ فأي تربية هذه؟!

ويا للأسف! وصل تناقضهم وشططهم في الغرب  أن يتركوا أبناءهم الصغار يختارون تحديد ميولهم الجنسية؛ هل يحبون أن يعيشوا كذكر أم كأنثى؟ ووافقوا أقوالهم الطفولية في إجراء عمليات تحويل جنسهم.

والشرع -وإن أسقط التكاليف عن الصغار- كلف الأهل مسؤولية زرع القيم، وري بذور الفطرة السليمة بتأصيل معاني البر والإحسان، وتقبيح السيئ من الأفعال، وتحبيب العبادات، وربطهم بخالقهم برجائهم الثواب منه لعملهم، والأهل محاسبون إن قصروا في مسؤوليتهم تلك؛

“فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”.

وانتبهت التربية الحديثة إلى هذا، فأقرت أنه من الأفضل تكليف الصغير بمهام صغيرة تشعره مسؤوليته في المجتمع، ومكافأته على عمله المنجز.

٣-  مراعاة أحوال المستمعين لئلا يصيبهم الملل والسآمة، وقد ربى الرسول الكريم  أصحابه على ذلك.

جاء في الأثر عن الصحابة: “كانَ عبدُ اللهِ  بن مسعود يُذَكِّرُنَا كُلَّ يَومِ خَمِيسٍ، فَقالَ له رَجُلٌ: يا أَبَا عبدِ الرَّحْمَنِ إنَّا نُحِبُّ حَدِيثَكَ وَنَشْتَهِيهِ، وَلَوَدِدْنَا أنَّكَ حَدَّثْتَنَا كُلَّ يَومٍ، فَقالَ: ما يَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ إلَّا كَرَاهيةُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، إنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ – كانَ يَتَخَوَّلُنَا بالمَوْعِظَةِ في الأيَّامِ، كَرَاهيةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا”.

وفي ذلك أكبر  الأثر في تقبل النصح والعمل به.

٤- تفقد أحوال الجميع من حوله ولو كانت امرأة عجوزاََ أو عبداََ فقيراََ لا يُؤبه لهم في المجالس (الفئة المهملة في المجتمع)، ولكنهم لا يغيبون عن المعلم الأعظم والمربي الأفضل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولتفقد أحوالهم أكبرُ الأثر في النهوض به من مستنقعات الفساد وبؤر الهلاك، وهذا ما أغفلته التربية الغربية، فكان عندهم التشرد في الطرقات والتسكع في الحانات ما يعود بالفساد على المجتمع ككل، فانظر لحال الرسول الكريم وقد فقد امرأة سوداء كانت تقمّ المسجد في مجتمع فيه كبار الصحابة، والوفود العربية التي تقدم المدينة، لكنهم لم يُنسوه وجود تلك المرأة، فسأل عنها النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ماتت، فقال: أفلا كنتم آذنتموني؟ قال: دلوني على قبرها، فدلوه، فصلى عليها.

واقتفد جليبيباََ ذلك العبد الدميم بعد غزوة أحد، وإحصاء الصحابة للشهداء، وكان من بينهم حمزة رضي الله عنه عم الرسول عليه الصلاة والسلام ليكون بين الشهداء، فمكانة الرجل عنده ليس بحسبه ونسبه بل بإيمانه وعمله.

وتفقد الجميع ذلك دأب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ فقال ربنا تعالى في سورة النمل  واصفاََ حال سيدنا سليمان النبي الملك الذي علمه سبحانه وتعالى  منطق الطير والحيوانات، وأوتي ملكاً لم يكن لأحد سواه، فقد حكم الجن والإنس على حد سواء.

﴿وَتَفَقَّدَ ٱلطَّیۡرَ فَقَالَ مَا لِیَ لَاۤ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ أَمۡ كَانَ مِنَ ٱلۡغَاۤىِٕبِینَ﴾ [النمل ٢٠]

لم يغفل بسعة مسؤوليته وملكه عن الانتباه لغياب طير صغير بين صفوف جنوده المهولة؛ فالمسؤولية تقتضي المتابعة الدائمة الشاملة.

فاهتمت التربية القرآنية بجانب الفرد والجماعات والحيوانات والنباتات.

ونبّه لخطورة طغيان الإنسان في فساد هذه المقدرات.

﴿ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِی ٱلنَّاسِ لِیُذِیقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِی عَمِلُوا۟ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ﴾ [الروم ٤١].

الأمر الذي بدأت منه الدول القوية في تركيز الدراسات بعد الدمار الشامل والانهيار الكامل للمجتمعات الإنسانية والبنى التحتية عقب الحرب العالمية الثانية، لتنطلق بسرعة حثيثة للتنمية البشرية؛ فما التنمية البشرية؟ وما مجالاتها وأنواعها.

مفهوم التنمية البشرية

هي عملية توسيع القدرات التعليمية والخيرات للشعوب بهدف أن يصل الإنسان بجهده إلى مستوى مرتفع من الإنتاج والدخل وحياة صحية طويلة.

وهذا يتوافق مع ما جاء في القرآن في الحث على التعلم في قوله تعالى: {وقُلْ ربِّي زِدْنِي عِلْماً}

وضرورة العمل

﴿وَقُلِ ٱعۡمَلُوا۟ فَسَیَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ﴾ [التوبة ]

مجالات التنمية البشرية

حرصت التنمية البشرية على تطوير المستوى الصحي (الحياة الصحية الطويلة)، والمستوى التعليمي (اكتساب المهارات العلمية والمعرفة والبحوث العلمية)، ومستوى الدخل للفرد والدول،

 ولا شك في تطور كل هذه المجالات في الدول المتقدمة، فقد أسهمت البحوث العلمية في تطوير علاجات وعقاقير وعمليات تطيل من عمر الإنسان الصحي، ولكنها أغفلت جانبه الروحي، إذ علمنا أن الإنسان ليس جسداََ فحسب، فمكونه الروحي أساس حياته، وقد عملت لتعويض غياب الدين الصحيح في تطوير دورات وكتابة مؤلفات تنجي الإنسان الغربي من الكآبة والقلق والحيرة والهشاشة النفسية ما يدفع العديد منهم للانتحار.

أنواع التنمية البشرية ودعم التربية القرآنية لها

التنمية الاجتماعية

وتهتم هذه التنمية بالذكاء العاطفي، ومهارات التواصل مع الآخرين.

عندما تصلح أخلاق الأفراد يرتقي المجتمع في كل مجالات التطور العلمي والعملي على حد سواء؛ انظر معي -أخي وأختي- على تأصيل الإسلام الجانب التعاوني بين المسلمين.

يقول رب العالمين:﴿وَتَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰ⁠نِۚ﴾[سورة المائدة].

والحرص على نفع الآخرين وإيصال الخير لهم.

﴿لَن تَنَالُوا۟ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا۟ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَیۡءࣲ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِیمࣱ﴾ [آل عمران ٩٢]

ولا شك أن مجتمعاً يسوده العطاء بين أفراده يدفعهم للمنافسة الشريفة، والإحساس العميق بآلام الآخرين، وبذل النفيس لمساعدتهم،

جاء في الحديث الشريف: “قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ؟

قَالَ:  أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تَدْخِلُهُ عَلَى مُؤْمِنٍ: تَكْشِفُ عَنْهُ كَرْبًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَيْنِ فِي مَسْجِدٍ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ _وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ _ مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رِضا، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا لَهُ، ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ، وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ لَيُفْسِدُ الْعَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ”.

التنمية الاقتصادية

وتهتم بإنشاء فرص عمل ومحو البطالة،

وطرحنا سالفاََ كيف حث رسولنا الكريم على العمل وإن كان في أبسط الموارد ليسلم المجتمع من التسول.

“ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يديه، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده”.

لتنمية الطبيعية

تهتم بالموارد الزراعية والحيوانية والمواد الخام والثروات الطبيعية.

كلما زادت ثروات المجتمع الطبيعية زادت فرص العمل، وارتفع مستوى الفرد المعيشي؛ وإن زيادة الثروات لا يعني الإسراف والتبذير في الموارد، بل يجب استثمارها فيما يعود بالنفع لأهلها، ودفع الفائض لدول تحتاجها.

اسمع قوله تعالى: ﴿وَكُلُوا۟ وَٱشۡرَبُوا۟ وَلَا تُسۡرِفُوۤا۟ۚ إِنَّهُۥ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِینَ﴾ [الأعراف ٣١]

وقول النبي الكريم: “مَن كان معه فضلُ ظَهرٍ فلْيعُدْ به على مَن لا ظهرَ له، ومَن كان معه فضلُ زادٍ فلْيعُدْ به على مَن لا زادَ له”.

التنمية السياسية

حرصت على إنشاء جسور تواصل بين الأمم في فعاليات، وندوات، ولقاءات.

وكلنا يحفظ قوله تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن ذَكَرࣲ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ شُعُوبࣰا وَقَبَاۤىِٕلَ لِتَعَارَفُوۤا۟ۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرࣱ﴾ [الحجرات ١٣]

لا شك أننا نشهد تفاوتاََ حضارياََ في مقدرات الدول الغربية مقارنة بأحوال شعوبنا في دولنا المسلمة التي تصنف  وفقاََ لمعايير التنمية البشرية من دول العالم الثالث، هذا ما دفع كثيراً من الناس ينحو نحو التربية الغربية بكل تفاصيلها ظناََ منه أن يحظى بهذا التطور الحضاري، يقفز قفزتهم متخلياََ عن كل ما هو متصل بأصله ودينه الذي ألصق سبب تخلف واقعه به زوراََ وبهتاناََ وزيفاََ ونكراناََ لحضارة دامت قروناََ.

فكان هناك فريقان:

– فريق أسهم إيجاباََ في التركيز على الجوانب المفيدة من التنمية البشرية، وأخذ منها ما يتناسب مع القرآن الحكيم  مع الحفاظ على أسس تربيته القرآنية، فمحمود عمله وسعيه، ونقل النافع من أساليب ودراسات و تخصصات وبحوث أفادت في تطوير الذات وإصلاح المجتمعات…

– وفريق قال شططاََ، فأوغل في الانسلاخ عن الواقع ليلبس واقعاََ لم يصمم له.

وفي محاولتهم بناء الذات هدموا الاعتقاد الصحيح، وألهوا الإنسان الذي أوهموه أنه على كل شيء قدير إذا ما ركز على هدفه، وسعى إليه بكل عمله وجهده متناسياََ أنه مخلوق ضعيف خاضع لربه في كل حين.

التنمية البشرية -وإن كان هدفها تحسين وضع الإنسان الصحي والعلمي والعملي-  إن لم تخضع لإطار مرجعية العبودية  الذي قامت عليه التربية الدينية عادت وبالاََ، وإن جمعت ثروة مالية فأرواح جامعيها خاوية تعصف بها نتن المادية.

ونلخص ذلك في حديث الرسول الكريم لعبد الله بن عباس رضي الله عنه إذ يقول:

كنتُ رديفَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقالَ: “يا غلَّامُ – أو يا بنيَّ – ألا أعلِّمكَ كلماتٍ ينفعكَ اللَّهُ بهنَّ؟ فقلتُ: بلى فقالَ: احفظِ اللَّهَ يحفظكَ، احفظِ اللَّهَ تجدهُ أمامَكَ تعرَّف إليهِ في الرَّخاءِ يعرفُكَ في الشِّدَّةِ إذا سألتَ فاسألِ اللَّهَ، وإذا استعنتَ فاستعن باللَّهِ، قد جفَّ القلمُ بما هوَ كائنٌ، فلو أنَّ الخلقَ كلَّهم جميعًا أرادوا أن ينفعوكَ بشيءٍ لم يقضهِ اللَّهُ لكَ لم يقدروا عليهِ، وإن أرادوا أن يضرُّوكَ بشيءٍ لم يقضهِ اللَّهُ عليكَ لم يقدروا عليهِ، فاعمل للَّهِ بالشُّكرِ واليقينِ واعلم أنَّ الصَّبرَ على ما تكرهُ خيرٌ كثيرٌ، وأنَّ النَّصرَ معَ الصَّبرِ، وأنَّ الفرجَ معَ الكربِ، وأنَّ معَ العسرِ يسرًا”.

تلك مبادئ التربية القرآنية المنجية من مهالك شياطين الإنس والجن.

الأسئلة الشائعة عن التربية القرآنية والتنمية البشرية

ما مفهوم التربية؟

هو تنمية الوظائف العقلية والجسمية والخلقية كي تبلغ كمالها.

ما منطلق كلٍ من التربية القرآنية والتربية الغربية؟

العبودية لله هي منطلق التربية القرآنية، والحرية هي منطلق التربية الغربية.

العبودية لله تأخذ الإنسان للتحرر من سلطة العباد، وحرية الغرب تأسره في عبادة الذات.

ما أساليب التربية القرآنية؟

قامت التربية القرآنية أساسها على التربية بالقدوة المتمثلة بشخص النبي الكريم، والحث على ضرورة العمل، فكل آيات القرآن قرنت بين الإيمان والعمل الصالح، واستخدمت الأمثال والقصص لتعزيز الفهم والإرشاد.

ما ميزات التربية القرآنية؟

تميزت التربية القرآنية بشمولها للجانب النفسي والروحي والبدني والعقلي للإنسان، وأرست العدل في النظام والأحكام.

ما التنمية البشرية؟ وهل تتوافق مع القرآن؟

هي عملية ترتكز على الإنسان وتعليمه والارتقاء بمهاراته وإنتاجه ومعيشته، ومحور القرآن هو الإنسان واستخلافه في الأرض لتحقيق عبودية الله

﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ ٢﴾[هود ]

ما أنواع التنمية البشرية؟

تنوعت التنمية البشرية بتنوع حاجات الإنسان الاجتماعية والصحية والاقتصادية والسياسية وتنمية الموارد الطبيعية لزيادة رفاهية الإنسان.

الكاتبة: آ. رشا ميا

شارك المقال مع اصدقـائك:

zuolfa app

سجل معنا وابدأ تجربة تطبيق زلفى لتعلم القرآن واللغة العربية

إذا كنت ولي أمر ترغب في تعلم ولدك أو تعلمك بنفسك تلاوة القرآن الكريم أو اللغة العربية عن طريق تطبيق زلفى
شارك معنا اسمك ورقم هاتفك (وتساب) وترقب تواصلنا معك لنمنحك فرصة تجريب التطبيق

تسجيل سريع

لوغو منصة زلفى التعليمية

نسعى نحو العلوم زلفى
تعلم – استمتع – نافس

لنبقى على تواصل
حمل تطبيق زلفى الآن

جميع الحقوق محفوظة © 2025 منصة زلفى