تفسير القرآن الكريم
تخيل أن أحبّ النّاس إلى قلبك قد أرسل لك من مكان بعيد جداً رسالة مغلّفة في ظرف. ألن تتلهّف لمعرفة ما قد كتبه لك فيها؟ ألن تكون في شوق لقراءة كلماته وفهم مقصوده؟ بل تتمعّن في الكلمات مرة بعد أخرى!
هذا ما يحصل إن كانت الرسالة من بشر، فكيف إن كانت الرسالة من ملك الملوك وفاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة الحكيم الخبير؟
إنّ المولى الجليل قد أرسل لك رسالة عظيمة فيها نبأُ ما قبلنا، وخبرُ ما بعدنا، وحُكمُ ما بيننا، فيها غاية الوجود، وحكمة الودود، وسبيل الخلود. فكيف بعد كل ذلك لا نبادر لقراءة الرسالة الإلهية، ونسعى لفهم ما فيها من العبر والأسرار!
معلوم أن القرآن الكريم قد نزل بلسان عربي مبين (أي واضح) لذلك أقرب الناس فهماً للقرآن هم العرب الذين نزل عليهم القرآن ليتدبروه ويبلغوه للناس كافة.
وأول نزول القرآن كان في قبيلة قريش أفصح العرب، فكان القرآن مفهوماً لهم عموماً.
يقول ابن خلدون في مقدمته: “إن القرآن نزل بلغة العرب، فكانوا كلهم يفهمونه، ويعلمون معانيه ومفرداته وتراكيبه، ولكنهم مع هذا كانوا يتفاوتون في الفهم للقرآن الكريم، فقد يغيب عن الواحد منهم ما لا يغيب عن الآخر”.
وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يبيّن لهم بعض المعاني القرآنية بقوله أو فعله.
ولكن مع مضي الزمن ومع توسع رقعة الدولة الإسلامية ودخول الألسنة الأعجمية بين العرب المسلمين، ثم بسبب الأزمات التي حلت بالعالم الإسلامي من احتلال لأراضي المسلمين وحرب فكرية ثقافية تراجع اهتمام المسلمين باللغة العربية التي هي الأداة الأساسية في فهم القرآن الكريم، فاحتاج الأمر لإعادة إحياء اللغة، والعمل على تسهيل فهم القرآن للمسلمين، وكان ذلك نقطة انطلاقة علوم القرآن واللغة العربية وغيرها من العلوم الشرعية، ونقصد هنا تدوين العلوم نظرياً وترتيبها وفق أصول وقواعد.
ومن تلك العلوم علم التفسير الذي نحن بصدد الكتابة عنه حيث سنتناول:
تعريفه، وأنواعه، ونبذة عن تاريخه، وأشهر المفسرين، ومناهجهم، وغير ذلك.
فضل تفسير القرآن
قال ابن الجوزي: “لمّا كان القرآن العزيز أشرف العلوم، كان الفهم لمعانيه أوفى الفهوم، لأن شرف العلم بشرف المعلوم”.
وقال ابن تيمية: “وحاجة الأمة ماسة إلى فهم القرآن الذي هو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، ولا يَخْلَق عن كثرة الترديد، ولا تنقضي عجائبه، ولا يشبع منه العلماء، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم”.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي: “حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً”.
ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة. وقال أنس: “كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جَلَّ في أعيننا”.
وأقام ابن عمر على حفظ البقرة عدة سنين، قيل: ثماني سنين، ذكره مالك.
وقال إياس بن معاوية: “مثل من يقرأ القرآن ومن يعلم تفسيره أو لا يعلم، مثل قوم جاءهم كتاب من صاحب لهم ليلاً، وليس عندهم مصباح، فتداخلهم لمجيء الكتاب روعة لا يدرون ما فيه، فإذا جاءهم المصباح عرفوا ما فيه”.
تعريف علم التفسير
التفسير في اللغة
هو مصدر الفعل (فَسَّرَ)، والجمع منه (تفسيرات)، و(تفاسير)، ونقول: فسَّر: يُفسِّر، تفسيراً، وهو يعني: البيان، والإيضاح، والكشف عن المعاني.
التفسير في الاصطلاح
عرفه بدر الدين الزركشي بقوله: “التفسير علم يفهم به كتاب الله تعالى المنزل على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلم وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه”.
تاريخ علم التفسير
إن تفسير القرآن شأنه شأن سائر علوم الشريعة التي بدأت منذ نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكل عملي تطبيقي، ولكن لم تدون نظرياً تلك العلوم إلا حين احتاج المسلمون لها (كما ذكرنا في مقدمة المقال).
ويمكن أن نقسم تاريخ التفسير إلى مرحلتين:
مرحلة التفسير العملي
أ- إن المفسر الأول للقرآن الكريم هو رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
قال الله سبحانه وتعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل 44]
عن ابن مسعود قال: “لَمَّا نَزَلَتْ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ، قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ”.
ب- وصحابة رسول الله كان لهم الدور العظيم في تفسير كتاب الله، وقد اشتهر بعضهم بهذا المجال مثل عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب رضوان الله عليهم جميعاً.
فقد فسّر عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كلمة الكنز في قَوْله تعالى: {وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقونَها في سَبيلِ اللَّـهِ فَبَشِّرهُم بِعَذابٍ أَليمٍ * يَومَ يُحمى عَلَيها في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكوى بِها جِباهُهُم وَجُنوبُهُم وَظُهورُهُم هـذا ما كَنَزتُم لِأَنفُسِكُم فَذوقوا ما كُنتُم تَكنِزونَ}، بأنّه المال الذي لم تؤدَ زكاته، أمّا المال الذي أُخرجت زكاته فليس بالكنز.
ج- ثم قام من بعد الصحابة الكرام تلاميذهم الأبرار، وهم التابعون رضي الله عنهم، قاموا بمتابعة المسيرة العلمية في تفسير القرآن الكريم.
وتشكلت عدة مدارس للتفسير في زمن التابعين نظراً لتوزع الصحابة العلماء على الأمصار المختلفة.
مرحلة تدوين التفسير
بدأ تدوين التفسير في القرن الثاني الهجريّ مع بَدء تدوين الحديث الشريف أثناء حكم الدولة الأموية؛ إذ كانت تُفرَد للتفسير أبوابٌ خاصّةٌ ضمن كُتب الحديث، وكان التدوين في هذه المرحلة يأخذ شكل التدوين بالإسناد؛ أي بذِكر سَنَد الأحاديث، والأقوال المذكورة.
ومع استقلال العلم وانتشار الكتابة والتدوين أصبحَت للتفسير كُتبٌ خاصّةٌ مُستقِلّةٌ عن كُتب الحديث، فبدأت هذه الكُتُب تُورِد الأقوالَ دون إسنادها إلى أصحابها.
ومن أوائل الذين عملوا على تدوين تفسير القرآن كاملاً ابن جرير الطبري، وأبو بكر بن المنذر النيسابوري، وأبو بكر بن مردويه، وابن ماجه، وتبعهم بذلك علماء كثر حتى يومنا هذا.
مدارس التفسير في زمن التابعين
مدرسة عبد الله بن عباس: في مكة المكرمة
طلابه من التابعين: سعيد بن جبير، وعِكرمة، وطاووس بن كيسان، ومُجاهد، وعطاء بن أبي رباح.
مدرسة أبي بن كعب: في المدينة المنورة، واشتهر من التابعين الذين أخذوا عنه مباشرة أو بالواسطة: زيد بن أسلم، وأبو العالية، ومحمد بن كعب القرظي.
مدرسة عبدالله بن مسعود: في العراق،
وعرف بالتفسير من أهل العراق كثير من التابعين، اشتهر منهم: علقمة بن قيس، ومسروق، والأسود بن يزيد، ومرة الهمذاني، وعامر الشعبي، والحسن البصري، وقتادة بن دعامة السدوسي.
مناهج التفسير وأنواعه
إن التفسير يشبه الفقه من حيث تنوع مدارسه، فمن المفسرين من تمسك بالآثار الواردة في السنة وعن السلف واقتصر عليها في تفسير القرآن، ويطلق على هذه المدرسة اسم التفسير بالمأثور، ومنهم من اجتهد رأيه في التفسير، ويطلق على هذه المدرسة اسم التفسير بالرأي.
التفسير بالمأثور
يُراد ويُقصد به بيان معنى الآية وِفْقاً لآيات أخرى من القرآن الكريم، وما صحّ من السنّة النبويّة المبيّنة والمفسّرة لآيات القرآن الكريم، وأقوال الصحابة -رضي الله عنهم-؛ إذ إنّهم عاصروا التنزيل، وهم أهل اللغة والفصاحة، ولا يصحّ عندهم الاجتهاد في بيان المعنى دون دليلٍ عليه.
مصادر التفسير بالمأثور
أـ القرآن الكريم: وهو أن تفسر الآية بآية أخرى من القرآن الكريم، وهو أحسن أنواع التفسير.
مثاله:
تفسير قَوْل الله تعالى في سورة البقرة: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}، بقَوْله في سورة الأعراف: {وَاسأَلهُم عَنِ القَريَةِ الَّتي كانَت حاضِرَةَ البَحرِ إِذ يَعدونَ فِي السَّبتِ إِذ تَأتيهِم حيتانُهُم يَومَ سَبتِهِم شُرَّعًا وَيَومَ لا يَسبِتونَ لا تَأتيهِم كَذلِكَ نَبلوهُم بِما كانوا يَفسُقونَ}.
ب- السنة النبوية الشريفة: تفسير القرآن بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد فسر رسول الله عدداً من الآيات
مثل:
تفسير قَوْله تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} بِما ثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في صحيح مسلم أنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام قال: “يُؤْتَى بجَهَنَّمَ يَومَئذٍ لها سَبْعُونَ ألْفَ زِمامٍ، مع كُلِّ زِمامٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَها”.
ج- أقوال الصحابة: على اعتبار أن صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام كانوا أقرب الناس إلى الوحي بالإضافة لكونهم عدولاً وأهل فصاحة وفهم، فقولهم بالتفسير معتمد في منهج التفسير بالمأثور.
ومن أمثلة تفسير الصحابة: ما قاله عبد الله بن عباس ترجمان القرآن رضي الله عنه في تفسير سورة النصر بأنها نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد وردت العديد من المؤلفات في التفسير بالمأثور، ومن أهمّها:
ـ جامع البيان عن تأويل آي القرآن لمحمد بن جرير الطبريّ.
ـ تفسير القرآن العظيم لابن كثير الدمشقي
ـ المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي.
ـ الدر المنثور لجلال الدين السيوطي.
ـ أضواء البيان لمحمد الأمين الشنقيطي.
التفسير بالرأي
يُراد به تفسير القرآن وِفْقاً لاجتهاد المفسّرين، ومعرفتهم وعلمهم باللغة العربيّة، والأصول التي يقوم عليها التفسير.
سُئِل أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- عن الكلالة، فقال: “إنِّي سأقولُ فيها برأيي، فإن كان صوابًا فمِن اللهِ، وإن كان خطأً فمنِّي ومِن الشيطانِ: أراه ما خلا الوالدَ والولَدَ”.
حكم التفسير بالرأي
أجاز العلماء -رحمهم الله تعالى- هذا النوع من التفسير، ولهم أدلة كثيرة على ذلك، منها:
١- قوله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} [محمد ٢٤]
وغيرها من الآيات التي تدعو إلى التدبر في القرآن.
٢- دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس بقوله: “اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل”.
ولو كان التفسير مقصوراً على النقل ولا يجوز الاجتهاد فيه لما كان لابن عباس مزية على غيره.
٣- أن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في التفسير على وجوه، فدلّ على أنه من اجتهادهم.
ولكن يجب أن يُعلم أن هذا المنهج قد وضع له العلماء ضوابط يجب الالتزام بها من قبل المفسرين الذين يسلكون منهج التفسير بالرأي.
ضوابط التفسير بالرأي
- مراعاة قواعد اللغة العربية ومدلولات ألفاظها المدونة في المعاجم المعتمدة.
- ألا يخالف الرأي تفسير القرآن للقرآن وتفسير القرآن بالسنة.
- ألا يكون التفسير عن هوى أو لموافقة رأي مذهب ما، أو لمصلحة سياسية، أو غير ذلك.
- أن يصدر عن عالم ثقة عدل عارف بعلوم القرآن واللغة العربية والفقه وأصول الاستنباط.
مؤلفات في التفسير بالرأي
- مفاتيح الغيب لفخرالدين الرازي.
- الكشف عن حقائق التنزيل وعيون
- الأقاويل في وجوه التأويل (الكشاف) لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري.
- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني لمحمد الدين الألوسي.
- خواطر الشعراوي لمحمد متولي الشعراوي.
- في ظلال القرآن لسيد قطب.
أساليب التفسير وطرقه
للتفسير أساليب عدة وطرق تختلف بحسب نظرة المفسر وبحسب حاجة القارئ:
١- التفسير التحليلي:
ويعمد المفسّر بهذا الأسلوب إلى التحليل في الآية، فيبين سبب نزولها، وبيان غريبها، وإعراب مشكلها، وبيان مجملها…
ومن أمثلته: تفسير ابن عطية، والألوسي، والشوكاني.
٢- التفسير الإجمالي:
عمد المفسر بهذا الأسلوب إلى بيان المعنى العام للآية دون التعرض للتفاصيل؛ كالإعراب واللغة والبلاغة والفوائد وغيرها.
ومن أمثلته: تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، وتفسير المكي الناصري، وتجده كذلك في تفسير المراغي وأبي بكر الجزائري تحت عنوان المعنى الإجمالي.
وينتمي لهذا النوع التفاسير المختصرة المعاصرة.
مثل: التفسير الميسر للصابوني، وكتاب المختصر في التفسير لمركز تفسير.
٣- التفسير الموضوعي:
يعتمد هذا الأسلوب على دراسة لفظة، أو جملة، أو موضوع في القرآن.
مثل موضوع: (صفات عباد الرحمن في القرآن)
٤- التفسير المقارن:
يعمد المفسر بهذا الأسلوب إلى قولين في التفسير، ويقارن بينهما مع ترجيح ما يراه راجحاً.
ومن أمثلته: تفسير ابن جرير الطبري، وغيره ممن يذكر أقوال المفسرين، ويرجح بعضها على بعض.
٥- التفسير الإشاري:
يُراد به تأويل وتفسير القرآن على غير المعاني الظاهرة منه؛ أي: بالإشارات الخفيّة، ولهذه الطريقة ضوابط وضعها العلماء لا بد من مراعاتها، فليس كل تفسير إشاري مقبول.
من أمثلته: لطائف الإشارات لأبي القاسم القشيري، وتفسير القرآن العظيم لسهل التستري.
٦- التفسير الفقهي:
اعتنى التفسير الفقهيّ بالآيات التي تناولت الأحكام الشرعيّة، والتي تُدعى آيات الأحكام، فقد اهتمّ المُفسّرون ببيان الأحكام الشرعيّة التي تضمّنتها الآية، ومناقشة أوجه الاستدلال في الآية، وكيف اختلفت أفهام الفقهاء في تفسيرها.
وقد تعدّدت كتب التفسير الفقهيّ التي صُنّفت في كلّ مذهبٍ، ومن أهمّها: كتاب تفسير أحكام القرآن للجصّاص، وكتاب تفسير الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله القُرطبيّ، وكتاب أحكام القرآن للبيهقيّ.
وينبغي أن يُعلم أن التصدر لتفسير القرآن أمر خطير، ومسؤولية عظيمة، فنلاحظ من خلال الآثار الواردة عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يتهيبون الكلام في تفسير القرآن، ويحذرون أشد الحذر من القول في كتاب الله بغير علم.
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران 7]
عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار”.
وورد في أثر أن أبا بكر الصديق سُئل عن قوله تعالى “وَفَاكِهَةً وَأَبًّا” [عبس 31]، فقال: أي سماء تظلّني، وأي أرض تقلّني، إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟
فتفسير القرآن كأي مجال من العلوم يحتاج لتخصص وتأهيل لمن يريد التكلم به، بل حتى المتخصص عليه أن يكون في غاية الحذر من التسرع لتفسير آية من اجتهاده دون أن يدعم رأيه بدليل شرعي.
الشروط الواجب توفرها في المفسر
١- العلم باللغة العربية:
فإن القرآن نزل بلسان عربي، ويتوقف فهمه على شرح مفردات الألفاظ ومدلولاتها بحسب الوضع، قال مجاهد: “لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالماً بلغات العرب”.
والمعاني تختلف باختلاف الإعراب، ومن هنا مست الحاجة إلى اعتبار علم النحو والتصريف الذي تعرف به الأبنية، والكلمة المبهمة يتضح معناها بمصادرها ومشتقاتها وخواص تركيب الكلام من جهة إفادتها المعنى، ومن حيث اختلافها بحسب وضوح الدلالة وخفائها.
٢- العلم بأصول التفسير وعلوم القرآن.
مثل: علم القراءات، وعلم التجويد، وأسباب النزول، وغريب القرآن، والناسخ والمنسوخ، والمكي والمدني…
٣- ملكة الفهم:
وهي من مواهب الباري جل جلاله يرزقها من يشاء من عباده، ولا تكون إلا لمن أخلص وبذل أسباب العلم والفهم لكتاب الله تعالى.
٤- الاتباع:
وهو الاتباع في تفسير القرآن لمنهج الصحابة والسلف رضي الله عنهم في التفسير بأن يفسر أولاً القرآن بالقرآن، فإن لم يجد فبالسنة، فإن لم يجد فبأقوال الصحابة، ثم التابعين، فهم أوفى علماً وأجلّ فهماً.
٥- العلم بالسنة النبوية:
لأن السنة بما فيها من أحاديث وأخبار من السيرة النبوية تُعدّ شارحة القرآن ومعين المفسرين.
قال الله سبحانه وتعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل 44]
وورد عن أم المؤمنين عائشة عندما وصفت خُلُق رسول الله: “كان خُلُقه القرآن”.
خاتمة
وفي النهاية أحث نفسي وإخوتي طلاب العلم على تعلّم تفسير القرآن الكريم بعد تجاوزهم مرحلة ضبط القراءة وحفظ القرآن لكي نحقق الغاية الكبرى التي أمرنا بها رب العباد والتي نزل القرآن لنحققها وهي تدبر القرآن.
قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص 29]
ولأن فهم القرآن يبعث الطالب إلى تدبره وتحكيمه وتعظيمه كانت أهمية تعلم التفسير أساسية في حياة أهل القرآن.
نسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يعلمنا التأويل، وأن يجعلنا من أهل القرآن الماهرين به والعاملين بمعانيه، إنه سميع قريب.
والحمد لله رب العالمين.
الأسئلة الشائعة عن تفسير القرآن الكريم
أول تفسير للقرآن الكريم بشكل مكتوب ومنظم هو (تفسير الطبري).
هذا التفسير هو كتاب (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)، ويُعدّ من أقدم وأهم التفاسير التي أُلفت في تاريخ الإسلام.
وُضع هذا التفسير على يد الإمام محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ) في القرن الثالث الهجري.
من العلماء الذين تخصصوا بمجال علوم القرآن الكريم، ومن الكتب المعتمدة في علم التفسير، وخلال المقال ذكرنا عدداً من التفاسير الجيدة، بإمكانكم مراجعتها.
إن القرآن نزل بلغة عربية مفهومة لقبائل العرب عموماً، حتى إن القرآن قد نزل بلهجات متعددة(القراءات) لتسهيل فهمه وتيسير تلاوته، وذلك منة عظيمة من الله على العرب بها، فلم تكن حاجة من أن يفسر الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن لهم إلا ما قد ورد من تفسيره لآيات معينة قد تشكل على بعض الناس، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يفسر القرآن بالعمل به وتحكيمه والتخلق بأخلاقه بشكل أكبر.
أفضل مفسر للقرآن الكريم من البشر هو رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا ينطق عن الهوى.
ثم صحابته الكرام، وخاصة عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب.
ثم التابعون لهم.
ثم العلماء الربانيون.
ـ تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن).
ـ تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم).
ـ تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن).
ـ تفسير الألوسي (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم).
ـ تفسير البيضاوي (أنوار التنزيل وأسرار التأويل).
ـ تفسير الشوكاني (فتح القدير).
ـ تفسير الجلالين للإمامين جلال الدين السيوطي وجلال الدين المحلي.
ـ تفسير السعدي (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان).
ـ محمد علي الصابوني (صفوة التفاسير).
ـ مركز تفسير للدراسات القرآنية (المختصر في التفسير).
ـ سيد قطب (في ظلال القرآن).
ـ الطاهر ابن عاشور (التحرير والتنوير).
ـ محمد الأمين الشنقيطي (أضواء البيان).
ـ محمد متولي الشعراوي.
ـ محمد علي الصابوني.
ـ يوسف القرضاوي.
ـ عثمان الخميس.
ـ محمد راتب النابلسي.
ـ محمد بن صالح العثيمين.
ـ مصطفى العدوي.
ـ عبد الحي يوسف.
ـ محمد بن عبد العزيز الخضيري.
ـ خالد السبت.
الكاتب: أ. عبدالله الأعسر
شارك المقال مع اصدقـائك: