fbpx

النظافة في الإسلام

كانت العَرَبُ توصي بناتِها بما يوجِبُ الأُلفةَ، فتقولُ للواحِدةِ:

“كوني له أرضًا يَكُنْ لك سماءً، وكوني مِهادًا يكُنْ عِمادًا، وأَمَةً يكُنْ عَبدًا، وفِراشًا يكُنْ مَعاشًا، ولا تَقْرَبي فيَمَلَّكِ، ولا تَبعُدي فيَنساك، وعليك بالنَّظافةِ، ولا يرى منك إلَّا حَسَنًا، ولا يشَمَّ إلَّا طَيِّبًا، ولا يَسمَعْ إلَّا ما يَرضى، ولا تُفشي سِرَّه، فتَسقُطي من عَينِه”.

صدقت الأعرابية إذ جمعت في نصيحتها لابنتها تزكية النفس ونظافة البدن، فكانت النظافة طريقاً لكسب القلوب، وتقوية حبال الود، وسبيل لرضا الرب؛ وفي هذا البحث سنتناول مفهوم النظافة، وصورها في الإسلام، وأهميتها في حياة المجتمع المسلم.

جدول المحتويات

مفهوم النظافة

النَّظافةُ لُغةً

النَّظافةُ: مصدَرُ نَظُف، يقالُ: نَظُف الشَّيءُ يَنظُفُ نظافةً: نَقِي من الوَسَخِ والدَّنَسِ، فهو نظيفٌ.

فالنَّظافةُ: النَّقاوةُ. والتَّنظيفُ: مصدَرُ نَظَّف يُنَظِّف، والتَّنظُّفُ: تكَلُّفُ النَّظافةِ.

النَّظافةُ اصطِلاحًا

النَّظافةُ: هي النَّقاءُ من الدَّنَسِ والأوساخِ وكُلِّ مُستقذَرٍ، سواءٌ في البَدَنِ أو الثِّيابِ، أو المكانِ أو البيئةِ المحيطةِ، والحفاظُ على حُسنِ الهيئةِ وجمالِ المنظَرِ وطِيبِ الرَّائحةِ.

الفرق بين النظافة والطهارة

النظافة في الإسلام

من أدقّ ما كُتب في تحديد الفرق بينهما أنّ مفهومَ النَّظافةِ أشملُ من مفهومِ الطَّهارةِ وأوسَعُ؛ لأنَّه يُطلَقُ على مطلَقِ النَّقاوةِ وإزالةِ الوَسَخِ والقَذَرِ دونَ التَّقيُّدِ بغَسلِ عُضوٍ مخصوصٍ بصفةٍ مخصوصةٍ، وتفتَرِقُ الطَّهارةُ عن النَّظافةِ في المعنى الاصطلاحيِّ بأنَّ المتيمِّمَ وإن لم يُزِلِ النَّجاسةَ إزالةً حِسِّيَّةً يعتَبَرُ مُتطَهِّرًا، وإن لم يكُنْ متنَظِّفًا، كذلك تقترِنُ الطَّهارةُ بنيَّةٍ مخصوصةٍ، ولا يُشتَرَطُ في النَّظافةِ ذلك  .

وقصَرَ أبو هلالٍ العَسكريُّ النَّظافةَ على المعنى الحِسِّيِّ فقط، فقال: “الطَّهارةُ تكونُ في الخِلقةِ والمعاني؛ لأنَّها تقتضي منافاةَ العيبِ؛ يُقالُ: فلانٌ طاهِرُ الأخلاقِ، وتقولُ: المُؤمِنُ طاهِرٌ مُطَهَّرٌ، يعني أنَّه جامِعٌ للخِصالِ المحمودةِ، والكافِرُ خبيثٌ؛ لأنَّه خلافُ المُؤمِنِ، وتقولُ: هو طاهِرُ الثَّوبِ والجسَدِ، والنَّظافةُ لا تكونُ إلَّا في الخَلْقِ واللِّباسِ، وهي تفيدُ مُنافاةَ الدَّنَسِ، ولا تستعمَلُ في المعاني، وتقولُ: هو نظيفُ الصُّورةِ أي: حَسَنُها، ونظيفُ الثَّوبِ والجَسَدِ، ولا تقولُ: نظيفُ الخُلُقِ”.

أهمية النظافة

إنّ النظافة من القيم الكبرى التي أكدها الإسلام، وركيزة أساسية تقوم عليها العبادات، ولقد نالت هذه القيمة الخلقية العظيمة اهتمام الدين الحنيف فحضّ عليها، وكانت الأساس الذي تقوم به العبادة والشرط الذي لابدّ من تحقيقه قبل الشروع بأهم العبادات ألا وهي الصلاة، وهي من الأخلاق الفاضلة التي تعزز الترابط الاجتماعي واللقاءات التي تقوم بالمساجد ودور العلم والمؤسسات والمنظمات…، وكم فرّق إهمالها من اجتماعات حميمة، وباعد تركها من لقاءات صديقة سواء كان الإهمال من جهة الأشخاص أو المكان الذي تعقد فيه !! فلا تقل نظافة المكان عن نظافة من يحل بالمكان.

 وقد وهم من ظن أن إهمال النظافة من الزهد والبذاذة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد الزهاد كان من أنظف الناس ثوباً، وأطيبهم ريحاً، وأكملهم حالاً، وأجملهم هيئة، وأطهرهم فماً، وكان شديد العناية بنظافته الشخصية، فليس للزهد علاقة مطلقاً بإهمال النفس وترك الهيئة والتعرض للرائحة الكريهة.

وقد سأل رجل النبيو -صلى الله عليه وسلم-: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: “إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ”.

آيات وأحاديث عن النظافة

نذكر في هذا الباب صحيح ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “الطهور شطر الإيمان”، وهذا الحديث الشريف يشير إلى مكانة الطهور في الإسلام، فالإيمان الحقيقي يشمل طهارةَ الظاهر وطهارة الباطن، والوضوء يطَّهر الظاهر.. وعلى هذا يكون شطرَ الإيمان، وكذلك الطهارة شرط لأهم العبادات وهي الصلاة، ففيها تزال الأوساخ عن البدن وتخرج الخطايا والذنوب مع ماء الوضوء ،ويتوجه المؤمن إلى صلاته وهو نظيف نشيط، فيجد فيها انشراح الصدر، و نشاط البدن، وزوال الهم، ومحو  السيئات.

وكما أسلفنا أن الصلاة -وهي أهم العبادات- لا تقوم إلا بتحقيق شرطها ألا وهو الوضوء،

فقال تعالى مبيناً كيفيته:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]

وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم مادحًا أمته: “إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَل”. متفق عليه، واللفظ لمسلم.

ومما ورد في السنة من ذلك

أن الوضوء يمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات؛ فعن أَبي هريرةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: “أَلا أَدُلُّكُمْ عَلى مَا يمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلى يَا رسولَ اللَّهِ. قَالَ: إِسْباغُ الْوُضُوءِ عَلى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخطى إِلى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بعْد الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ الرِّباطُ، فَذلكُمُ الرِّباطُ”. رواه مسلم

ونالت قضية تنظيف البدن من الأدران والأوساخ أهمية كبيرة فحث الأسلام على الاغتسال وخاصةً غسل يوم الجمعة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم” وحث على التطيب والتزين عند الخروج إلى المسجد قال تعالى: {يَٰبَنِىٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍۢ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلَا تُسْرِفُوٓاْ ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ} الأعراف٣١

يقول السعدي في تفسير معنى الزينة: “استروا عوراتكم عند الصلاة كلها، فرضها ونفلها، فإن سترها زينة للبدن، كما أن كشفها يدع البدن قبيحاً مشوهاً. ويحتمل أن المراد بالزينة هنا ما فوق ذلك من اللباس النظيف الحسن، ففي هذا الأمر بستر العورة في الصلاة، وباستعمال التجميل فيها ونظافة السترة من الأدناس والأنجاس”، ونهى الإسلام عند إتيان المساجد عن أكل الثوم والبصل وما أشبهه من الأطعمة التي تخرج رائحة كريهة لئلا تكون سبباً لتنفير الناس من الجماعات؛ فقد روى جابر بن عبد الله -كما جاء في صحيح مسلم- قوله: نهَى رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- عن أكْلِ البَصَلِ والْكُرَّاثِ، فَغَلَبَتْنا الحاجَةُ، فأكَلْنا مِنْها، فقالَ: مَن أكَلَ مِن هذِه الشَّجَرَةِ المُنْتِنَةِ فلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنا، فإنَّ المَلائِكَةَ تَأَذَّى ممَّا يَتَأَذَّى منه الإنْسُ.

وذكرت أحاديث رسول الله سُنَن الفِطرةِ التي تَعتَني بنَظافةِ بدن الإنسانِ ،فقد جاء في صَحيحِ مُسلمٍ عن عائشةَ أُمِّ المُؤمِنينَ- رضِيَ اللهُ عنها- عنِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: «عَشْرٌ مِن الفِطْرةِ: قَصُّ الشارِبِ، وإعْفاءُ اللِّحْيةِ، والسِّواكُ، واستِنشاقُ الماءِ، وقَصُّ الأظْفارِ، وغَسْلُ البَراجِمِ، ونَتْفُ الإبْطِ، وحَلقُ العانةِ، وانتِقاصُ الماءِ». قال زَكَريَّا: قال مُصعَبٌ -أحدُ رُواةِ الحديثِ-: ونَسيتُ العاشِرةَ إلَّا أنْ تَكُونَ المَضمَضةَ.

وكذلك دعا الدين الحنيف إلى تنظيف الثياب، قال تعالى في سورة المدثر: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّر}، وإلى إتيان النساء وقت الطهر واعتزالهن وقت المحيض:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين}.

وجعل الله المطهرات أزواج المؤمنين في الجنة، قال تعالى: { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَامِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} سورة البقرة

أنواع النظافة

تشمل النظافة الأقسام التالية:

النظافة الشخصية

 وهي نظافة البدن من الأوساخ والقاذورات؛ فحث الإسلام على الاغتسال والوضوء وبها تحصل الطهارة،وكذلك دعا إلى استخدام السواك لتنظيف الأسنان، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه:

“لولا أن أشُقَّ على أمتي لأمرْتُهم بالسواكِ مع كلِّ وضوءٍ”.

ويستحب تسريح الشعر ودهنه؛ لحديث أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ”. رواه أبو داود (3632) وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود

قوله: ” فليكرمه” “أي: فليزينه ولينظفه بالغسل والتدهين والترجيل ولا يتركه متفرقاً، فإن النظافة وحسن المنظر محبوب…”. انتهى من حاشية (عون المعبود) (9/1183)

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ أَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “فَرَأَى رَجُلًا ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ: أَمَا يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ” رواه أحمد (14321) وأبو داود (3540) والنسائي(5141) وصححه الشيخ الألباني رحمه الله

نظافة الطعام

وكما حث الإسلام على اختيار الطعام الحلال الزكيّ حث على سلامة الطعام والشراب ونظافته؛ لذا جاء الأمر بتغطية الأواني في قول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: “غَطُّوا الْإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، وَأَغْلِقُوا الْبَابَ، وَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَحُلُّ سِقَاءً، وَلَا يَفْتَحُ بَابًا، وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا أَنْ يَعْرُضَ عَلَى إِنَائِهِ عُودًا وَيَذْكُرَ اسْمَ اللهِ فَلْيَفْعَلْ، فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ”. رواه الإمام مسلم في (الصحيح)

ونهى النبي عن التنفس في الإناء،  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء”.

 زاد ابن أبي شيبة من وجه آخر عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه النهي عن النفخ في الإناء ، وله شاهد من حديث ابن عباس عند أبي داود والترمذي “أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يتنفس في الإناء، وأن ينفخ فيه” لأنه ربما حصل له تغير من النفس إما لكون المتنفس كان متغير الفم بمأكول مثلاً، أو لبعد عهده بالسواك والمضمضة، أو لأن النفس يصعد ببخار المعدة، والنفخ في هذه الأحوال كلها أشد من التنفس.

وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم: “نَهَى أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ”. رواه البخاري (5628) و (5629) من حديث أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم.

و”السقاء” هو: الإناء الذي يوضع فيه الماء ويكون له فم يشرب منه ، كالقربة.

وقد ذكر العلماء رحمهم الله عدة علل لهذا النهي:

أ- أن القربة لا يظهر ما بداخلها، فقد يكون بداخلها حشرة أو حية فتؤذيه؛ كما روي أن رجلاً شرب من في السقاء فخرجت حية.

ب- أن الذي يشرب من في السقاء قد يغلبه الماء، فينصب أكثر مما يحتاج إليه، فيشرق به أو تبتل ثيابه.

ج- أن النهي عن ذلك حتى لا يصيب ريقه فم السقاء أو يختلط بالماء الموجود بداخله، أو يصيب نَفَسُه فم السقاء، فيتقذره غيره، وقد يكون ذلك سبباً لانتقال الأمراض.

نظافة البيت

حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على تنظيف أفنية البيوت وتطهيرها، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: طَهِّرُوا أَفْنِيَتَكُمْ، فَإِنَّ الْيَهُودَ لَا تُطَهِّرُ أَفْنِيَتَهَا. أخرجه الطبراني في (المعجم الأوسط) (4057)، وحسنه الشيخ الألباني في (السلسلة الصحيحة)

نظافة المسجد

حث الإسلام على تنظيف بيوت الله، وصيانتها من الأوساخ، ففيها يذكر اسم الله كثيراً ويحضرها الناس لصلاة الجماعة وقراءة القرآن والقيام والاعتكاف… فمن أولى الأولويات إبقاؤها نظيفةً مطهرةً مطيبةً من كل ما يؤذي الناس، وينفرهم من الاجتماع فيها، وفي صحيح البخاري ورد أن رَجُلًا أسْوَدَ أوِ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كانَ يَقُمُّ المَسْجِدَ فَمَاتَ، فَسَأَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنْه، فَقالوا: مَاتَ، قالَ: أفلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي به دُلُّونِي علَى قَبْرِهِ – أوْ قالَ قَبْرِهَا – فأتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا؛ وفي هذا الحديث دلالة على فضل تنظيف المساجد؛ وذكر ابن مفلح في الآداب الشرعية “يسن أن يصان كل مسجد عن كل وسخ وقذر وقذاة ومخاط وبصاق فإن بدره فيه أخذه بثوبه…”.

تنظيف الطرق

والتطهر والتنظف يمتد أيضاً إلى الطرقات ومجامع الناس؛ قال تعالى:<span class=”aya”>{وَطَهّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْقَائِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ}</span>(الحج:26)

وقال صلى الله عليه وسلم: “وتميط الأذى عن الطريق صدقة”. (متفق عليه)

حتى أصبح ذلك عادة مطردة تعلمها الصحابة- رضوان الله عليهم- ونقلوها، حتى إن محمد بن سيرين يقول: لَمَّا قَدِمَ أبو موسى الْأَشْعَرِيُّ الْبَصْرَةَ، قَالَ لَهُمْ: “إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ لِأُعَلِّمَكُمْ سُنَّتَكُمْ ، وَإِنْظَافَكُمْ طُرُقَكُمْ”. أخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه) (25923) بإسناد صحيح .

نظافة النبي صلى الله عليه وسلم

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- من أنظف الناس وأطهرهم وأطيبهم ريحاً وأجملهم هيئة وأحسنهم مظهراً،

ويظهر ذلك في اهتمامه بنظافةِ أعضائِه، وتخصيصُ يَدِه اليُمنى لوُضوئِه ومَطعَمِه، واليُسرى لخلائِه:

عن عائشةَ -رَضِيَ اللهُ عنها- قالت: (كانت يدُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اليُسرى لخَلائِه، وما كان من أذًى، وكانت اليُمنى لوُضوئِه ولمَطعَمِه)؛ وكذلك اهتمامُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بطِيبِ رائحةِ فَمِه الشَّريفِ واستعمالُه للسِّواكِ حتَّى آخِرِ لحظاتِ عُمُرِه المبارَكِ:

عن حُذَيفةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا قام من اللَّيلِ يَشوصُ فاه بالسِّواكِ).

وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلم -لا يرد الطيب ويحبه وتفوح منه رائحة زكية تفوق المسك والعنبر.

فعن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (ما شَمِمتُ عَنبرًا قَطُّ ولا مِسكًا ولا شيئًا أطيَبَ من ريحِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)  .

قال النَّوويُّ: (في هذه الأحاديثِ بيانُ طِيبِ ريحِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو مما أكرَمَه اللهُ تعالى، قال العُلَماءُ: كانت هذه الرِّيحُ الطَّيِّبةُ صِفتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإن لم يمَسَّ طِيبًا، ومع هذا فكان يستعمِلُ الطِّيبَ في كثيرٍ من الأوقاتِ؛ مُبالغةً في طِيبِ ريحِه لملاقاةِ الملائكةِ، وأخذِ الوحيِ الكريمِ، ومجالسةِ المُسلِمين) 

وكان يُرجِّل شعره الشريف من وقت لآخر، وكان يرجله بنفسه، وربما رجلته له إحدى زوجاته.

جاء في زاد المعاد لابن القيم عن أنس متحدثاً عن هديه- صلى الله عليه وسلم -في إكرام شعره: وكان يحب الترجل، وكان يرجل نفسه تارة، وترجله عائشة تارة.

وكان يَكْتَحِلُ في عَيْنِهِ اليُمْنَى ثلاثَ مراتٍ و اليُسْرَى مَرَّتَيْنِ وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: “خير ما اكتحلتُم به الإثمِدِ فإنه يجلو البصرَ وينبِتُ الشَّعرَ” . قال عبد الله بن عباس: “وكان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- له مَكحُلةٌ يكتحل بها عند النومِ ثلاثًا في كلِّ عَيْنٍ”

 المصدر: سنن الترمذي /خلاصة حكم المحدث: حسن غريب

صور من النظافة عند الصحابة والسلف والعلماء

ابن عباس:كان ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما حريص على التَّزيُّنِ لامرأتِه:

فعنه قال: (إنِّي أحِبُّ أن أتزيَّنَ للمرأةِ كما أحِبُّ أن تتزيَّنَ لي المرأةُ؛ لأنَّ اللهَ تعالى يقولُ: وَلهُنَّ مِثْلُ الَّذِي علَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ.

ابن عمر: عن نافعٍ قال: (كان ابنُ عُمَرَ يغتَسِلُ للجُمُعةِ كاغتسالِه من الجنابةِ، ويَلبَسُ من أحسَنِ ثيابِه، ثمَّ يخرُجُ حتى يأتيَ المصَلَّى) أخرجه ابنُ أبي شيبة (5593)

أبو حنيفة: عن عُمَرَ بنِ حمَّادِ بنِ أبي حنيفةَ، أنَّ أبا حنيفةَ كان طُوالًا تعلوه سُمرةٌ، وكان لبَّاسًا حسَنَ الهيئةِ، كثيرَ التَّعطُّرِ، يُعرَفُ بريحِ الطِّيبِ إذا أقبَلَ وإذا خرج من منزِلِه قبلَ أن تراه (تاريخ بغداد) للخطيب البغدادي

مالك بن أنس:كان مالِكُ بنُ أنَسٍ لا يُحَدِّثُ بحديثِ رَسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- إلَّا على طهارةٍ؛ عن ابنِ أبي أُوَيسٍ قال: كان مالِكٌ إذا أراد أن يحَدِّثَ توضَّأَ وجلَس على فراشِه وسَرَّح لحيتَه وتمكَّنَ في الجلوسِ بوقارٍ وهيبةٍ، ثمَّ حَدَّث، فقيل له في ذلك، فقال: (أحِبُّ أن أعَظِّمَ حديثَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا أُحَدِّثَ به إلَّا على طهارةٍ متَمَكِّنًا.(حلية الأولياء) لأبي نعيم.

 وكان مالِكُ بنُ أنَسٍ كثير الاهتمام بنظافةِ ثيابِه:

قال ابنُ أبي أُوَيسٍ: “ما رأيتُ في ثوبِ مالِكٍ حِبرًا قَطُّ”.(ترتيب المدارك)للقاضي عياض.

أحمد بن حنبل: عن الميمونيِّ قال: “ما أعلَمُ أنِّي رأيتُ أحدًا أنظَفَ ثَوبًا، ولا أشَدَّ تعاهُدًا لنفسِه في شاربِه وشَعرِ رأسِه وشَعرِ بَدَنِه، ولا أنقى ثوبًا وشِدَّةَ بياضٍ، من أحمَدَ بنِ حَنبَلٍ”. (مناقب الإمام أحمد) لابن الجوزيابنُ حَجَرٍ العَسْقلانيُّ: كان إمامَ زمانِه، وحافِظَ وَقتِه وأوانِه، وعِندَه من الذَّكاءِ والفِطنةِ، وصفاءِ القريحةِ، ما تحيرُ فيه الأبصارُ، وكان شَكِلًا حَسَنًا، مهابًا، ضَوِيَّ الوجهِ، حليمًا، نظيفَ اللِّسانِ، نَكِتًا، طَيِّبَ الرَّائحةِ.

النظافة المطلوبة من المسلم

لايوجد دين أو مذهب يحث أهله على النظافة كما جاء في ديننا المبارك، فقد جاء بمنهج متكامل وهدي شامل لجميع نواحي الحياة على الصعيد الفردي والاجتماعي؛ والنظافة المطلوبة من المسلم:

١ـ نظافة البدن: إذ شرع الاغتسال المسنون في أي وقت، وأوجب الغسل في حالات أخرى كغسل الجنابة والغسل الأسبوعي في يوم الجمعة

لقوله -صلى الله عليه وسلم-: “حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ”. (رواه البخاري ومسلم)

٢ـ الوضوء شرط لكل صلاة، وهو يتضمن غسل الأعضاء الظاهرة كما أسلفنا سابقاً.

٣ـ نظافة الفم والأسنان: فقد حث الإسلام على استعمال السواك؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لولا أن أشق على الناس لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة”. ويُستحب استخدام السواك في جميع الأوقات، ويتأكد استخدامه في الأوقات التالية:

(١) عند الوضوء، (٢) عند الصلاة، (٣) عند قراءة القرآن، (٤) عند دخول البيت، (٥) عند إلقاء دروس العلم، (٦) عند خُطبة الجمعة، (٧) عند تغيُّر رائحة الفم (٨) عند النوم وعند الاستيقاظ و إذا لم يتمكن المسلم من استخدام السواك اقتداءً بسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، يمكنه استخدام فرشاة الأسنان، لتنظيف أسنانه، عدة مرات كل يوم.

ونهى الإسلام عن أكل الثوم والبصل عند إتيان المساجد وحث على استعمال الطيب.

٤ـ المظهر الخارجي الجميل للمسلم واعتماده على ارتداء الملابس الجميلة النظيفة والامتشاط؛ فلقد وجه بذلك ربنا جل وعلا في كتابه بقوله:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ.} (الأعراف:31)

والرسول- صلى الله عليه وسلم- أمر بالعناية بجمال المظهر وحسن الهيئة في الجسم والملبس والمركب إذ قال :(إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ؛ فَأَحْسِنُوا لِبَاسَكُمْ، وَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ؛ حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ) (رواه أحمد وغيره)، وقال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ كَانَ لَهُ شَعرٌ فَلْيُكْرِمْهُ”. (رواه أبو داود)

٥ـ نظافة المكان كالبيوت والطرقات والمساجد ومجامع الناس كما تقدم ذكره.

وهكذا نجد من خلال ما سبق كيف حث الإسلام على النظافة والطهارة، ورغّب فيها، وأولاها اهتماماً كبيراً، فكانت جزءاً من الحياة الإسلامية، وقيمة كبرى أكّد عليها؛ وصدق ابنُ حَجَرٍ حين قال: “الإنسانُ إذا بدا في الهيئةِ الجميلةِ كان أدعى لانبساطِ النَّفسِ إليه، فيُقبَلُ قولُه، ويُحمَدُ رأيُه، والعَكسُ بالعَكسِ” .

أسأل الله أن يطهرنا ظاهراً وباطناً، ويزكي نفوسنا بحسن النوايا وسلامة الصدور إلى أن نلقاه وهو راض عنا.

الأسئلة الشائعة عن النظافة في الإسلام

هل النظافة سنة أم فرض؟

– التطهر لأداء العبادات واجب شرعاً، وشرط لصحة الصلاة؛ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم :”لاتقبل صلاة بغير طهور”، وقال” الطهور شطر الإيمان “وهناك أمور تتعلق بالنظافة الشخصية كالسواك والطيب تكمُل بها النظافة، حث عليها الإسلام ورغّب بها وهي من السنن.

ما النظافة المطلوبة من المسلم؟

– نظافة البدن واللباس والمكان الذي يصلي فيه والمسجد الذي تقام فيه الجماعات.

لماذا حث الدين الإسلامي على النظافة؟

– لأنه دين حياة، لذلك اهتم بحياة ونظافة الإنسان، ونظر إلى الإنسان ببعديه الروحي والجسدي، وشدد على أهمية طهارة كل منهما، والنظافة من العوامل الأساسية في المحافظة على الصحة التي هي من أكبر نعم الله تعالى على الإنسان.

كيف كانت نظافة الرسول صلى الله عليه وسلم؟

– كان النبي صلى الله عليه وسلم من أنظف الناس وأطهرهم وأطيبهم ريحاً وأجملهم هيئة وأحسنهم مظهراً

هل تجوز الصلاة بدون النظافة الشخصية؟

– عدم النظافة الذي يصيب البدن ولا ينجسه ليس بحرام، كوجود العرق على الجسم، واتساخ الثوب بغير النجاسات كبقع الزيت أو الطين… لا ينقض الصلاة، ولكن النظافة في ذلك صفة مرغوبة حث عليها الإسلام.

ما الفرق بين النظافة والطهارة؟

– مفهوم النَّظافةِ أشملُ من مفهومِ الطَّهارةِ وأوسَعُ؛ لأنَّه يُطلَقُ على مطلَقِ النَّقاوةِ وإزالةِ الوَسَخِ والقَذَرِ دونَ التَّقيُّدِ بغَسلِ عُضوٍ مخصوصٍ بصفةٍ مخصوصةٍ، وتفتَرِقُ الطَّهارةُ عن النَّظافةِ في المعنى الاصطلاحيِّ بأنَّ المتيمِّمَ وإن لم يُزِلِ النَّجاسةَ إزالةً حِسِّيَّةً يعتَبَرُ مُتطَهِّرًا، وإن لم يكُنْ متنَظِّفًا، كذلك تقترِنُ الطَّهارةُ بنيَّةٍ مخصوصةٍ، ولا يُشتَرَطُ في النَّظافةِ ذلك.

ما أجمل ما قيل في النظافة؟

– قال محمَّد رشيد رضا: “الإنسانُ مُركَّبٌ من جسَدٍ ونفسٍ، وكمالُه إنما يكونُ بنظافةِ بَدَنِه، وتزكيةِ نفسِه؛ فالطُّهورُ الحِسِّيُّ هو الشَّطرُ الأوَّلُ الخاصُّ بالجَسَدِ، وتزكيةُ النَّفسِ بسائِرِ العباداتِ هو الشَّطرُ الثَّاني، وبكلتَيهما يَكمُلُ الإيمانُ بالأعمالِ المترتِّبةِ عليه”.

الكاتبة: آ. هيفاء العلي

شارك المقال مع اصدقـائك: