fbpx

تربية الأبناء في الإسلام

تربية الأبناء في الإسلام عزّ وفضل للولد والوالد، ولا يدرك قيمتها بحقّ إلا من فقدها، فعاش في مجتمعات تطغى عليها مادية مقيتة وضلال مستديم.

التربية حصن منيع يحيط الطفل بأسوار تحميه من شرور الحياة ومنكراتها وفتنها لأنها منهج رباني مأخوذ من الكتاب والسنة، والله أعلم بما يصلِح أحوال الخلق وشؤونهم ويقوّم حياتهم.

جدول المحتويات

وجاءت الشريعة الغراء واضحة الغاية، وقدّمت منهجاً تربوياً صالحاً لكل زمان ومكان في إرشاد الأهل إلى رعاية الأبناء وتربيتهم التربية الصحيحة الراشدة التي فيها صلاحهم في الدنيا والآخرة.

ما جاء عن تربية الأبناء في القرآن والسنة الصحيحة

اعتنت الشريعة الإسلامية بمسألة تربية الأبناء وأولتها أهمية كبيرة، وكان ذلك واضحاً من خلال تناول آيات قرآنية وأحاديث نبوية لهذه المسألة.

تربية الأبناء في القرآن الكريم

ظهر موضوع التربية جلياً في القرآن الكريم في آيات كثيرة تحضّ على حسن التوجيه وحسن التربية، ومن أولى خطوات التربية:

١- سلامة العقيدة وإخلاصها لله وحده ونفي الشرك.

قال تعالى في سورة لقمان: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾

فإخلاص العبودية لله هي غاية الخلق ومحور الحياة.

قال تعالى ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾

فلابدّ من تنشئة الطفل على حب الله الخالق الموجد، ومعرفته، والإيمان به وبقدرته وصفاته.

تربية الأبناء في الإسلام

ولا بدّ لنا من تنمية الشعور عند الطفل بمراقبة الله له ورؤيته إياه وإن لم يره؛ فالله مطلع على ظواهر الأمور وبواطنها، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

قال تعالى في سورة لقمان: ﴿يَا “بُنَيَّ اِنَّـهَٓا اِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ ف۪ي صَخْرَةٍ اَوْ فِي السَّمٰوَاتِ اَوْ فِي الْاَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّٰهُۜ اِنَّ اللّٰهَ لَط۪يفٌ خَب۪يرٌ﴾

٢- الصلاة: وبعد تحقيق صحّة العقيدة، لا بدّ من تعليمه الصلاة، وبيان أهميتها، وفضلها، وخطورة تركها؛ فالصلاة عماد الدين، وهي صلة العبد بربه الذي يحبه ويرزقه ويهديه ويصلح حاله.

جاءت آيات كثيرة للحضّ على الصلاة، قال تعالى: “يَٰبُنَىَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلْأُمُورِ “ (لقمان)

قال تعالى مادحاً إسماعيل: “وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا” يقول السعدي في تفسيره: أي كان مقيماً لأمر الله على أهله، فيأمرهم بالصلاة المتضمنة للإخلاص للمعبود، وبالزكاة المتضمنة للإحسان إلى العبيد، فكمل نفسه، وكمل غيره، وخصوصا أخص الناس عنده وهم أهله، لأنهم أحق بدعوته من غيرهم.

٣- برّ الوالدين: وكذلك في التربية الإسلامية، لابدّ من تنشئة الطفل على برّ الوالدين، والإحسان لهما، والرحمة بهما، وهذا يستفاد من قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ (لقمان ١٤ – ١٥)

تربية الأبناء في الأحاديث النبوية

جاءت في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم توجيهات تربوية وخلقية كثيرة لتربية الأبناء، ونصحهم، وتوجيههم، وتعليمهم الصلاة، والستر، والخير، وتقدير الناس، والصدق، والأمانة…

ومن ذلك:

١- تعليم الأبناء على الصلاة منذ الصغر

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“مُرُوا أولادَكُم بالصلاةِ وهُم أبناءُ سبعِ سنينَ، واضرِبُوهُم عليهَا وهُمْ أبْنَاءُ عَشْرٍ، وفرِّقُوا بينِهِم في المَضَاجِعِ”.

٢- الصدق

حضّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم على التزام الصدق معهم، وجاء ذلك في رواية عبد الله بن عامر قال: “دعتْني أُمي يومًا ورسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قاعدٌ في بيتِنا فقالتْ: ها تعالَ أُعطيكَ، فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وما أردتِ أنْ تعطيهِ؟ قالتْ: أُعطيهِ تمرًا، فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أما إنك لو لمْ تُعطيهِ شيئًا كُتبتْ عليكِ كَذِبةٌ”.

٣- تحرّي النصح والتوجيه

كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يعلمنا في تعامله مع الأطفال دروساً للتنشئة الصحيحة؛ فكان يسلّم عليهم، وينصح لهم، ويوجههم في المأكل، فقد جاء في الصحيحين عن عمر بن أبي سلمة – رضي الله عنهما – قال: “كنت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي: يا غلام، سمّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك”.

وفي الصحيحين أيضًا أن الحسن بن علي – رضي الله عنهما – أخذ تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كخ، كخ، ارمِ بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة

٤- تقديرهم وإعطاؤهم حقوقهم

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إن جلس الصغار في مجلس الرجال لا يفرّق بينهم في الحقوق؛ بل يقدر رأيهم، ومن ذلك ما جاء عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ فَشَرِبَ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ، وَالْأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ فَقَالَ: “يَا غُلَامُ، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ الْأَشْيَاخَ؟”، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأُوثِرَ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ.

٥- الرفق والتلطّف بهم

كذلك كان يعلمنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم الرفق بهم، والتلطف معهم، وعدم كثرة لومهم ومعاتبتهم، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: “خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ، وَلَا لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلَا أَلَّا صَنَعْتَ”.

على من تقع مسؤولية التربية في الإسلام

لو سُئلنا: على من تقع مسؤولية التربية في الإسلام؟

لأجبنا: إن تربية الأبناء مسؤولية مشتركة بين الأب والأم، ولا يفرد أحدهما دون الآخر؛ فكلاهما راع ومسؤول عن رعيته، ففي صحيح البخاري عن ابن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ككلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه، والأميرُ راعٍ، والرجلُ راعٍ على أهل بيتِه، والمرأةُ راعيةٌ على بيت زوجها وولدِه، فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه”.

وقال رسول الله أيضًا مشيراً إلى تأثير الأبوين الشديد على سلامة فطرة الوليد: “ما مِن مولُودٍ إلا يُولدُ على الفِطرةِ، فأبواهُ يُهوِّدانِهِ أو يُنصِّرانِهِ أو يُمجِّسانِهِ”.

فلا بدّ من تعاون الأبوين في التربية والتوجيه وتقديم النصح، وليس أقرّ لعين الوالدين من رؤية ابنهما من أهل الصلاح والفلاح والتقوى، وليس أوجع من رؤية الوالد لولده ضالّاً يعمَهُ في ظلمات الغيّ و الفتن والشرور والمنكرات، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾   (التحريم ٦)

سن تربية الأبناء

سن تربية الأبناء تبدأ منذ نعومة الأظفار، فقد علمنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم ضرورة تعليمهم الصلاة في السابعة، وضربهم عليها في العاشرة، وهذا يعني أن الطفل في هذه السن قادر على تلقي أصول العقيدة السليمة، وغيرها من مكارم الأخلاق والفضائل، وهو قابل للتوجيه والتربية،

وكذلك البنت تتعلّم وتعتاد الستر والعفة والحياء وارتداء الحجاب، ويستمر الإنسان في نصح أولاده وتوجيههم طيلة الحياة، ويصبر على تربيتهم، ولا ينزع مسؤوليته عنهم إلى أن يلقى الله، ونقتدي في ذلك بنبي الله يعقوب عليه السلام الذي أوصى بنيه عند الموت فلم يتوانَ عن نصحهم وتوصيتهم ليضمن سلامة عقيدتهم وتمسكهم بدينهم، قال تعالى: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾

ستة أمور ينبغي أن ننشئ الطفل عليها

ويُنشّأ الطفل منذ الصغر على عدة أمور نذكر منها ستة:

  1. التوحيد ومعرفة الله: يُعلَّم ويُخبَر بوجود إله قادر خالق رازق، لتنمية الشعور عنده بمراقبة الله له، وحبه له، ورحمته به.
  2. تعليمه أركان الإسلام: وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتعليمه الصلاة وكيفيتها، والزكاة، وتدريبه على الصوم، وإخباره بفريضة الحج ومكانه وزمانه.
  3. تعليمه أركان الإيمان: وهي الإيمان بالله، وملائكته، ورسله، وكتبه، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى.
  4. تربيته على الأخلاق والفضائل كالصدق، والأمانة، وحب الخير.
  5. التنفير من الشر، والمنكرات، والعداوات، والظلم، والبغضاء.
  6. تعليمه برّ الوالدين، وصلة الرحم، وتقدير الناس.

الأساليب الصحيحة في التربية

لكي تؤتي التربية ثمارها الصالحة واليانعة يجب على الأبوين معرفة وتطبيق الأساليب الصحيحة في التربية ونذكر منها:

١- فِعْل الأبوين وسلوكهما ودورهما في التربية

الطفل الذي يرى أباه مقيماً للصلاة ملتزماً بها قارئاً للقرآن سيتمثل فعله ويقتدي به،

 وقد قرأتُ مقولة أعجبتني أنّ أباً قال لابنه: انتبه أين تضع قدميك وأنت تمشي، فأجابه ابنه: احذر أنت يا أبي فأنا أتبع خطواتك.

وكذلك الأم العفيفة التي تتخلّق بمكارم الأخلاق وترتدي الحجاب ستقتدي بها ابنتها وتسير على نهجها.

٢- الأمر والنهي في التربية

يلجأ الأبوان إلى أسلوب إعطاء الأوامر والنواهي وهذا – وإن كان ناجعاً في بعض الأحيان – لكنه قد يؤدي إلى نتيجة عكسية لا تعود بالنفع والإصلاح؛ فربما ضجر الطفل، فيتمرد، أو يرفض الطاعة والالتزام.

٣- التربية بالمناقشة والإقناع

لا بد من مناقشته وإقناعه بلطف وإحسان، ومراعاة عمره أثناء الحوار، وتقبّل ما يصدر منه من كلام بحلم وتأنٍّ، وإقناعه بما يتوافق مع فهمه، والصبر عليه، وعدم الغضب.

٤- هل الضرب ينفع للتربية؟

يلجأ الكثير من أولياء الأمور إلى الضرب كأول الحلول، وهذا خطأ؛ فالضرب من الحلول التربوية، ولكن يجب ألا يكون منذ البدء، وألا يكون للتشفي، وإفراغ الغضب والغيظ، بل يكون غير مبرح، ويقصد به الردع أو الإلزام وإظهار الحرص على الطفل والخوف عليه، وأن هذا الأسلوب غير مقصود لذاته، إنما لجلب المصلحة، ودرء المفسدة.

٥- هل ينفع الإعراض والتجاهل في التربية؟

ربما يلجأ الأبوان إلى أساليب تربوية أخرى كالإعراض والتجاهل والمقاطعة المعنوية، وعدم شراء الأشياء التي يحبها الطفل، ولكن يجب أن تنفذ هذه الأساليب بذكاء وحرص، ويجب ألا تطول مدة المقاطعة لئلا يعتاد الطفل عليها، فلا تجدي نفعاً معه.

٦- التشجيع والتحفيز في التربية

يشجع الوالدان الولد ويحفزانه وينهضان به من خلال إكرامه وشراء الهدايا له.

وهذا الأسلوب يكون بحرص لئلا يعتاد عليه الطفل، فيفقد قيمته.

٧- اختيار الصحبة الصالحة وأثره في التربية

لابد من معرفة صحبة الطفل، وتنبيهه إلى ضرورة أن تكون الصحبة صالحة، فلا يمشي مع المهملين ومن يتلفظون بكلمات بذيئة، أو يقضون نهارهم في الشارع، وكلما كبر الطفل احتاج إلى صحبة صالحة يقضي معها وقته ويشبع حاجته النفسية إلى التواصل الاجتماعي، وهنا لا بد من أن يتقرب الأبوان إلى الطفل أكثر لئلا ينجرّ إلى الصحبة ويفقدا الصلة معه والتأثير عليه، فينبغي أن يجلسا معه، ويحاوراه، وينفراه من صحبة المدخنين ورفقاء السوء وغير الملتزمين بالاخلاق والفضائل.

٨- القدوة الصالحة

لا بد من وضع قدوات صالحة أمام الطفل ليقتدي بها كعالم جليل، أوقارئ متقن للقرآن، أومعلم مخلص، ويروي له الوالدان سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقصص الصحابة، وسير الأعلام من السلف والتابعين

علامات نجاح الأبوين في التربية

هناك علامات تظهر نجاح الأبوين في عملية التربية، فيقطفان معاً ثمار الجد والتعب والتضحية والإخلاص، وذلك عندما يشب الطفل على حب الإسلام، ومعرفة الله، وأداء الفرائض، والتزامه بالصلاة، وصدقه، واختياره للصحبة الأخيار، وابتعاده عن رفقاء السوء، وأوكار الفساد، وبرّه بوالديه، وحسن أخلاقه، وتفوقه العلمي في مدرسته أو جامعته، وقضاء وقته في النافع المفيد.

هل سوء أخلاق الولد دليل على فساد تربية الأهل؟

ليس من الضرورة أن يكون سوء أخلاق الولد دليلاً على فساد تربية الأهل، فقد يبتلى الأهل بولد عاق عاصٍ لربه سيّئ الخُلق، وذلك لرفع درجاتهم ومضاعفة حسناتهم إن صبروا على فساد أبنائهم.

ومن أنسب الأمثلة في هذا السياق قصة نوح مع ابنه العاصي، فقد طلب نوح من ولده أن يركب السفينة: (وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ)، لكنه رفض الطاعة واستمرّ على معصيته: (قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ)، فاستمر نوح عليه السلام في نصحه: (قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ)، لكن الغلام ظل على ما هو عليه فكان أمر الله: (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ)

أما نوح فقد نادى ربه نداء الوالد الرحيم بابنه المشفق عليه: (ونادى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ)، فكان قول الله الفصل له ولكل من سلك الطريق: (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)، هنا سلم نوح لأمر ربه فقال: (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ)

ففي قصة نوح تسلية لكل أبوين ابتُليا بولد غير صالح، فالأهل دورهم بأن يأخذوا بأسباب التربية الصالحة والهداية والإرشاد والدعاء، والله سبحانه هو الموفق المثبت الذي يعلم ما في قلب العبد فيهدي من يشاء ويضل من يشاء بعلمه وحكمته.

وواجب الأهل هنا لا يتوقف، بل يستمرون بالنصح لهم والصبر عليهم والدعاء لهم والتأثير عليهم ببعض الاصدقاء الصالحين وطلب العون والتوفيق من الله لهم إنه جواد كريم.

علامات فشل العملية التربوية

وعلى العكس من ذلك، ففشل الأبوين يظهر بإهماله لفروضه، وفشله في دروسه، وعصيانه لوالديه، وقضاء الوقت في الشارع مع رفقاء السوء، وإنفاق المال على التدخين، وقلة الصدق والأمانة، وأنانيته،

خاتمة

إن تربية الأبناء ليست عملية سهلة، إنها تحتاج إلى صبر، ومتابعة، وإخلاص، وعمل دؤوب، ولسان ناصح، وقلب محبّ.

تربية الأبناء لا تعني إشباع الجسد، وتنعمه، ولعبه، وتحقيق ملذاته، إنها بناء الروح بشكل قويم، وزرع القيم والفضائل، وإيقاظ الهمم.

إن تربية الأبناء أمانة في أعناق الآباء، إن نجحت قطف ثمارها الجميع في الدنيا والآخرة، وإن فشلت عادت وبالاً على الجميع.

فكرّسوا حياتكم لنجاح أبنائكم وفلاحهم، ولا تتوانوا عن تربيتهم ونصحهم، فكلما ازددتم لهم عطاء كانوا قرة أعينكم ومصدر سعادتكم.

الأسئلة الشائعة عن تربية الأبناء في الإسلام

ما التربية الصحيحة للأبناء؟

يجب تعليمهم التوحيد والعقيدة الصحيحة منذ الصغر، وتدريبهم على الصلاة والصيام، وحضّهم على الصدق والأمانة والتقدير، وتعليمهم قراءة القرآن، واختيار الصحبة الصالحة.

كيف تشبع الطفل عاطفياً؟

إظهار المحبة والاهتمام به، وتقدير رأيه، والإنصات له عندما يتكلم، وعدم استخدام الجوال عندما يتحدث، وملاطفته وملاعبته، ومصاحبته، وعدم إهانته بالقول أو الفعل.

من علامات سوء التربية؟

ألا يكون الطفل مشبعاً بالعاطفة الدينية، ولايعرف أساسيات الإسلام، ولم يُنشّأ على الصلاة، ويكذب باستمرار وبلا مبرر، ولا يقدّر الآخرين، أو يسرق، أو يشتم، ويتلفظ ببذيء الكلام، ويظهر التمرد والعصيان والعناد بشكل دائم، مهمل لواجباته، ولا يحسن للوالدين، أو يدخن أو يصاحب المدخنين.

متى تنتهي مسؤولية الأب؟

تستمر التربية للطفل من الصغر بالتوجيه والنصح والإرشاد والأمر والنهي والحض حتى البلوغ بعد ذلك يتحدد أسلوب التربية بالنصح المستمر الذي يستمر حتى الموت، قال تعالى مبيناً نصيحة يعقوب لبنيه عند الموت: ﴿أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَاۤءَ إِذۡ حَضَرَ یَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِیهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِیۖ قَالُوا۟ نَعۡبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ ءَابَاۤىِٕكَ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمَ وَإِسۡمَـٰعِیلَ وَإِسۡحَـٰقَ إِلَـٰهࣰا وَ ٰ⁠حِدࣰا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ﴾ (البقرة ١٣٣)

ما الذي يحدد نجاح الطفل؟

تخلّقه بآداب الإسلام وتعاليمه، وأدائه لصلاته، وبره بوالديه، وتقديره لهما، وحبه للخير وابتعاده عن المنكرات، وصدقه، وأمانته، ومرافقته للأخيار، واجتهاده في طلب العلم والقرآن.

كيف تربي أطفالك دون الضرب؟

بالإقناع، والتوجيه، والصبر، والحوار المستمر، وتقدير رأيه، وفهمه.

كيف أعاقب الطفل بطريقة صحيحة؟

سواء أكان العقاب بالضرب أم المقاطعة أو الحرمان، يجب ألا يكون للتشفي، وإطفاء الغيظ، وأن يكون غير طويل الأمد وغير مبرّح.

كيف أربي أبناء ناجحين؟

بالرعاية المستمرة، والمراقبة الدؤوبة، والعمل المستمر، والصبر عليهم، وتحري نصحهم في كل وقت، وتربيتهم على العقيدة الصحيحة، وتعاليم الدين وأساسياته، وقراءة القرآن الكريم، والاستماع إليهم، ومحاورتهم، وعدم الإهانة والتحقير، وتحطيم الشخصية، بل تشجيعهم ومصاحبتهم، وملاعبتهم.

من المسؤول عن تربية الأطفال الأم أم الأب؟

التربية مسؤولية مشتركة بين الأم والأب، وليست خاصة بأحدهما دون الآخر، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته…”.

هل سوء أخلاق الولد دليل على فساد تربية الأهل؟

ليس من الضرورة أن يكون سوء أخلاق الولد دليلاً على فساد تربية الأهل، فقد يبتلى الأهل بولد عاق عاصٍ لربه سيّئ الخُلق، وذلك لرفع درجاتهم ومضاعفة حسناتهم إن صبروا على فساد أبنائهم.

الكاتبة: آ. هيفاء علي

شارك المقال مع اصدقـائك: