البلاغة في الحديث النبوي
كالنور جاء هادياً لأمة الإسلام رسولُنا الأميّ المعلم في ظلمةٍ شديدة السواد اتصلت السماء بالأرض، وبددت ظلمة زمن طويل بوحي من الله، شاء الله أن يكون المعلم ذاك القرشي البليغ الذي لم يمسك قرطاساً، ولم يخطّ بقلم، وحاز البلاغة في أسمى معانيها.
فيه الوقار تجلى لا يحيط بـــــــه —— بيانُ وصف ولا إبداعُ ذي كلـم
سمح جواد رحيب الصدر ذو قيم—— فردٌ أغرٌ شديد العزم و الرَتم
أتى الفصاحة أمياً بوحي هــــــــدىً —— ما كان أمسك بالقرطاس والقلم
جمُ البلاغة في إفصاحه رتـلٌ —— ذو بِلة بلسان الحق و الحكم
فصاحته وبلاغته صلّى الله عليه وسلم
لا بد أولاً من أن نمرّ سريعاً على مصطلحي البلاغة والفصاحة ونفرق بينهما، إنّ كلاً منهما من غايات البيان.
- فالبلاغة: هي أن يبلغ المتكلم بعباراته كنه مراده مع إيجاز غير مخل أو تطويل غير ممل.
- أما الفصاحة: فهي خلوص الكلمة من التعقيد أو التنافر بين حروفها، وهي صفة للألفاظ.
أما البلاغة فتكون في الكلام والمعاني، ولا تكون وصفاً للكلمة، وكل كلام بليغ فصيح، ولا يشترط بفصاحة الكلام أن يكون بليغاً.
وكلام نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم – قد بلغ الغاية بفصاحته وبلاغته.
قال السُّيوطيُّ: “أفصَحُ الخَلقِ على الإطلاقِ سَيِّدُنا ومولانا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حبيبُ رَبِّ العالَمينَ جَلَّ وعلا”.
لقد أوتي نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- جوامع الكلم، فكان عذب البيان، جميل المنطق، يتحدث بحديث لو عده العادّ لأحصاه، متمهلاً في النطق، مبيناً عما أراد، مكرراً ما يقوله ثلاثاً ليعقله السامع ويفهمه منه.
ويصف الجاحظ كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: “هو الكلامُ الذي قَلَّ عدَدُ حروفِه، وكَثُر عَدَدُ معانيه، وجَلَّ عن الصَّنعةِ، ونُزِّه عن التكلف، وهَجَر الغريبَ الوَحشيَّ، ورَغِبَ عن الهجينِ السُّوقيِّ، فلم ينطِقْ إلَّا عن ميراثِ حِكمةٍ، ولم يتكَلَّمْ إلَّا بكلامٍ قد حُفَّ بالعصمةِ، وشِيدَ بالتَّأييدِ، ويَسُر بالتَّوفيقِ، وهو الكلامُ الذي ألقى اللهُ عليه المحبَّةَ، وغشَّاه بالقَبولِ، وجمع له بَيْنَ المهابةِ والحلاوةِ، وبَينَ حُسنِ الإفهامِ، وقِلَّةِ عَدَدِ الكلامِ”.
من بليغ كَلامِه الموجَزِ قولِه: “مَن لا يرحَمْ لا يُرحَمْ”.
وقولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “إنَّما الصَّبرُ عِندَ الصَّدمةِ الأولى”.
فيعلمنا الأدب والتربية الإيمانية بأوجز الألفاظ وأبلغ العبارات.
وفي ذلك يقول الرَّافِعيُّ: “الكلامُ النَّبويُّ جامِعٌ مجتَمِعٌ، لا يذهبُ في الأعَمِّ الأغلَبِ إلى الإطالةِ، بل كالتِّمثالِ؛ يأتي مقَدَّرًا في مادَّتِه ومعانيه”.
نفي الشعر عنه
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الشعر، ويكفينا لإثبات ذلك قوله عزّ وجلّ: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾. يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: أَنَّهُ مَا عَلَّمَهُ الشِّعْرَ، ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ أَيْ: وَمَا هُوَ فِي طَبْعِهِ، فَلَا يُحْسِنُهُ وَلَا يُحِبُّهُ، وَلَا تَقْتَضِيهِ جِبِلَّته؛ وَلِهَذَا وَرَدَ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ لَا يَحْفَظُ بَيْتًا عَلَى وزنٍ مُنْتَظِمٍ، بَلْ إِنْ أَنْشَدَهُ زَحَّفه أَوْ لَمْ يُتِمَّهُ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعة الرَّازِّيُّ: حُدِّثت عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا وَلَد عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى إِلَّا يَقُولُ الشِّعر، إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ (عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ) الَّذِي أَكَلَهُ السَّبُع بِالزَّرْقَاءِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ -هُوَ الْبَصْرِيُّ- قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَتَمَثَّلُ بِهَذَا الْبَيْتِ:
كَفَى بالإسْلام والشيْب للمرْء نَاهيًا
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ:
كَفى الشَّيْبُ وَالْإِسْلَامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيًا…
قَالَ أَبُو بَكْرٍ، أَوْ عُمَرُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾.
خصائص لغة الحديث النبوي الجمالية وتأثيره في اللغة
وقف الباحثون المتخصصون عند دراستهم لأحاديث صحيحي البخاري ومسلم على الخصائص المميزة للغة الحديث النبوي الشريف، ومنها: فصاحة الكلمات، والبعد عن التعقيد والتكلف، وقوة التراكيب اللغوية، وغنى الأفكار، وجمال البيان، وغنى الأحاديث بألوان التصوير والمجاز، والخلو من التناقض في سياق الأفكار.
وقد أثْرَت لغة الحديث النبوي لغة العرب بسموها وروعة بيانها واحتوائها على ألفاظ وتراكيب لم تُسمع من العرب قبلاً؛ قال الخطَّابيُّ: “ومن فصاحتِه أنَّه تكلَّم بألفاظٍ اقتضبها، لم تُسمَعْ من العَرَبِ قَبلَه، ولم توجَدْ في متقَدِّمِ كَلامِها، كقولِه: مات حتف أنفه، حَمِي الوطيسُ ، ولا يُلدَغُ المُؤمِنُ من جُحرٍ مرَّتينِ”.
وصدق شوقي إذ يقول:
وَإِذا خَـطَـبـتَ فَـلِـلمَنابِرِ هِزَّةٌ
تَـعـرو الـنَـدِيَّ وَلِـلقُلوبِ بُكاءُ
يا أيها الأمي حسبك رتبةً
في العلم أن دانت لك العلماء
البلاغة في الحديث النبوي
بلاغة الإيجاز
الإيجاز -كما عرّفه علماء البلاغة- هو: أداء المقصود من الكلام بأقلّ العبارات، وقيل: هو التّعبير عن المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة.ط، وقد اتسم الحديث النبوي بهذه السمة.
قال مصطفى صادق الرّافعيّ في (إعجاز القرآن والبلاغة النّبويّة): “… ومِن كمال تلك النَّفس العظيمة، وغلبة فكره -صلّى الله عليه وسلّم- على لسانه، قلَّ كلامُه، وخرج قصدًا في ألفاظه، محيطًا بمعانيه، تحسب النَّفس قد اجتمعت في الجملة القصيرة والكلمات المعدودة بكل معانيها، فلا ترى من الكلام ألفاظًا، ولكن حركات نفسية في ألفاظ، ولهذا كثرت الكلمات التي انفرد بها دون العرب، وكثرت جوامع
كلمه”.
ومن شواهد الإيجاز في الحديث النبوي قوله -صلى الله عليه وسلم-: “إنّما الأعمال بالنيّات، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى…”.
إذ نلاحظ قلة الكلمات التي استطاعت أن تحمل معاني عظيمة، وفكرة سامية مع جمال الأداء.
ونلاحظ استخدام أسلوب الحصر بإنما الذي يفيد مع الحصر التوكيد في المعنى، فالعمل إنما يكون وفق نية صاحبه، ويحبط ثواب العمل إذا شابت النية شوائب السوء وعدم الإخلاص.
وكذلك من الإيجاز قوله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم” رواه مسلم
وفيه دعوة لإصلاح السرائر، وسلامة النيات وتحسين العمل، وفيه دعوة أيضاً لعدم المبالغة في الاهتمام بمتاع الدنيا الزائل، وبيان بأن مظهر الإنسان وزينته وشكله وملبسه ليس محط نظر الله إلى العبد، إنما يحاسب الله على ما حوى القلب، وما صدقته الجوارح.
فصاغت لنا كلمات رسولنا الكريم القليلة هذه تربية نبوية خلقية عظيمة.
أسلوب الحوار في الحديث الشريف
إن النبي -صلى الله عليه وسلم- معلم لقومه يرشدهم وينصحهم ويحاورهم، ويسألون فيجيب، ويخطئون فيصوّب، ويدعونه فيلبي دعوتهم، ويخاطب صغيرهم كما يخاطب كبيرهم، ويزورهم ويعود مرضاهم ويدعو لهم، فلا عجب أن يكثر الحوار في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتمتاز لغة الحوار عنده بالبعد عن التعقيد والتكلف، والقرب من فهم المستمع، ووضوح العبارة، وغناها بالاستفهام التعجبي أو التشويقي الذي يجذب الصحابي المخاطب، ويخلق عنده روح التجاوب والتفاعل، ويثبت الفكرة في ذهنه، فيعيها ويطبقها وينقلها منه إلى غيره من الصحابة على أكمل وجه.
وخير ما يمثل لنا الحوار في الحديث الشريف حوار النبي مع الشاب الذي يريد أن يأخذ الإذن في الزنا، فعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: “إن فتى شاباً أتى النبي -صلى الله عليه وسلمـ فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، قالوا: مه مه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ادنه، فدنا منه قريباً، فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك،
قال صلى الله عليه وسلم: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، ثم وضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء”. رواه أحمد.
وإذا ألقينا الضوء على هذا الحوار نجده حواراً يفيض بالرفق والرحمة والحكمة، يخاطب الشاب خطاب المعلم المربي الرحيم، فيرفق به وينصحه بأسلوب منطقي يخاطب العقل والقلب، فتقع كلمات النبي موقعها في قلب الشاب، وتؤتي أكلها فيخرج من عند النبي وليس أبغض إليه من الزنا.
ويحاور النبي الصغار كما يحاور الكبار، فيخلد التاريخ حواره مع غلام يجلس في مجلس الأشياخ؛ يروي الحديث سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: “أُتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بقدح فشَرِب منه، وعن يمينه غلام أصغر القوم، والأشياخ عن يساره، فقال: “يا غلام، أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ؟”، قال: ما كنتُ لأوثر بفضلي منك أحدًا يا رسول الله، فأعطاه إياه”. البخاري في كتاب الشرب)
وفي هذا الحوار القصير تربية نبوية بليغة، إذ يتجلى إكرام النبي للصغار، والاهتمام بهم، وإعطاءهم حقهم، والاستماع لرغباتهم، وتكريمهم، فيعلّم الناس أن يحسنوا لصغار السن، ويجالسوهم في مجالسهم، ويدنوهم ويستمعوا لهم.
ونجد لغة الحوار تتسم بالوضوح والبيان، و سهولة التعبير، والتلقائية، والبعد عن التكلف، وتكون مفعمة بالرحمة والرفق والحكمة.
ومن الحوار الوعظي التعليمي ما جرى بين معاذ والنبي -صلى الله عليه وسلم-، يقول معاذ -رضي الله عنه-:
قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أخبِرْني بعملٍ يُدخِلُني الجنَّةَ، ويباعدني منَ النَّارِ، قال: لقد سألتَ عن عظيمٍ، وإنَّهُ ليسيرٌ علَى من يسَّرَه اللهُ عليه، تعبدُ اللهَ ولا تشرِكُ بِه شيئًا، وتقيمُ الصَّلاةَ، وتؤتي الزَّكاةَ، وتصومُ رمضانَ، وتحجُّ البيتَ، ثمَّ قالَ: ألا أدلُّكَ علَى أبوابِ الخيرِ؟ الصَّومُ جُنَّةٌ، والصَّدَقةُ تطفئُ الخطيئةَ، كَما يطفئُ الماءُ النَّارَ،وصلاةُ الرَّجلِ في جوفِ اللَّيلِ، ثمَّ تلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ الْمَضَاجِعِ} حتَّى بَلغَ: {يَعمَلونَ}،
ثمَّ قال: ألا أُخبِرُك بِرأسِ الأمرِ ، وعمودِه، وذِروَةِ سَنامِه؟ قلت: بلَى، يا رسولَ اللهِ، قال: رأسُ الأمرِ الإسلام، وعمودُه الصَّلاةُ، وذِروةُ سَنامِهِ الجِهادُ، ثمَّ قال: ألا أخبرُك بمِلاكِ ذلِك كلِّه؟ قلتُ: بلَى، يا نبيَّ اللهِ، فأخذَ بلسانِهِ، وقال: كُفَّ عليكَ هذا، فقُلتُ: يا نبيَّ اللهِ، إِنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكلَّمُ بِه؟ قال: ثَكلتكَ أمُّكَ يا معاذُ، وَهل يَكبُّ النَّاسَ في النَّارِ علَى وجوهِهِم، أوعلَى مناخرِهم، إلَّا حصائدُ ألسنتِهم.
وفي هذا الحوار يتجلى أدب السائل، وحسن سؤاله، ورغبته في التعلم، ويقابل ذلك حسن تبليغ المعلم، وحسن إيصال المطلوب، وزيادته من العلم فوق ما سأل، وهذا نجده في قوله -صلى الله عليه وسلم-: “ألا أدلّك، ألا أخبرك ؟” ليتعلم كل معلم أن ينقل ما تعلمه من العلم النافع لطلابه، وإذا ما لمس المعلم رغبة الطالب في التحصيل زاده مما علمه الله، واستغل فرصة إقباله على ذلك.
ونلاحظ في هذا الحوار التعليمي قصر الجمل، وتتاليها، ووضوحها، وتقسيمها ليسهل حفظها على المتعلم، واحتواءها على شواهد قرآنية، لإثبات الفكرة، وكذلك استعمال الإشارة للتنبيه والإيقاظ والتشويق “أخذ بلسانه وقال كف عليك هذا”، ولم يقل: (كف لسانك) لأن الإشارة إلى اللسان ومسكه باليد يجذب بصر المخاطب، ويدل على الاهتمام بهذا الأمر وتعظيم شأنه، ويكون أبلغ في إيصال الفكرة، وأبعد عن الإملال، والتعبير بالإشارة بلا شك أقدر على الإفهام لما فيه من الوضوح والمباشرة واستثارة حاسة البصر ما يجعل ذلك يفوق التصريح باسمه.
أسلوب التشويق
يزخر الحديث النبوي الشريف بالتشويق، فلا يزال نبينا المعلم يباين في أساليبه في أحاديثه، فتارة يأتي بالسؤال منتظراً الجواب، وتارة يأتي بأسلوب التوضيح العملي، وتارة بالإشارة…، ويسوق كل أسلوب في موضعه الموافق للزمان والمكان والحال.
وسنعرض بعض الأحاديث ملقين الضوء على نوع الأسلوب التشويقي الوارد فيها؛
منها: ما رواه مسلم عن أبي هريرة أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إنَّ المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار”.
وفي هذا الحديث نلاحظ استخدام النبي لكلمة (المفلس) على غير الاستعمال المعهود عند الناس، وهو كلمة جارية في استعمالهم كثيراً لتدل على من لا مال له ولا متاع، فيأتي التعبير النبوي ليعلم المسلمين مفهوم الإفلاس الحقيقي الذي يكون أولى بالاهتمام والتيقظ لخطورته على حياة المسلم في الآخرة، الإفلاس الذي لا يمكن تداركه ولا تعويضه، الإفلاس من الثواب والأجر لسوء الخلق مع الناس، وظلمهم، وإساءة عشرتهم…
فمصدر التشويق في هذه الحديث هو إخراج الكلمة عن استعمالها المعهود إلى مفهوم آخر أولى بالاهتمام لغرض تربوي تعليمي.
وكذلك نجد التشويق في حديث عن عبد الله بن عمر قَالَ: “قال رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: إنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لا يَسْقُطُ ورَقُهَا، وهي مَثَلُ المُسْلِمِ، حَدِّثُونِي ما هي؟ فَوَقَعَ النَّاسُ في شَجَرِ البَادِيَةِ، ووَقَعَ في نَفْسِي أنَّهَا النَّخْلَةُ”.
ففي هذا الحديث نرى أن التشويق جاء في سؤال يتعلق جوابه ببيئة المسلمين آنذاك لا ينفك عما يرونه ويتعايشون معه، وفي هذا إقبال لمعرفة الجواب، فقوم يخطئ، وقوم يصيب، وكلهم متشوق لمعرفة الإجابة.
ومن أساليب التشويق النبوية استعمال الخط (الرسم) لتوضيح الفكرة ليكون أدعى إلى تعليم السامعين بما تدركه أبصارهم، فقد وضّح رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- للصحابة -رضي الله عنهم- فكرة الأجل والأمل والمصائب والفتن التي يتعرض لها الإنسان في مسيرة حياته، فكان خير معلم يعلمهم ويرشدهم إلى ما يصلح حياتهم الدنيوية والآخروية؛ قال عبد الله بن مسعود: “خطَّ لَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ خطًّا مربَّعًا وخَطَّ في وسطِ الخطِّ خطًّا وخَطَّ خارجًا منَ الخطِّ خطًّا وحولَ الَّذي في الوسطِ خطوطًا فقالَ: هذا ابنُ آدمَ وَهَذا أجلُهُ مُحيطٌ بِهِ، وَهَذا الَّذي في الوسطِ الإنسانُ، وَهَذِهِ الخطوطُ عروضُهُ إن نَجا من هذا ينهشُهُ هذا، والخطُّ الخارجُ الأمَلُ”.
حركات يسيرة قام بها رسول الله، خطّ خطاً في الرمل، بنى بها فكرة عظيمة، فكرة الأجل والأمل والمصير، باستخدام كلمات بليغة لترسخ الفكرة في أذهان أصحابه، وتكون درساً لهم ولمن جاء بعدهم إلى يوم القيامة.
ولا بد من الإشارة إلى أساليب أخرى من التشويق والتنبيه في أحاديث مختلفة كجلوسه -صلى الله عليه وسلم- بعد أن كان متكئاً، واستخدامه الإشارة للشيء دون التصريح باسمه، و اعتماد السؤال الاختباري المثير للاهتمام وانتظار الإجابة، ثم التصريح بالجواب بعد إعطاء الصحابة فرصة للإجابة، والتبسم ثم بيان السبب… هذه الأساليب النبوية التشويقية لا تزال تدرّس وتعتمد في جميع المراكز التعليمية والمدارس والجامعات، وكل تعليم يخلو من هذه الأساليب محكوم عليه بالنقص والفشل.
التصوير الفني في الحديث النبوي (التشبيه، الاستعارة، الكناية)
تزخر أحاديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- بالصور الفنية، وفي هذه الفقرة سنذكر بعض الأحاديث، وندرس ما جاء بها من جميل التصوير.
– فمن ذلك التشبيه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لا تجعلوا بيوتكم مقابر” على سبيل التشبيه البليغ بذكر المشبه (بيوتكم) والمشبه به (مقابر) وحذف الوجه.
والتشبيه التمثيلي
قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: “مَثَلُ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ كالأُتْرُجَّةِ: طَعْمُها طَيِّبٌ، ورِيحُها طَيِّبٌ، والذي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ كالتَّمْرَةِ: طَعْمُها طَيِّبٌ، ولا رِيحَ لَها، ومَثَلُ الفاجِرِ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحانَةِ: رِيحُها طَيِّبٌ، وطَعْمُها مُرٌّ، ومَثَلُ الفاجِرِ الذي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الحَنْظَلَةِ: طَعْمُها مُرٌّ، ولا رِيحَ لَها”.
ففي هذا الحديث أربع تشبيهات مركبة بما يسمى عند البلاغيين (التشبيه التمثيلي)، وهو تشبيه صورة المؤمن الذي يمتلك صفتي الإيمان والقراءة بالأترجة وهي ذات وصفين أيضاً هما الطعم والريح، وتشبيه المؤمن الذي لا يقرأ بالتمرة التي تكون ذات وصفين: لا ريح لها وطعمها حلو، وصورة المنافق الذي يقرأ القرآن بالريحانة التي لا طعم لها وريحها طيب، وصورة المنافق الذي لا يقرأ القرآن بالحنظلة التي تحمل وصفين أيضاً لا ريح لها ولا طعم.
وهناك لفتة جميلة في هذا الحديث، وهي أن الإيمان له طعم كالتمرة والأترجة وطعمه حلو، وتلك الحلاوة تجدها روح المؤمن الذي يستأنس بالله ويذوق لذة العبودية بين يديه، وقراءته للقرآن كالعبق الزكي الذي ينتشر منه، فتشمه النفوس من حوله فتعرف مصدره، إنه من تلك الروح المؤمنة الطيبة.
وجاء في صحيح البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “ترَى المُؤْمِنِينَ في تَراحُمِهِمْ وتَوادِّهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إذا اشْتَكَى عضو تَداعَى له سائِرُ جَسَدِهِ بالسَّهَرِ والحُمَّى”.
وهذا أيضاً من التشبيه التمثيلي الذي يكون فيه وجه الشبه مركباً، فالمؤمنون وهو متوادون متراحمون متعاطفون كالجسد الواحد الذي يتكون من أعضاء، إذا ما تألم عضو سهر الجسد وجافاه النوم، و حلّت الحمى تجاوباً مع تألم هذا العضو.
– والاستعارة المكنية في حـديث السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، وهو حديث معروف، قال -صلى الله عليه وسلم-: ” ورجل تصدق بصدقة فأخفـاها حتـى لا تعـلم شماله ما تنفق يمينه”. والاستعارة هي :” لا تعلم شماله ما تنفق يمينه”، وفيه تشبيه اليد بإنسان يعلم، فحذف المشبه وهو الإنسان وأبقى عليه صفة العلم على سبيل الاستعارة المكنية، ومثلها قوله: “تنفق يمينه”.
وجاءت الاستعارة المكنية أيضاً في الحديث المشهور الذي يحفظه الصغار والكبار
“بني الإسلام على خمس…”، فشبه الإسلام بالبيت الذي يقوم على دعائم، فحذف المشبه وترك الوصف وهو البناء على سبيل الاستعارة المكنية.
-ولم تخلُ أحاديث رسول الله من الاستعارة التمثيلة، وهي استعارة جميلة جداً تقوم على التمثيل وجاءت في قوله -صلى الله عليه وسلم-: يرويه العرباض بن سارية: “عليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ…”.
فقوله “عضوا عليها بالنواجذ” استعارة تمثيلية: شبه التمسك بالسنة بثبات وقوة والتزامها بمن يتمسك بالشيء عاضّاً عليه بنواجذه، حرصاً عليه وخشية الانفلات والضياع.
-والكناية في قوله- صلى الله عليه وسلم-: “لو بلغت ذنوبك عنان السماء…”.
وهي كناية عن صفة الكثرة.
والكناية عن موصوف في قوله -صلى الله عليه وسلم-: “من يضمن لي مابين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة”.
فما بين اللحيين ( اللسان)، لأنَّه يقَعُ بيْن اللَّحْيَيْنِ، وهما العَظْمَانِ في جَانِبَيِ الفَمِ، ومابين الرجلين كناية عن موصوف هو الفرج.
الجناس في الحديث النبوي
كلام رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- تتوفر فيه كل مقومات النص البليغ، لأنه محاط بعناية إلهية، وتربية ربانية، وبيئة لغوية نقية تربى في أحضانها النبي صلى الله عليه وسلم، وسنبحث المحسنات اللفظية في أقواله عليه السلام ونبدأ بالجناس.
الجناس بالتعريف
هو تشابه اللفظين في النطق، لا في المعنى، ويكون تامًّا وغير تام.
فالتامُّ: ما اتفقت حروفه في الهيئة والنوع والعدد والترتيب.
والجناس من زركشات اللغة الصوتية التي تحمل تأثيراً في النفوس من خلال انسجام الألفاظ وتشابهها في النطق، فتنتشي عند سماعها الآذان، وتطرب لها الأحاسيس، ومن ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ابن مسعود: ” اللهم أحسنت خَلْقي فأحسن خُلُقي”.
فنجد التناغم اللفظي في استعمال الكلمتين :(خَلقي وخُلقي) وهذا من الجناس غير التام لاختلاف هيئة حرف الخاء في الكلمتين.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
“اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ العفوَ والعافيةَ، في الدُّنيا والآخرةِ، اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ العفوَ والعافيةَ، في دِيني ودُنيايَ، وأهلي ومالي، اللَّهمَّ استُرْ عَوراتي، وآمِنْ رَوعاتِي”.
فهذا الحديث يزخر بالجناس غير التام بين( العفو والعافية )، و(ديني ودنياي)، و(أهلي ومالي)، و(عوراتي وروعاتي)؛
فنلاحظ كيف أصبح الجناس بينها وسيلة جذب سحرية للمستمع، وتأتي جماليته من خلال عفوية التكرار بما يناسب المعنى ويطابقه، فلا يكون ممجوجاً مصطنعاً، بل مقبولاً حسناً.
الطباق في الحديث النبوي
والطباق: هو الجمع بين كلمتين متضادتين بأداء جميل، تجد الروح فيه متعة التجاور بين المتضادت، فتطرب لها، وأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينابيع تفيض جمالاً بعذب اللفظ وحسنه.
فنجد الطباق في قوله لرجلٍ وهو يَعِظُه: “اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك”.
فتأمل كيف طابق بين( الشباب والهرم )، و(الصحة والسقم)، و(الفقر والغنى)، و(الفراغ والشغل)، و(الحياة والموت) بانسجام بديع سهل عفوي لا تكلف فيه ولا تصنع يحمل جميل المعنى، إنها قدرة بديعة على اختيار الكلمات التي تتوافق مع الدلالة من خلال التعبير بهذه الألفاظ المتضادة في نسيج لغوي لا نظير له.
وكذلك ما جاء عن تميم الداري رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
«لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الكُفْرَ
[صحيح] – [رواه أحمد] – [مسند أحمد – 16957
فنجد بلاغة التعبير بالمتضادات، فمنها لفظ يقابل آخر، أو أكثر من لفظ يقابل بمثله، وهذا ما يسمى(المقابلة) كما في قوله: “بعز عزيز أو بذل ذليل”، وقوله: “عزاً يعزّ الله به الإسلام وذلاً يذلّ الله به الكفر”.
فالطباق في الحديث -كما نلاحظ- لم يكن مجرد تضاد في المعنى، بل رافقه تناغم إيقاعي فريد، وتقسيم هندسي متواز ومتساوٍ عزّ نظيره.
السجع النبوي
احتوى الحديث النبوي على نماذج رفيعة من السجع لما له من القدرة الفعالة على التأثير في النفوس، وتحفيز الذاكرة على حفظ النصوص واستعادتها.
وسجع الحديث النبوي لم يكن مصطنعاً متكلفاً، بل تتميز الألفاظ المسجوعة بقوة اتساقها مع غيرها معنىً وصوتاً وأثراً، ومن ذلك قوله:
“أيُّها الناسُ أفشوا السلامَ، وأطعِموا الطعامَ، وصِلُوا الأرحامَ، وصَلُّوا بالليلِ والناسُ نيامٌ، تدخلوا الجنة بسلام”.
فنلاحظ التوافق الصوتي في نهاية الجمل المتعاطفة زادتها جمالاً وقبولاً في النفس مع كونها مثقلة بمعنى شريف بليغ لا تنفك عنه( الأرحام، السلام، نيام…)
فنلاحظ كيف أحدث السجع جرساً صوتياً مؤثراً يستهوي المتلقي.
ومن صور السجع المؤثر في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: “اللهمّ أَعْـطِ منفقاً خَلَفاً، وأعط ممسكاً تَلفاً”.
وهنا نلاحظ مع وجود السجع تقابلاً في المعنى واتفاقاً في الوزن، وهذا من أعذب الكلام وأجلّه لاستحضاره الصورة في الذهن والحلاوة في السمع والقبول في النفس.
خاتمة
كانت هذه نماذج يسيرة من بلاغة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن الإحاطة بها ولا حتى بمعشارها لأنها تسقى من الوحي الإلهي: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}.
صَدرُ البَيانِ لَهُ إِذا التَقَتِ اللُغى
وَتَقَدَّمَ البُلَغاءُ وَالفُصَحاءُ
نُسِخَت بِهِ التَوراةُ وَهيَ وَضيئَةٌ وَتَخَلَّفَ الإِنجيلُ وَهوَ ذُكاءُ
لَمّا تَمَشّى في الحِجازِ حَكيمُهُ
فُضَّت عُكاظُ بِهِ وَقامَ حِراءُ
أَزرى بِمَنطِقِ أَهلِهِ وَبَيانِهِمْ
وَحيٌ يُقَصِّرُ دونَهُ البُلَغاءُ
حَسَدوا فَقالوا: شاعِرٌ أَو ساحِرٌ
وَمِنَ الحَسودِ يَكونُ الاستِهزاءُ
تمت بعون الله
الأسئلة الشائعة عن البلاغة في الحديث النبوي
تختص البلاغة النبوية بفصاحة الكلمات، والبعد عن التعقيد والتكلف، وقوة التراكيب اللغوية، وغنى الأفكار، وجمال البيان، وغناها بألوان التصوير والمجاز، والخلو من التناقض، وإثرائها لغة العرب بروعة بيانها، واحتوائها على ألفاظ وتراكيب لم تسمع من قبل مثل: “حمي الوطيس، مات حتف أنفه، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”.
سميت البلاغة بهذا الاسم لأن المتكلم يبلغ بعباراته كنه مراده، مع إيجاز غير مخل أو تطويل غير ممل.
يقول ابن القيم: “كان صلى الله عليه وسلم أفصح خلق الله، وأعذبهم كلاماً، وأسرعهم أداء، وأحلاهم منطقاً، حتى إن كلامه ليأخذ بمجامع القلوب ويسبي الأرواح، ويشهد له بذلك أعداؤه، وكان إذا تكلم تكلم بكلام مفصل مبين يعده العاد، ليس بهذا مسرعاً لا يحفظ، ولا منقطعاً تخلله السكتات بين أفراد الكلام، بل هديه فيه أكمل الهدي، قالت عائشة: “ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا، ولكن كان يتكلم بكلام بين فصل يحفظه من جلس إليه”، وكان كثيراً ما يعيد الكلام ثلاثاً ليعقل عنه.
الحديث القدسي وحيٌ من الله، لكن ألفاظه ألفاظُ النبي ﷺ، أوحى الله إليه معناها، وتكلَّم بها النبيُّ ﷺ.
مثل: قال الله جل وعلا: يا ابن آدم كذا وكذا، إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم مُحرَّمًا، فلا تظالموا، يا ابن آدم، كلكم ضالٌّ إلا مَن هديتُه، فاستهدوني أهدكم.
والذي لا يقوله عن ربِّه يُقال عنه: (حديث النبي ﷺ)، مثل: إنما الأعمال بالنّيات، وبُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ..، هذا من كلام النبي ﷺ.
تتميز لغة الحديث النبوي بفصاحة الكلمات، والبعد عن التعقيد والتكلف، وقوة التراكيب اللغوية، وغنى الافكار، وجمال البيان، وسمو الأسلوب، وغنى الأحاديث بألوان التصوير والمجاز، وإثرائها لغة العرب.
الإمام عبد القاهر الجرجاني اشتهر بكتابه «أسرار البلاغة» الذي وضع فيه نظرية علم البيان، وكتابه «دلائل الإعجاز» الذي وضع فيه نظرية علم المعاني.
وهو لهذا يعدّ بحق واضع أسس البلاغة العربية، والمشيد لأركانها، والموضح لمشكلاتها، والذي على نهجه سار المؤلفون من بعده، وأتموا البنيان الذي وضع أسسه.
البلاغة فن أساسي في التعبير، إذ تساعد الإنسان على تحسين أسلوبه وجعل كلامه أكثر تأثيراً، وتمكنه من أن ينقل مشاعره وأفكاره بشكل أكثر قوة وجمال.
البلاغة هي أن يبلغ المتكلم بعباراته كنه مراده، مع إيجاز غير مخل أو تطويل غير ممل، أما الفصاحة فهي خلوص الكلمة من التعقيد أو التنافر بين حروفها، وهي صفة للألفاظ، أما البلاغة فتكون في الألفاظ والمعاني، ولا تكون وصفاً للكلمة.
ما ينسب إلى الرسول ﷺ يقال له: حديث.
والأثر يطلق على ما ينسب إلى الرسول ﷺ، وعلى ما ينسب إلى الصحابة والتابعين.
والغالب أن الأثر ما يروى عن الصحابة والتابعين، وما يطلق عليه حديث: هو ما ينسب إلى النبي ﷺ.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطب خطبة إلا ابتدأها بالحمد لله والثناء عليه بما هو أهله، وهذا ثابت في أحاديث كثيرة في الصحيحين.
الكاتبة: أ. هيفاء العلي
شارك المقال مع اصدقـائك: