(دمشق) منذ فجر التاريخ حاضرة الشرق
دمشق أو الفيحاء أو جِلّق، هكذا أُطلق عليها في العصور الإسلامية، المدينة التي أسرت العقول، وأخذت بمجامع القلوب، المدينة التي تسطّر حكاية عشق ساكنيها الذين عشقوها كما لم يعشق مواطن وطنه، وارتبطوا بها ارتباط الوليد بثدي الوالدة، لؤلؤة البحار الفريدة، ودوحة الشام الغنّاء؛ ذكرها الأدباء والعلماء في كثير من مؤلفاتهم قديماً وحديثاً، وتغنّى بمحاسنها وجمال طبيعتها الكثير من الشعراء، وأطرى على محاسنها كلّ من قصدها، وتأوّه شوقاً وحنيناً إليها كلّ من ابتعد عنها، قال خليل مردم بك:
أدمشقُ ما للحسن لا يعدوك
حتى خُصصتِ به بغير شريك
اشتهرت دمشق بالخير الوفير والظلّ الظليل، وبكرم أطياف أهلها، وحسن ضيافتهم؛ وكانت على مرّ الزمان وجهة الأدباء وملهمة الشعراء، ومعرض الفنّ والثقافة، ومتحف التاريخ.
عاصمة سوريا وحاضرتها منذ انتهاء الحكم العثماني، وهي إحدى أقدم المدن المأهولة والعاصمة الأقدم في العالم.
تقع على هضبة في الجهة الغربية من حوض دمشق في حضن جبل قاسيون. وقد ذكر الرسول_ صلّى الله عليه وسلّم_ بلاد الشام في الكثير من الأحاديث الشريفة، وخصّ مدينة دمشق في بعضها بالخير، فقال: ” ستُفتح عليكم الشام، فإذا خُيِّرْتم المنازل فيها فعليكم بمدينة يُقال لها دمشق؛ فإنّها معقل المسلمين من الملاحم، وفسطاطها منها بأرضٍ يُقال لها: الغوطة”. أخرجه أحمد ( 17470 ).
تاريخ دمشق ونشأتها
تعود نشأتها إلى آلاف السنين قبل الميلاد، فأوّل من استوطنها هم الآراميّون في بلاد الشام، إذ أسسوا عدة ممالك كانت دمشق إحداها، ويعود لتلك الفترة اكتساب دمشق لأقدم أشكال اسمها الحالي(ديماشقو)، وكانت دمشق قد اكتسبت أهميّةً كبيرة بسبب موقعها الإستراتيجي على طريق التجارة القديم المعروف باسم(طريق الحرير) الذي يربط بين الشرق والغرب، ممّا ساهم في ازدهارها عبر العصور.
وقد تعاقبت عليها الكثير من الإمبراطوريّات على مرّ القرون مثل الآشوريين والبابلييين والفرس والإغريق والرومان، كان ذلك قبل ميلاد السيد المسيح، ومع غزو الإسكندر الأكبر عام ٣٣٣ قبل الميلاد أُنشئت فيها مستوطنة يونانية تعايشت مع الأحياء الآرامية الموجودة، وفي عام ٦٦ قبل الميلاد خضعت دمشق للحكم الروماني، ولكنها كانت مستقلة ذاتياً عن روما وتدير شؤونها بنفسها، وامتازت المدينة في هذا العهد بالتعددية الدينية والحريات العقائدية وتواجد اليهود فيها بكثرة بطقوسهم ومعابدهم، وأولئك تحولوا فيما بعد إلى المسيحية؛
وفي عهد الإمبراطور (هادريان) مع بداية القرن الثاني الميلادي ازدهرت دمشق وأصبحت عاصمة ولاية سوريا، وشُيَّدَ فيها معبد (جوبيتر) الضخم والذي مازال بعض آثاره موجوداً إلى يومنا الحاضر (نهاية سوق الحميدية مع مدخل المسجد الأموي الغربي حيث الأعمدة المقنطرة). وعندما اعتنقت الدولة الرومانية الدين المسيحي عام ٣٩١ لميلاد السيد المسيح تمّ تحويل معبد جوبيتر إلى كنيسة (يوحنا المعمدان) التي حولها الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بعد ذلك إلى مسجد عُرف بمسجد بني أمية الكبير. وقد تم الفتح الإسلاميّ لدمشق في عهد الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب _رضي الله عنه _من قبل جيوش المسلمين بقيادة الصجابي الجليل أبي عبيدة بن الجراح في السنة الثالثة عشرة للهجرة. وأصبحت عاصمة الخلافة الأموية (٤١ ـ ١٣٢ ﻫ / ٦٦٢ ـ ٧٥٠ م).
وهكذا بقيت المدينة أكثر من قرن من الزمان عاصمةً لأوسع إمبراطورية إسلامية امتدّت مما يُعرف بإسبانيا الآن إلى حدود الصين الحالية؛
وبعدها خضعت دمشق للخلافة العباسيّة التي كان مركزها بغداد، وكذلك خضعت لعدة دويلات مثل الدولة الفاطمية والسلاجقة، والأتابكة الذين تصدوا للهجمات الصليبية؛ وفي عهد الدولتين الزنكيّة والأيوبية ازدهرت دمشق وأصبحت مركزاً دينياً هامّاً، فقد تنافس الأمراء على بناء المدارس الدينية فيها؛ ثمّ خضعت لحكم المماليك وتعرضت في عهدهم للغزو المغولي المدمّر عام ١٢٦٠ م. وانتهى حكم المماليك في سوريا بعد معركة (مرج دابق)، حيث سيطر العثمانيون على المنطقة، وأصبحت سوريا ولاية عثمانية، وبقيت كذلك إلى أوائل القرن العشرين.
أهم الحضارات القديمة في سوريا
شهدت أرض سوريا الحالية عدداً من أقدم وأهمّ الحضارات في العالم، وقد دلّ على ذلك الاكتشافات الأثرية التي يعود بعضها إلى ثمانية آلاف عام قبل الميلاد. وحسب علماء الآثار أنّ أرض سوريا كانت أوّل محطة للاستيطان البشري، وأنّ أوائل الحضارات البشرية قد ظهرت على أرضها، ففيها اكتُشف المنجل الأول والمحراث الأول، مما يدلّ على تطور الزراعة المبكر فيها.
وكذلك فإنّ أول أبجدية مُكتشفة كانت في (مملكة أوغاريت) الواقعة بين سوريا وفلسطين، حيث عُثر على العديد من الألواح المكتوبة بنحو ثماني لغات مختلفة إحداها من أصل سامي، ولها أبجدية تتكون من ثلاثين حرفاً.
ومن الحضارات القديمة التي ظهرت في سوريا (مملكة إيبلا)قرب حلب، و(مملكة ماري) على نهر الفرات، وأوغاريت في رأس شمرا على الساحل السوري قرب اللاذقية.
أما الحضارات التي تولّدت منها المدن السورية الحالية فهي: الإمبراطورية الحثية والأموريون والآراميون والفينيقيون والآشوريون والبابليون؛ ثمّ الفترة الهلنستية زمن الإسكندر الأكبر، وبعدها خضعت سورية للإمبراطورية البيزنطية التي كانت آخر الحضارات قبل الفتح الإسلامي وازدهار حضارة المسلمين.
الكتب التي أُلّفت في تاريخ دمشق
تسابق الأدباء والكتّاب في كلّ الأزمنة والعهود على التصنيف والكتابة عن كلّ ما يهمّ للإنسان، ويسترعي انتباهه، ويحظى منه بفائدة؛ وكان لدمشق والحديث عنها نصيب كبير في ذلك، فقد قُدّمت الكثير من الكتب التي تناولت تاريخ دمشق في عصور متفاوتة، وسنذكر بعض هذه الكتب:
كتاب (تاريخ دمشق) لسهيل زكّار، واستخدم ابن قلنسي العنوان ذاته لكتابه عن دمشق، وكذلك فعل ابن أبي العجائز الأزدي؛ وبعنوان (تاريخ دمشق المنسي) قدّم سامي مروان مبيّض كتابه. كتاب (تاريخ دمشق وعلماؤها خلال الحكم المصري) قدّمه خالد بني هاني. كتاب (تاريخ دمشق في عهد السلطان عبد الحميد) قدّمته سهام محمد هنداوي. كتاب (تاريخ دمشق في العصر الفاطمي) قدّمه محمد حسين محاسنة. كتاب (ذَيل تاريخ دمشق) كاتبه غير محدّد. وكان من أهمّ الكتب وأوسعها في تاريخ دمشق هو كتاب (تاريخ دمشق) لابن عساكر، وهو عبارة عن ثمانين مجلّداً سنتحدّث عنه بشيءٍ من التفصيل لاحقاً. وعن جمال دمشق وسحرها قدّم محمّد كرد علي كتابه (دمشق مدينة السحر والشعر). وقدّم علي الطنطاوي كتاباً بعنوان (دمشق صورٌ من جمالها وعبرٌ من نضالها).
تاريخ دمشق لابن عساكر
لقد كان من الضروري أن نخصّ كتاب ابن عساكر عن دمشق بشيءٍ من التفصيل لأنّه أضخم وأعظم كتابٍ قديم صُنّفَ في دمشق وتاريخها وترجمة أعلامها، كتبه الإمام العلامة محدّث الشام الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعي المعروف بابن عساكر الدمشقي الشافعي. (٤٩٩ ﻫ ـ ٥٧١ ﻫ )، والكتاب من أوسع كتب التاريخ مادة وتفصيلاً، وهو عبارة عن عدد كبير من المجلدات الضخمة، قال في تقييمه د. صلاح الدين المنجد: “لم تشهد دمشق في تاريخها محدّثاً فاق الحافظَ في الحديث، ولم تعرف في تاريخها ثمانين مجلّدةً غيره، فيكفيها فخراً أنّها أوتيت أوسع كتاب تاريخيٍّ عن مدينةٍ إسلامية، كتبه مؤلف من أعظم العلماء في صدر الإسلام”.
أطلق ابن عساكر اسم (تاريخ دمشق) على كتابه الذي خصص في جزئه الأول عدة أبواب منها: باب في ذكر اشتقاق تسمية الشام عن العاملين في النقل والعارفين بأصول الكلام، وباب في تاريخ بناء مدينة دمشق، ومعرفة مَن بناها، وحكاية الأقوال في ذلك تسليماً لمَن حكاها، وباب في اختصاص الشام عن غيرها من البلدان بما عليها يُبسط من ملائكة الرحمن، وباب في دعاء النبي صلّى الله عليه وسلم للشام وأهلها وما يُرجى بدعائه من رفع السوء عن أهلها؛ والحديث يطول في ذلك؛ فقد استعرض الكاتب في أجزاء الكتاب الأولى تاريخ دمشق القديم، والأحداث الهامّة التي وقعت فيها وترجم للشخصيات الهامة التي عاشت في دمشق أو زارتها، وتحدث أيضاً عن الحياة الاجتماعية والأسرية في دمشق، وعن المساجد والأماكن التاريخية والدينية فيها.
والملاحظ أنّ الكاتب استفاض واسترسل واستوفى في الحديث عن دمشق وبلاد الشام، فمن يعرض للكتاب يرى أنّ ابن عساكر لم يخصّ دمشق ونواحيها فقط بل تعداها في الكلام، فكتب لبلاد الشام كُلّها، بل إنّ الكتاب يعرض لجميع بلاد الإسلام وعلى هذا فإنّ تسمية الكتاب قاصرة عن الإحاطة بمضمونه الشامل.
قال د. شكري فيصل بهذا الخصوص: “إنّ المؤلف لا يقدم لنا تاريخاً دمشقياً ولا تاريخاً شامياً فحسب، وإنّما يقدم تاريخاً حضارياً للبلاد التي انتشر فيها الإسلام وسادت فيها العربية وانساحت فيها مهاجرة العرب بين أقصى الشرق فيما وراء النهر وبين أطراف المحيط “. وتأتي أهميّة الكتاب من كونه مصدراً علمياً يعرض لتطور الثقافة الإسلامية والعلمية التي سبقت تأليف الكتاب، علاوة على أنّه مصدر تاريخي هام وثّق لتاريخ دمشق عبر العصور.
أجمل ماقيل في دمشق
من أجمل ماقيل في دمشق وبلاد الشام ماجاء عن النبي_ صلّى الله عليه وسلم_ من أحاديث شريفة تثلج القلوب، لأنّ تلك الأحاديث شهادة إلهية {ومايَنطقُ عَنِ الهَوى إنْ هوَ إلّا وَحيٌ يُوحَى}.
جاء في الحديث الشريف “يا طوبى للشام يا طوبى للشام يا طوبى للشام، قالوا يا رسول الله وبم ذلك؟ قال: تلك ملائكة الله باسطوا أجنحتها على الشام” أخرجه أحمد (21606).
وقد ورد ما يقارب من عشرين حديثاً صحيحاً في فضائل الشام وأهلها، وقد أوصى الرسول صلّى الله عليه وسلم بسُكنى الشام، فقال: “عليك بالشام فإنّها خيرة الله في أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده”. ورد هذا الحديث في فضائل الشام لابن رجب(181/3).
وقال ياقوت الحموي عن الشام: “ماوصفت الجنة بشيء إلا وفي دمشق مثله”.
وقد قيل في دمشق الكثير الكثير من روائع الشعر ومنه ماقاله البحتري:
أمّا دمشق فقد أبدت محاسنها
وقد وفّى لك مطريها بما وعدا
الله ولّاك عن علمٍ خلافتَه
والله أعطاك مالم يعطه أحدا
كأنّما القيظ ولّى بعد جيئته
أو الربيع دنا من بعد ما بَعُدا
وهذا نزار قباني يجسّد صدق الانتماء والاعجاب المذهل والارتباط الوطيد بوطنه ومسقط رأسه دمشق، فيقول:
كلّ حروف أبجديّتي مُقتَلعة حجراً حجراً من بيوت دمشق، وأسوار بساتينها، وفسيفساء جوامعها.
قصائدي كلّها مُعمّرة على الطراز الشاميّ. كلّ ألِفٍ رسمتها على الورق هي مئذنة دمشقية.
كلّ ضمّةٍ مستديرة هي قبّة من قباب الشام. كلّ حاءٍ هي حمامة بيضاء في صحن الجامع الأموي.
كلَ عينٍ هي عين ماء. كلّ شينٍ هي شجرة مشمش مزهرة.
هكذا تستوطن دمشق كتاباتي، وتشكّل جغرافيتها جزءاً من جغرافية أدبي.
أهم معالم مدينة دمشق التاريخية
يوجد في دمشق الكثير من المعالم الأثرية والتاريخية وأهمّها على الإطلاق هو الجامع الأمويّ الكبير، وهو صرح حضاريّ عظيم بناه الخليفة الأمويّ الوليد بن عبد الملك، ويوجد فيه مقام النبي يحيى عليه السلام، وغيره من المقامات، وقد اهتمّ الخليفة بتزيينه وحشد لهذه المهمّة أمهر الصنّاع الذين برعوا في تزيينه بالفسيفساء الملوّنة التي اشتهرت في بلاد الشام خاصّة، مما أبهر الزائرين للمسجد في كلّ زمان، وقد ظلّ هذا المسجد مقرّاً للعلماء ومركزاً لتلقّي العلوم الإسلامية حتى منتصف القرن العشرين تقريباً، وعلى مسافة غير بعيدة من الجامع الأمويّ توجد قلعة دمشق،
وهي حصن منيع أُنشئ في العصور الوسطى في العهد السلجوقي على يد أميرٍ تركمانيّ، وقد أعيد بناؤها في العهد الأيوبيّ، حيث أشرف صلاح الدين الأيوبيّ على إعادة بنائها مع أبنائه، وأُطلق عليها (القلعة المنصورة)، فظهرت بأسوارها المنيعة وأبراجها الشاهقة مجسدةً فن العمارة العسكريّ الإسلاميّ بأجمل تفاصيله، وقد استخدمت بعد ذلك كمقرٍّ للشرطة وسجنٍ للمدينة إلى عهد قريب، حيث تمّ إخلاؤها ونُقل إليها المتحف الحربي.
وما حول الجامع الأمويّ وقريباً منه توجد دمشق القديمة بأسواقها التاريخيّة المشهورة بالصناعات اليدوية الدمشقية، وأهمّها (سوق الحميديّة) المغطّى الذي أُنشئ في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الأول، وسوق مدحت باشا، وسوق ساروجا الموجود في حيّ سارروجا القديم، وهو أول حيٍّ أُنشئ خارج أسوار المدينة القديمة.
وهناك أبواب دمشق السبعة التي أُنشئت في القرن الأول قبل الميلاد على السور المحيط بدمشق وذلك للدخول والخروج منها نظراً للأطماع الكبيرة فيها من قبل الغزاة المهاجمين، حيث أُحيطت دمشق بسورٍ جداريٍّ كبير وجُعل فيه هذه الأبواب التي لايمكن الوصول إلى داخل المدينة إلّا من خلالها، وكانت هذه الأبواب تُفتح وتُغلق حسب الحاجة والمقتضيات الأمنيّة.
وقد أطلق على كلّ باب اسم كوكب من الكواكب المعروفة آنذاك، ويُروى عن المؤرخين ومنهم ابن عساكر وصف هذه الأبواب السبعة وارتباطها بتلك الكواكب. وهذه الأبواب هي: باب شرقي وهو مرتبط بالشمس، وباب توما وهو مرتبط بكوكب الزهرة، وباب السلام مرتبط بالقمر، وباب الجابية مرتبط بالمريّخ، والباب الصغير مرتبط مع المشتري، وباب الفراديس مرتبط بعطارد، وباب كيسان مرتبط مع زُحل.
يقول ابن عساكر عن دمشق “بُنيت على الكواكب السبعة، وجُعل لها سبعة أبواب على كلّ باب صورة الكوكب”.
وهناك أيضاً العديد من المزارات الدينية الأثرية مثل مقام السيدة زينب، ومقام السيدة رقية بنت الحسين، ومقام صلاح الدين الأيوبي، وهناك مقام الشيخ محيي الدين بن عربي، صاحب الطريقة الصوفية الموجود في جامع الشيخ محيي الدين في منطقة الصالحية القديمة في دمشق.
وفي أعالي جبل قاسيون يوجد مقام جبل الأربعين، يقال إن قابيل قتل أخاه هابيل في هذه المكان؛ والتكية السليمانية، وجامع سيف الدين يلبغا وجامع السنانية، وذلك فضلاً على الكنائس القديمة التي تعكس الطابع التاريخي والديني لمدينة دمشق ومنها: الكنيسة المريمية، وكنيسة القدّيس حنانيا الرسول؛ الطريق المستقيم في قلب دمشق القديمة بناه الرومان طوله ١٥٧٠ متراً، وهو داخل السور قديماً يمتدّ من غرب المدينة إلى شرقها ويقطعها إلى قسمين، عرضه ٢٦ متراً.
وهناك أماكن تاريخية كقصر العظم، والمتحف الوطنيّ، والحمّامّات الدمشقية العريقة مثل حمّام الملك الظاهر، وحمّام الورد، وحمّام نور الدين الزنكي؛ وهناك مقبرة الباب الصغير التي يرقد فيها العديد من الصحابة_ رضي الله عنهم_ مثل أبي الدرداء الخزرجي الأنصاري وزوجته أمّ الدرداء_ رضي الله عنهما_ وبلال بن رباح مؤذّن الرسول _صلّى الله عليه وسلم _ وغيرهم.
أسماء دمشق
هناك العديد من الروايات المختلفة حول الأصل في تسمية دمشق، تقول إحدى الروايات: إنّها كلمة تدلّ على الإسراع، وفي رواية (دَمشَقَت) أي أسرعت، كون هذه المدينه تم بناؤها منذ فجر التاريخ فكانت سريعة الظهور؛ ورواية تقول: إنّ الاسم أصله آرامي، فقد أطلقوا عليها اسم (ديماشقوا)، وفي رواية أخرى يقال: إنّ الاسم من أصل آشوري، وهو بمعنى الأرض المسقيّة أو الأرض الزاهرة وذلك لموقعها في سهل خصب يرويه نهر بردى حيث تشكّلت الغوطة المشهورة بأشجارها المزهرة المثمرة.
ويقال: إنّها سمّيت (شام) نسبة إلى سام بن نوح عليه السلام.
وعلى مرّ العصور أُطلق على المدينة العديد من الأسماء والألقاب مثل: (ديمترياس) و(حصن جيرون) و(رأس بلاد آرام)؛ وقد لزمها الاسمان(شام ودمشق) في كلّ العصور، ومن أسمائها أيضاً (جنّة الأرض، وحصن الشام، وفسطاط المسلمين، وشامة الدنيا، ومدينة الياسمين، والغنّاء) وقد أطلق عليها العثمانيون اسم (شام شريف)، و أُطلق عليها أيضاً اسم (الفيحاء) بمعنى الروضة الواسعة، وكذلك اسم (جِلّق).
من علماء الشام في القرن العشرين
الشيخ محمد بن سعيد الحمزاوي الحسين _ رحمه الله_ نقيب السادة الأشراف
ترأّس جمعية الهداية الإسلامية، وشارك في تأسيس جمعية العلماء في دمشق، نال وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، وُلد وتوفّي في دمشق.
العالم الرباني والشيخ التقي النقي علي الدقر
الداعي إلى الله على بصيرة، بالحكمة والموعظة الحسنة، علامة الشام وواعظها وباعث نهضتها العلمية في النصف الأول من القرن العشرين، ووالد أحمد وعبد الغني الدقر تغمدهم الله بواسع رحمته، وقد وُلد الشيخ وتوفّي في دمشق.
الشيخ حسن حبنّكة
فقيه وخطيب سوري، اشتهر بجرأته في قول الحق، وهو رائد نهضة علمية ودعوية في دمشق عموماً وفي حيّ الميدان خصوصاً، ولد وتوفّي في دمشق.
الشيخ بدر الدين الحسني
علّامة سوري من أصل مغربي، اشتهر بلقب المحدّث الأكبر، وهو شيخ شيوخ الشام، شافعي المذهب أشعري العقيدة صوفي شاذلي الطريقة، وُلد وتوفّي في دمشق.
المحدّث الشيخ نور الدين عتر
و(عتر) تعني أنّه من عترة النبي صلّى الله عليه وسلم، فنسبه يرجع إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، الإمام العلّامة المفسّر المحدّث الحافظ الفقيه الحنفي مذهباً ذو السبق في علوم الحديث، وُلد في حلب وتوفّي في دمشق.
الشيخ محمد راتب النابلسي
وهؤلاء غيض من فيض؛ فالمقام لايتسع للحديث عن جميع علماء الشام، الأرض المباركة، أرض العلماء دمشق مهدهم ولحدهم.
تاريخ سوريا السياسي
بدأ الحراك السياسي بمفهومه المعاصر في سوريا منذ الاستقلال عن الدولة العثمانية والخضوع للانتداب الفرنسي، فقد أُسِّست المملكة العربية السورية بعد زوال الدولة العثمانية ونهاية الحرب العالمية الأولى برئاسة فيصل بن الحسين بين عام ١٩١٨و ١٩٢٠م.
بعدها تمّ احتلال العاصمة دمشق من قبل فرنسا التي أعلنت الانتداب على سوريا، وتمّ نفي الأمير فيصل وذلك بعد معركة ميسلون بثلاثة أيام، وبقيت سوريا تحت الحكم الفرنسي المباشر، وقد نتج عن ذلك الانتداب دول قصيرة الأمد مثل دولة حلب ودولة دمشق ودولة جبال العلويين ودولة الدروز، ثمّ تحوّلت هذه الدويلات إلى جمهورية سوريا المنتدبة عام ١٩٣٠ حتى عام ١٩٤٦ م، حيث أُعلن جلاء القوات الفرنسية والاستقلال التام، وبقيت سوريا في حالة عدم الاستقرار السياسي خلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، حيث شهدت دمشق العديد من الانقلابات العسكرية وتغيّرَ الحكم فيها عدّة مرات،
وشهدت أيضاً وحدة سورية مصرية زمن الرئيسين عبد الناصر وشكري القوتلي تحت اسم (الجمهورية العربية المتّحدة) عام ١٩٥٨م التي استمرت ثلاث سنوات، وفي عام ١٩٦٣م سيطر حزب البعث على السلطة المدنية والعسكرية، وفي عام ١٩٧٠م تم الانقلاب العسكري الأخير، ووصل حافظ الأسد إلى سدة الحكم، وفي عهده كان قد تمّ اتفاق وحدة لم تتحقّق عملياً بين سوريا ومصر وليبيا، وقد استمرّ حكم الأسد الأب حتى وفاته عام ٢٠٠٠م، حيث تمّ تعديل الدستور، وتنصيب ابنه بشار رئيساً لسوريا الذي بقي في الحكم حتى الثامن من كانون الأول ٢٠٢٤م، فتمّ إسقاطه وتحرير سوريا من حكم آل الأسد على يد جبهة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع، وذلك من خلال ثورة الشعب السوري التي بدأت من مدينة درعا في آذار عام ٢٠١١م.
عروس المجد دمشق
قال الشاعر عمر أبو ريشة بمناسبة جلاء العدوّ الفرنسي عن دمشق:
ياعروس المجد تيهي واسحبي
في مغانينا ذيول الشهب
واليوم نقول: بقيت دمشق و ماتزال عروس المجد وقامة الفخر الطويلة التي تصل إلى النجوم وتعانق العلياء، ورمز العزة والإباء، وأرض البطولات والتضحيات.
ها هي ذي دمشق تخرج في الثامن من كانون الأول في السنة الرابعة والعشرين بعد الألفين، بعد مايقارب خمسة وخمسين عاماً من الذلّ والهوان في سجن معتم أسواره حدود سوريا، سُجّانُه حكّام سوريا، تخرج دمشق عروساً في فجر نصر لم يسبقه نصر، تخرج وقد أشرقت عليها شمس العزّة والحرية وسطع نور الحقّ، تخرج في نصر النسور أو فتح الفتوح، تخرج عروساً من جديد،
عروس المجد التليد والنصر المجيد الذي سيسطره التاريخ في صفحات العزّ بحروف من ذهب، تخرج دمشق وتتباهى بحلة الظفر بوجه منير كالقمر، تيهي يادمشق تيهي، تيهي وارفعي الرأس إلى العلياء، طيري، عانقي النجم والثمي القمر لقد انتصرت وخلعت ثوب الذلّ والقهرعنك، تيهي كفاك حزناً ودموعاً وأسى… تيهي وازدهي بثوب المجد والعزّ وتقلّدي تاج الفخار، تيهي وارقصي وافرحي فالفرح يليق بك وبشعبك العظيم.
نعم؛ لقد تحقّق النصر وقد كان حلماً؛ تحقّق بأعجوبة بمعجزة مع أنّ زمن المعجزات قد تولّى، نعم؛ لقد استطاعت ثورة الأحرار السورية التي انطلقت شعلتها منذ ثلاثة عشرة سنة فكافحت وناضلت فكانت تارة تخبو وتارة تتوهّج فصمدت ولم تأبه بالصعاب حتى انتصرت في هذا اليوم العظيم.
نعم؛ لقد انتصرت ثورة الشعب السوري، ثورة الأحرار، ثورة الأبطال، انتصرت بصمودها وكفاحها الدؤوب، انتصرت بدماء الشهداء التي عبرنا بها إلى النصر المبين، وابتدأ عهد جديد ليعيشه السوريون بحرية لطالما كانت أبعد من الخيال عن أذهانهم.
نسأل الله سبحانه جلّ وعلا أن يتمّم فرحتهم وأن يهدي القائمين على أمور دولتهم إلى ما فيه خير البلاد والعباد.
خاتمة
وهكذا نجد ومن خلال ما سبق كيف أنّ دمشق قد حازت قصب السبق ونالت الحظوة في العالم وبين المدن، فتركت بصمتها المميّزة عبر التاريخ، وكانت وستبقى المكان الذي سحر الألباب واستولى على العقول بروعة جماها وعذوبة مائها وثقافاتها المتنوعة التي تعود إلى أقدم العصور وأعظم الإمبراطوريات، وآثارها وأضرحتها التي تنمّ عن احتضانها الشرائع السماوية الثلاثة، فهي المدينة الأهمّ في بلاد الشام بعد مدينة القدس الحبيبة.
إنها ليست مجرد مدينة قديمة؛ هي رمز للإبداع الإنساني، والتنوع الثقافي اللذين تشهد عليهما أصالتها وعراقتها منذ فجر التاريخ حتى يومنا الحاضر.
لقد كانت دمشق وستبقى الوجهة المفضلة لدى السياح، والخيار الأمثل للباحثين والمؤرخين ومقصد المتعلمين لعلوم الدين والقرآن الكريم.
حفظ الله شامنا الحبيب، وأبعد عنه كيد الكائدين وعيون الحاسدين، وبارك بأهله الطيبين، وأعاد إليه عزة الإسلام والمسلمين.
الأسئلة الشائعة عن (دمشق)
ـ حوالي ٩٥ % من سكان دمشق من العرب، وهناك أقلية من الأكراد وبعض التركمان والشركس والبشناق والألبان وغيرهم.
ـ تشتهر دمشق بجمالها وخضرتها ومياهها العذبة وياسمينها وأشجارها المثمرة وفاكهتها اللذيذة وخاصة التوت الشامي الذي ينفرد بمذاق لامثيل له، وتشتهر أيضاً بأحيائها وآثارها القديمة.
ـ تاريخ دمشق اسم للعديد من الكتب من تأليف كُتّاب مختلفين، ولكنّ الكتاب الأشهر والأضخم هو تاريخ دمشق لابن عساكر.
ـ المالكي ـ أبو رمّانة ـ الشعلان ـ المزرعة ـ العدوي ـ القصاع ـ التجارة ـ باب توما ـ الميسات ـ المزّة.
ـ أقدم مكان في دمشق هو دمشق القديمة، وفيه العديد من الأحياء مثل حيّ القيمريّة.
الكاتبة: آ. هدى الصباغ
شارك المقال مع اصدقـائك: