القرآن سبب طرفه بيد الله
القرآن سبب طرفه بيد الله: تقرأ قصص عظماء الإسلام فتشعر بالعزة تلف إزارها لتحيط بك تنتشي فخراََ بتاريخ مجيد، فإذا ما قلبت صفحات الأخبار اليومية والشاشات الإلكترونية أفجعك حال المسلمين اليوم.
الاختلاف في واقع المسلمين بين اليوم والأمس
القرآن سبب طرفه بيد الله فأين الطرف الآخر؟ لا شك أن طرفه الآخر بين أظهرنا، ولكن هل نحن متمسكون به كما يحب وكما يأمر؟
بمعنى هل غيّرت فينا آياته كما غيرت بجيل الصحابة الذين دانت لهم الدنيا شرقها وغربها في غضون سنين؟ هل كانت استجابتنا لأوامر خالقنا كاستجابتهم؟
الجواب مع الأسف: لا!
لندرس إذن، كيف أثر القرآن في الصحابة؟
أثر القرآن في حياة الصحابة
قرأنا في دروس السيرة النبوية، وعلمنا أن حال العرب يوم بعث النبي كان في ظل حضارتين تتصارعان هما الفرس والروم، بالإضافة لقوة الحبشة جنوباََ، والعرب يومئذٍ لم يكن لهم أدنى أثر على الساحة العالمية.
وبعد أن بُعث النبي فيهم مرت ثلاثة عقود كانت كفيلة بقلب النظام العالمي، وظهور الدولة الإسلامية التي أسقطت عرش كسرى بعد أن بسطت نفوذها في شبه الجزيرة العربية وفتحت بلاد الشام والعراق ومصر.
فكيف تغيرت موازين القوة؟
القرآن سبب طرفه بيد الله هو ذاته عندما أنزله سبحانه على رسوله ومعه أصحابه، وإن كثيراََ منهم تُوفوا قبل أن يكتمل نزوله؛ ونحن اليوم القرآن كامل لدينا وملايين النسخ في بيوتنا ومساجدنا وأشرطة التسجيل…
فالقرآن ليس هو الفاعل الذي قلب الموازين، فهناك طرف آخر له، هو فاعل مؤثر، وهو من يمسك به، وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لنقلب صفحات من قصصهم وردود أفعالهم بعد نزول الآيات.
أربعة أساليب من تفاعُل الصحابة مع القرآن
لا شك أن تفاعل الصحابة مع القرآن كان مغايراََ لتفاعلنا اليوم مع آياته، فنذكر منها أهم أربعة أساليب تمايز فيها تفاعل الصحابة مع القرآن عما نشهده اليوم:
العمل بالعلم
جاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “كنا لا نتجاوز عشر آيات حتى نتعلمهن، ونعمل بهن، ونعلمهن، ونعلم حلالهن وحرامهن، فأوتينا العلم والعمل”.
إذن هذا العامل الأساسي في تأثر الصحابة بالقرآن، فلم يقتصر علمهم في القرآن على ضبط حرفه وشكله وتجويده، بل تعلُّم ما نزل به من أحكام، وتطبيقها على أرض الواقع، ولم يجادلوا في أمر الله إذا نزل، فكانت آيات الله تنزل في قلوبهم تجلو كل صدأ علق بها من جاهلية وشرك، فأول ما نزل من المفصل الذي أسس عقيدة التوحيد وترك الكفر والشرك، وكثر فيه ذكر الآخرة كمركزية في حياة المؤمن تأخذ القلب للدار الباقية، وتحذر من عقاب الله في النار، وترجو ثوابه في الجنة، فكان القرآن بحق سبباً طرفه بيد الله وطرف يشد وثاقه رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
كانوا إذا سمعوا قوله: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ [البقرة ١٩٥] تنافسوا في الإحسان اقتداء بنبيهم الكريم الذي غفر الله له ماتقدم من ذنبه وما تأخر، ويقوم الليل شاكراً لربه.
فلم تزدهم بشارة نبيهم لهم بالجنة إلا عملاََ.
فها هو ذا أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- أعلم الناس بعد رسول الله، فكان أعملهم بما علم، فكلما زاد العلم زاد العمل.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أصبح منكم اليوم صائماً؟” قال أبو بكر: أنا، قال: “فمن تبع منكم اليوم جنازة؟” قال أبو بكر: أنا، قال: ” فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟” قال أبو بكر: أنا، قال: “فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟” قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة. صحيح مسلم
انظر إلى حالنا بالمقابل! كيف أمن المفرطون بصلاتهم وصيامهم وزكاتهم عقاب الله؟ وعلقوا أمانيهم بأنه غفور رحيم؟
ولو صلحت قلوبهم لصلحت أعمالهم.
الاستجابة السريعة لأمر الله
نزل قرآناََ يتلى كسبب طرفه بيد الله وطرفه الآخر بيد هؤلاء المؤمنين.
ولم يكن قول الصحابة إذا قال الرسول قولاََ إلا أن يقولوا سمعنا وأطعنا.
وقصة تحويل الكعبة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة خير دليل على سرعة استجابة الصحابة لأمر الله تعالى.
روى مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: “بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ”
ومن صور استجابة الصحابة الكرام لأمر الله ماورد في تحريم الخمرة ماقاله الحافظ بن حجر رحمه الله: رواية عن مالك في الحديث: “قُمْ إلى هذه الجِرار فاكْسِرها، قال أنس: فقمتُ إلى مِهراس لنا، فضربتُها بأسفله حتى انكسَرت، وفي رواية عبدالعزيز بن صهيب في التفسير: “فوالله ما سألوا عنها، ولا راجعوها بعد خبر الرجل”، ووقع في رواية: “فجرَتْ في سِكَكِ المدينة”؛ أي: طُرقها، وفيه إشارة إلى توارُد مَن كانت عنده من المسلمين على إراقتها حتى جرَتْ في الأَزِقَّةِ مِن كَثرتِها.
وصور كثيرة من استجابة الصحابة العدول لأمر الله عز وجل جاءت بعد تعظيم حق الله في قلوبهم بتربية الرسول لهم.
فوازن يا أخي المؤمن ويا أختي المؤمنة بين حالهم وحالنا اليوم.
هل عظمنا أمر الله كما عظموه فكانت استجابتنا كاستجابتهم؟
قطعاََ لا! والله المستعان.
اليقين بوعد الله في الآخرة
إن من صفات المؤمنين المفلحين اليقين بآيات الله ووعوده، ومراتب اليقين ثلاث:
- أولها: علم اليقين؛ وهي عمل قلبي يبصره بإيمانه كما تبصر العين المرئي.
- وثانيها: عين اليقين؛ أي المشاهدة المعلومة بالأبصار.
- والمرتبة الثالثة: حق اليقين، وهي أعلى درجات اليقين؛ وهي مباشرة المعلوم وإدراكها التام.
وجاء ترتيبها في سورة التكاثر، قال تعالى: ﴿كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوْنَهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴾[التكاثر ٥ – ٧] أي ترونها معاينة بالأبصار موقنين حقيقتها
كثير من الناس يضعف يقينه، فيضعف عمله، بل قد يفقد إيمانه، ويتحول إلى حالة الشك.
وهذه قصة الصحابي الذي آمن فأيقن فجاهد فقاتل فقتل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة، فقال عمير بن الحمام أحد بني سلمة وفي يده تمرات يأكلهن بخ بخ فما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء فقذف التمر من يده وأخذ سيفه فقاتل حتى قتل”.
فما حال يقيننا اليوم؟
أكاد أجزم أن أغلب المسلمين اليوم لم يصلوا لدرجة الإيمان القلبي ليصلوا لدرجة اليقين، وإن الكثير منهم اليوم ليوقن بنشرات الأخبار الجوية ودراسات غربية أكثر مما يوقن بوعود الله التي أنزلها في كتابه.
فكيف تراهم يمسكون بهذا السبب الي طرفه بيد الله؟
العزة التي استمدوها من إيمانهم القوي
{مَن كَانَ یُرِیدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِیعًاۚ} [فاطر] لقد وقر في قلوبهم على ضعفهم وقوة خصمهم وقلة عددهم بين أظهر عدوهم أن العزة لله وحده، وما دونه مجرد فقاعة تنتفخ ثم ما تلبث أن تزول، انظر لكبرياء سيدنا بلال تحت صخرة تعذيب أبي جهل له والشمس الحارقة والأرض اللاهبة وهو يردد أحد أحد ليزيد أبا جهل غيظاََ وبطشاََ ويحطم رأس أبي جهل الأجوف بعظامه التي ترزح تحت ثقل الصخر، وما يزداد بلال إلا أنفة وعزاََ، ولا يزداد الكافر إلا صُغراََ واحتقاراََ.
فما إن أصبح لهم دولة وسفراء وإذن لهم بتليغ الدعوة حتى جابوا أصقاع الأرض بعزة وعظمة الإسلام ورحمته الذي يحملونه.
وفي إحدى المعارك طلب رستم قائد الفرس رجلاََ يتفاوض معه فأرسل له ربيعي بن عامر الذي كان من هؤلاء الرجال لم تغرهم قصور الفرس وزخرفها، فقد علموا حقيقة الدنيا التي لا تساوي جناح بعوضة عند الله عز وجل، وعلموا أن الآخرة خير وأبقى، وأيقنوا حق اليقين أن هذه الدنيا متاع الغرور لا يغر بها إلا مفتون أعمه، فجاءهم على فرس بذيل قصير مما يمتهن به الحصان وثياب بسيطة يتقلد سيفه على خصره، فدخل الذي ربطه بشيء مما غنمه من الفرس برسالة قوية يفهمها الأعداء، فطلبوا منه نزع سيفه ليدخل على ملكهم فأبى قائلاً: أنتم دعوتموني فإما أن أدخل كما أنا وإما أن أعود من حيث أتيت.
يبسط إليهم شروطه وهو في ديارهم لا يخاف اغتيالاََ ولا قتلاََ، فسمحوا له فدخل على رستم يمزق نمارقه المبثوثة برمحه، وترك جلساتهم الفارهة، وجلس على الأرض، فسألوه: لماذا تجلس هنا؟ قم واجلس على الأرائك.
فقال: مالنا وزينتكم؟ فقالوا له: ما جاء بكم إلى ديارنا؟
فأجابهم: “إنّ الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سَعَتها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلَنا بدينه إلى خلْقه لندعوهم إليه فمن قَبِل ذلك قَبِلْنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلْناه أبدا حتى نفضي إلى موعود الله”.
هكذا دون مواربة ولا مداهنة دون انزياح عن مبدأ الإيمان قيد شعرة ولا تنازل ولا انكسار بل عزة ووقار.
انظر لحال المسلمين اليوم.
حال المسلمين اليوم
حال المسلمين اليوم مؤسف يبكي القلب قبل العين، هم كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق:
“يوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها، قيل: يا رسولَ اللهِ! فمِن قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ؟ قال: لا، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ في قلوبِكم، ويُنْزَعُ الرُّعْبُ من قلوبِ عَدُوِّكم؛ لِحُبِّكُمُ الدنيا وكَرَاهِيَتِكُم الموتَ”.
ترى أغلب المسلمين اليوم غارقين في أزمات طاحنة وعدوهم متربص بهم لا يأل جهداََ ولا عملاََ ولا مكراََ بهم، قلوبهم تفرقت قبل دولهم بما غلب عليهم من حب الدنيا وكراهية الموت تماماََ كما وصفهم الرسول الكريم.
غاب عنهم العلم الشرعي، وسلط عليهم الفكر الغربي، وهجروا القرآن عملاََ.
وإذا كانت مسابقاتهم له قليلة مقارنة بما سواها فإن ما يحرفهم عنه وعن فهمه وتدبره غزيرة وحثيثة.
{وَقَالَ ٱلرَّسُولُ یَـٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِی ٱتَّخَذُوا۟ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورࣰا} [الفرقان ٣٠]
فإذا كان من المشركين بالأمس هجران القرآن والصد عن سبيله فلا يكون حال المسلمين اليوم كذلك.
كان السابقون من المؤمنين متلهفين لذكر القرآن في أنديتهم وأسفارهم يقومون الليل بترتيله وتحبيره، فما حال الشباب في أتون الملهيات بين أندية كرة القدم ومسلسلات تلفزيونية وملاهٍ ليلية، فأي عمران للقلب بهذا السبب الذي طرفه بيد الله وقطع من قبل أن يوصل بأيديهم وأعمالهم.
انظر إلى حال تلك المرأة أم أيمن التي جيشت أبا بكر وعمر على البكاء إذ قالَ أبو بَكرٍ بعدَ وفاةِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ لعُمرَ: انطلِق بنا إلى أمِّ من أيمنَ نزورُها كما كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يزورُها قالَ فلمَّا انتَهينا إليْها بَكت فقالا لَها ما يبْكيكِ فما عندَ اللَّهِ خيرٌ لرسولِهِ قالت إنِّي لأعلمُ أنَّ ما عندَ اللَّهِ خيرٌ لرسولِهِ ولَكن أبْكي أنَّ الوحيَ قدِ انقطعَ منَ السَّماء قالَ فَهيَّجَتْهما على البُكاءِ فجعلا يبْكيانِ معَها.
كانت الأحداث تمر بهم، فينتظرون نزول الوحي من السماء يؤيدهم أو يعاتبهم أو ينهاهم أو يبشرهم، كانوا من موصلين بحبل الله المتين الذي طرفه بيد الله وطرفه الآخر معلق به قلوبهم.
يقول تعالي: ﴿إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ﴾ [سورة الحجر]
والقرآن اليوم محفوظ في أكبر المتاحف، ومحفوظ في رفوف منازلنا ومساجدنا وصدور حفاظنا، لكن نياط القلوب الغافلة منقطعة عنه.
يا حسرة على العباد! ﴿مَا یَأۡتِیهِم مِّن ذِكۡرࣲ مِّن رَّبِّهِم مُّحۡدَثٍ إِلَّا ٱسۡتَمَعُوهُ وَهُمۡ یَلۡعَبُونَ ٢ لَاهِیَةࣰ قُلُوبُهُمۡۗ﴾ [الأنبياء]
سبحانه من قائل عليم حكيم يصف حالنا بعد ألف وأربعمئة سنة من نزوله.
استغناء المسلمين بالعلوم الغربية
وكثير الذين هجروا قراءة القرآن معتقدين أنهم علموا كل شيء فيه، وهم بحاجة إلى مطالعة الكتب الحديثة والعلوم الإنسانية ولا سيما الغربية -بزعمهم- وكأنهم حريصون على أوقاتهم من الهدر، فهي لا تهدر بنظرهم إلا في تلاوة قرآن الذي نزل منذ أزمان غابرة، فتلاوة القرآن لا تدر عليهم الأموال كما تدرها تجارة الأغاني مثلاََ.
صدق رسولنا الكريم إذ قال: “وَاللهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ”.
بسط الغرب أجنحته شرقاََ وغرباََ، فاستكان له أغلب المسلمين هوية وثقافة وخضوعاََ بحجة اختلال القوى تارة، وضعف وقصور في العمل تارة أخرى، واستكانة منهي عنها شرعاََ تارات كثيرة، وقليل من عباد الله المخلصين مازالوا ثابتين عاملين ناصحين لأغلب المسلمين اليوم الذين ركنوا إلى الدنيا وتنافسوا في بضاعتها، وإنها لمهلكتهم كما قال الصادق المصدوق.
فقد عظم يقينهم بالغربي وكأنه لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فيكفيهم دراسة منه وبحثاََ ولو خالف صريح القرآن والسنة ليقدسوا بعلمه، ونحن لا ننكر العلم والتقدم الخاص عند الغربيين، ولكن علينا أن نكون حصيفين لا نتسول أفكارهم التي تخالف ديننا ومايناسب أعرافنا نكتفي منهم بالمفيد وننبذ الفاسد وفقاََ لمعيار السبب الذي طرفه بيد الله والآخر ممتد لكل الناس شرقاََ وغرباََ ليمسكوا به، فهو العلم الذي لا بد منه لمعرفة الحقائق الكبرى والقضايا العظمى التي لا بد للإنسان أن يفكر بها، ولو تقدم في كل العلوم الأرضية فلن ينال العلم الصحيح عن نشأته وإلى أين مصيره إلا بالتصور الحقيقي الذي في القرآن: ﴿يَعۡلَمُونَ ظَـٰهِرࣰا مِّنَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡـَٔاخِرَةِ هُمۡ غَـٰفِلُونَ ﴾ [الروم]
لو بلغوا معشار إيمان قلب تلك المرأة المؤمنة التي بكت لانقطاع الوحي لقرأوا منه آية أعملوا يومهم بالتفكير فيها.
سبحان الله العظيم عندما قال: ﴿عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَیۡكُمۡۖ فَٱقۡرَءُوا۟ مَا تَیَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِۚ عَلِمَ أَن سَیَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ یَضۡرِبُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ یَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ فَٱقۡرَءُوا۟ مَا تَیَسَّرَ مِنۡهُۚ﴾[سورة المزمل]
ذكر أعذارهم ربما يكونون مرضى أو مسافرين أو مجاهدين في سبيل الله ومع ذلك قال فاقرأوا ما تيسر منه،
يعطينا العذر سبحانه ونبخل على أنفسنا بالبركة.
بعض من صور الطيب الفاقد أريجه
نعم, أغلب المسلمين يضع شريط التسجيل أو يفتح قناة التلفاز على سورة من سور القرآن وهو في غفلة عن سماعها بعمل أو سيرة يتحدثها مع قريب أو جار له ويتشاحن مع خصمه وتعلوا أصواتهم وربما يتأفف البعض من سماعها لتذكيره بالموت فأصبح القرآن يوضع في المآتم دليلاً على حزن أهل الميت وفي مناسباتهم السعيدة يلهون بالموسيقا التي شاعت ارتباطاََ شرطياََ بالبهجة والسرور.
فرانُ القلوب يغلفها حتى أصبحت أقسى من الحجارة, فأنّى لها برِّي القرآن؟!
وكثير من يقرأ القرآن في مناسباتهم كشهر رمضان أو في كل شهر يقومون بقراءة ختمة تعبداََ أو بنية شفاء من مرض أو تيسير حاجة كلها بنية التقرب لله، جميل جداً! ولكن لما تكتمل فائدتها، فالعبادة التي تأخذ منهج العادة تفقد أثرها في الإصلاح، فلا بد من استحضار معاني الآيات وتدبر القول بعمل.
فالقلوب إذا ما أضاءت بنور الإيمان ثم رددت القرآن مستشعرة عظمته وأنه وحي من رب السماوات والأرض وأنه يناسب كل عصر وكل إنسان يتحرك بقلبه فتيل يؤججه عملاََ لرضا الديّان، وكانت رسائل القرآن الذي هو سبب طرفه بيد الله وطرفه الآخر يعطي المتمسكين به ثباتاََ في الإيمان ومحبة للرحمن وعلو همة لخير الأعمال، فيُجدِّون بالقيام والصيام وحسن الكلام، ويتركون اللهو والفتور وسوء الخصام.
ويقومون ليلهم بآية يبكون من خشية الله، ويبتسمون راضين متوكلين على الله، فكم لامست آية قلباً محزوناً فواسته وقلباََ مكسوراً فجبرته ومكروباً ففرجت عنه ووحيداً فآنسته وضالاََ فهدته…
كيف لا؟ وهو سبب طرف بيد الله القدير العليم الحكيم الرؤوف الودود السميع المجيب وطرف بيد من مد قلبه ليتعلق به.
وكثيرة هي الآيات التي أنزلها الله تثبيتاً للرسل الكريم في سبيل دعوته، وهي نفسها تثبت بالأمس المؤمنين وتثبتهم اليوم وغداََ.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كتابُ اللهِ، فيه نبأُ ما قبلكم، وخبرُ ما بعدكم، وحُكمُ ما بينكم، هو الفصلُ ليس بالهزلِ، من تركه من جبَّارٍ قصمه اللهُ، ومن ابتغى الهدَى في غيرِه أضلَّه اللهُ، وهو حبلُ اللهِ المتينُ ، وهو الذِّكرُ الحكيمُ، وهو الصراطُ المستقيمُ، وهو الذي لا تزيغُ به الأهواءُ، ولا تختلفُ به الآراءُ، ولا تلتبس به الألسُنُ، ولا يَخلَقُ عن كثرةِ الرَّدِّ ، ولا تنقضي عجائبُه ، ولا يَشبعُ منه العلماءُ، من قال به صدَق، ومن حكم به عدَل، ومن عمِل به أُجِر، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيمٍ”.
الأسئلة الشائعة عن القرآن سبب طرفه بيد الله
أمة الإسلام تمرض ولا تموت، وقد عصفت بها البلايا والرزايا على مر العصور، فصراع الحق والباطل باق مابقيت الحياة، فما مرت به من ضعف اليوم مرت به مراراََ وتكراراََ.
قطعاََ لا، الأسلام منهج حياة يصلح لكل زمان ومكان، فدستوره القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه الآخر بيد المسلمين، فمنهم من يمسك بقوة وينهض بواقعه ليسود الدنيا، ومنهم من يتركه فيهلك.
آمنوا به وصدقوا بوعوده واستجابوا لأوامره ونواهيه واعتزوا بدينهم، فأعزهم الله في الدنيا والآخرة.
بالعودة لتعاليم دينهم في القرآن الكريم والسنة المشرفة بفهم خير القرون قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي يليه والذي يليه، والاستفادة من علوم الغرب في الحياة الدنيا بما لا يخدش الإسلام وتعاليمه.
الكاتبة: آ. رشا ميا
شارك المقال مع اصدقـائك: