fbpx

دولة الأندلس الأموية

وُكّلَ طارق بن زياد (الذي كان عبداً أعتقه موسى بن نصير) وُكِّلَ في زمن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بفتح إفريقيا، ولما رأى موسى بن نصير في طارق بن زياد الشخصية المتينة والبطولة والعزم والإرادة والرؤية الثاقبة والحديث الحسن المؤثر والبلاغة التي تؤثر في السامعين تأثيرات عميقة، أوكل إليه مهمة فتح الأندلس (إسبانيا)، فتوجه طارق بأسطول بحري مؤلف من أربعة سفن وسبعة آلاف جندي تحت إمرته إلى الأندلس عام ٧١١م ، فهبط الجنود من جنوب الأندلس، ثم خاطبهم بكلمات شديدة الوقع زادت من حماستهم للهجوم على العدو في أسرع وقت ممكن، وأخيراً تصادم الجيشان وجهاً لوجه،

جدول المحتويات

وكان جيش العدو زهاء مئة ألف، ولما رأى طارق هذا الجيش العرمرم كتب إلى موسى يطلب منه المدد، ويخبره أن قد زحف عليه ملك الأندلس بما لا طاقة له به، فبعث إليه موسى بخمسة آلاف مقاتل معظمهم من العرب، فكان المسلمون اثني عشر ألفاً، قام طارق بن زياد بتقديم عرض بإرساله الرسل، قائلاً:

“ندعوك وجنودك إلى الإسلام، إن أسلمتم فإنا إخوانكم، وإلا فالجزية، وإن رفضتموها فسيكون السيف بيننا وبينكم”.

فرد ملك الأندلس هذا العرض معتداً بكثرة قواته، وبدأت معركة عظيمة، ووصل طارق بن زياد إلى ملك الأندلس بعد مقاومة مستميتة، وقتل الملك بضربة سريعة مباغتة من سيفه وقيل: إنه جرحه، ثم رماه بنفسه في (وادي لكة) فغرق، ولما رأى جنود العدو مقتل ملكهم لاذوا بالفرار، وتشتَّت قواتهم، وبدأ المسلمون رحلة الفتوحات الجليلة في الأندلس، حتى ولدت في نهاية المطاف: «الحضارة الإسلامية في الأندلس»

فتْح دولة الأندلس وعهد الولاة (٩٣-١٣٨ هـ / ٧١١ - ٧٥٥)

لا يمكن تحديد التعرف على جذر كلمة الأندلس المستخدمة من قبل العرب لإسبانيا بصيغتها الدقيقة التي كانت قد ترجمت إلى اللغة الإسبانية بشكلِ(Andalucia) بعد إخراج المسلمين منها كلياً، و كانت أيضاً تأتي فيما سبق بمعنى(مسلمو إسبانيا).

استخدم المسلمون مبدئياً اسم الأندلس فترةً من الزمن لجميع الأراضي التي جعلوها تحت حكمهم بما فيها منطقة سبتة الواقعة جنوب فرنسا. ولقد حكم الأندلسَ الأمويون منذ فتَحها المسلمون عام ٧١١م حتى عام ٧٥٠م، ومن هذا التاريخ أضحت تحت سلطة العباسيين حتى ٧٥٦ ، ويطلق على المدة الزمنية من ٧١١م ــ ٧٥٦م قبل تأسيس دولة الأندلس بـ (عصر الولاة).

 وفي هذه الفترة عمل المسلمون الفاتحون على الاستفادة من الأندلس باستخدامها مقراً لفتح أوروبا، حتى أن الجيوش الإسلامية كانت على مَقْربة شديدة من باريس الحالية، غير أن النزاعات القبلية فيما بين المسلمين كانت قد قضت على الوحدة والتضامن، وبالتالي لم تكتمل حركات الفتح تلك.

دولة الأندلس الأموية

يُشكّل فتح شبه جزيرة إيبيريا في الأندلس الحلقة الأخيرة في الفتوحات الإسلامية الأولى، حيث إن حركة فتح الأندلس بدأت بإرسال موسى بن نصير والي إفريقيا الشمالية بالإذن الذي تلقاه من الخليفة الوليد بن عبد الملك وحدة مؤلفة من ٥٠٠ جندياً تحت إمرة(طريف بن مالك) في ربيع سنة ٧٥٠م بهدف الاستطلاع إلى السواحل الجنوبية للأندلس، وفي هذه الأثناء كان القوط الغربيون الحاكمون في الأندلس على وشك فقدانهم للمملكة بسبب النزاعات على العرش،

والصراعات الاجتماعية والدينية، فمَرّ الجيش الإسلامي إلى الأندلس بسهولة، ومن المعروف هنا مدى تأثير مساعدة يوليان والي(سبتة) نائب الإمبراطور لذريق للجيش الإسلامي، وكانت مساعدته هذه بسبب خلافه معه وحقده عليه الذي انبثق من اعتداء لذريق على عرض ابنته بعد أن بعث بها إليه لتخدمه واستأمنه عليها، وقد استفاد موسى بن نصير من هذه الخصومة وراسل يوليان حتى كسب وده، وصار دليلاً لهم في تلك البلاد يكشف لهم عورتها ويتتبع الأخبار ويمارس الحرب النفسية على أنصار لذريق.

استولى الجيش المُخَيِّم في جبل طارق الذي كان يعرف بجبل(كالبي) المتمركز في الطرف الجنوبي لإسبانيا، استولى على الجزيرة الخضراء  في حملته الأولى، وبعد فترة قصيرة تغلَّب على جيش القوط الغربيين بقيادة الملك (لذريق) في المعركة الحاصلة على ساحل نهر وادي(لُكّة/بكّة) المتواجد في سهل (فرونتيرا)الواقع بين مدينتي جيريز وسيدونيا بعد معركة دامت ثمانية أيام دارت بين قوات لذريق البالغة مئة ألفاً وبين المسلمين الذين لم يتجاوزوا اثني عشر ألفاً وكان ذلك عام( ٩٢هـ / ۷۱۱م).

ولما كان القادة الموكلون بالفتح في مختلف البلدان قد استولوا على مالقة وإلفيرا وقرطبة  بمساعدة من الشعوب غير المُمتنة من القوط الغربيين القائمين عليها في نهاية الانتصار، كان طارق قد فتح (إستجة)، ثم(طليطلة) عاصمة القوط، وبهذا كان طارق الذي بدأ مسيرة الفتح هذه في شهور موسم ربيع سنة ۷۱۱م كقائد للجيش، أنهاها في أواخر أشهر موسم الصيف كفاتح استولى على نصف الأندلس وفتحها للمسلمين،

وفي عام ۷۱۲م انتقل موسى بن نصير إلى إسبانيا (الأندلس) بجيش غالبيته من العرب يبلغ  ۱۸٠٠٠، وبعد الفراغ من فتح إشبيلية وكارمونا و نيبلة  وميريدا  التقى مع طارق في طليطلة، وفي نهاية مطاف الحركة العسكرية المتجهة نحو شمال البلاد عام ۷۱۳م تم فتح منطقة ليون وغاليسيا ومدن ليريدا وبرشلونة وسرقسطة، حتى اُجتيزت جبال البرنس ودُخل في الأراضي الفرنسية.

وفي عام ٧١٤م ولّىٰ موسى راجعاً إلى دمشق بصحبة طارق بأمر من الخليفة الوليد مُخلفاً وراءه في إدارة الأندلس ولدَه، وبهذا يكون قد اكتمل فتح شبه جزيرة إيبيريا في مدة قصيرة لا تتعدى ثلاث سنوات وبدأ(عصر الولاة) في الأندلس، وبحلول عام ٧٥٦م وفي هذه المدة التي حكم فيها ۲۱ والٍ نُقلت حركات الفتح إلى داخل أوروبا.

وفي عام ٧٣٢ غدا المسلمون الذين انهزموا أمام الفرنجة في معركة (بلاط الشهداء) في تعامل أكثر مع الحروب الداخلية ومعالجة الاضطرابات، بعدما اجتازوا أقاليم مرسية، وقرمونة (ناربون) وباتوا قريبين من باريس، أما الإسبانيون العالقون في الشمال فقد بدأوا رغم ذلك بالتجمع تحت قيادة (بيلايو) في منحدرات كوبادونجا الواقعة في مملكة أستورياس.

أمويو الأندلس (٧٥٦ -١٠٣١)

فترة الإمارات

عمد عبد الرحمن بن معاوية (آخر أمراء بني أمية الذي بقي على قيد الحياة بعد القضاء على دولته) إلى عبور فلسطين ومصر متوجهاً إلى إفريقيا الشمالية ومنها إلى الأندلس عام ٧٥٥م، حيث أعلن استقلاله في قرطبة عام ٧٥٦م رغم كل العراقيل التي وضعها والي الأندلس يوسف بن عبد الرحمن الفهري، وأسس أسرة أموية حاكمة ستستمر ٢٧٥سنة، من عام ١٥٦م ولغاية عام ١٠٣١م، وتنقسم فترة حكم دولة الأندلس الأموية إلى عهدين: عهد الإمارة ما بين ٧٥٦ – ٩٢٩ ، وعهد الخلافة ما بين ۹۲۹ – ۱۰۳۱.

كانت الفترةُ الأولى التي حكم فيها عبد الرحمن الأول سنة(٧٥٦ – ۷۷٨)، وهشام الأول سنة(۷۸۸ – ٧٩٦) والحكَم الأول بن هشام(٧٩٦ – ٨٢٢)، وعبد الرحمن الثاني(۸۲۲ – ٨٥٢)، سنوات تأسيس الدولة وترسيخها، حيث ألجأت الضرورة في هذه الفترة إلى التعامل مع أعمال الشغب، وحركات العصيان الداخلية التي حرض عليها العباسيون والفرنجة، والتصدي من الناحية الأخرى للجيوش المرسَلة إلى الأندلس من قبل الفرنجة وممالك الأندلس المسيحية.

وقد شهدت هذه الفترة تطوراً ملحوظاً وهاماً على الصعيد الاقتصادي في الأندلس، وبدأ تفعيل المعادن، كما تم تحديث الطرق والجسور، إضافة إلى البدء بتطبيق التقنيات الحديثة المجلوبة من الشرق في ميدان الزراعة وقد ازداد أيضاً حجم التجارة الخارجية عن طريق تطور الإنتاج والصناعة، كما حصل تقدم على الصعيد المعماري بالتزامن مع التطور الاقتصادي، وفي هذه الفترة الأولى بدأ الإسلام بالانتشار السريع بين الإسبان المحليين، حيث اعتنق قرابة ٣.٥ مليون من الأهالي المحليين هذا الدين الجديد دون تعرض لأي إكراه، وتنفس غير المسلمين الصعداء وشعروا بالراحة نتيجة تسامح القادة المسلمين.

كانت سنوات تولي محمد(٨٥٢ – ٨٥٦) والمنذر(۸٨٦ – ۸۸۸) وعبد الله(۸۸۸ – ۹۱۲) زمام السلطة فترة أزمة، وقد أصبحت السلطة في هذه الفترة الممتدة حوالي ٦٠ سنة أصبحت بين يدي عديمي الكفاءة والخبرة، وقد ظهر الأعداء القبليون والعرقيون، وتم جزّ إسبانيا إلى النزاعات الداخلية من خلال التحريش بين القبائل والعناصر العرقية(العرب والبرابرة والمولّدون والمستعربون) من قِبل الإسبان، وأدى عدم الاستقرار إلى تضييق الخناق على الاقتصاد، وفرغت خزينة الدولة لعدم جمع الضرائب. 

فترة الخلافة (۹۲۹ - ۱۰۳۱)

تَسلّم عبد الرحمن الثالث (الذي يُعد المؤسس الثاني للدولة الأموية) زمام السلطة في الوقت الذي كانت فيه الدولة مفككة من قبل المتمردين المنتمين إلى مختلف الأمم ومدعي الاستقلال، ومتعرضة لغارات من الممالك المسيحية في الشمال.

عمد عبد الرحمن الثالث أقوى حكام دولة الأندلس الأموية إلى القضاء على البلبلة الداخلية أولاً،  ثم عمد إلى معالجة المسائل الخارجية بعدما وفر السلام داخل مملكته، وأوقف هجمات مملكة ليون المسيحية، كما قام عبد الرحمن الثالث المهتم لإعمار دولته بإنشاء مدينة جديدة سُميت (مدينة الزهراء) بالمَقربة من مدينة قرطبة التي كانت عاصمة منذ عهد عبد الرحمن الأول، وشُيّد فيها قصر مشهور، وكانت هذه المدينة شاهدة على حُب ابن زيدون لوَلّادة وفي ذلك يقول:

إِنّي ذَكَرتُكِ بِالزَّهْراءَ مُشتاقاً

وَالأُفقُ طَلقٌ وَمَرأى الأَرضِ قَد راقا

كانت الحياة الزراعية والتجارية متقدمة في زمن عبد الرحمن الثالث، وارتفع مستوى رفاهية الناس بشكل ملحوظ، وفي الوقت نفسه استخدم هذا الحاكم لقب (الخليفة) ، ثم إنه جعل الدولة عظيمة، مرَفَّهة، منظّمة، مسالمة، يشملها الأمن بعدما قضىٰ على كل هذه الغايات في زمنه، بدأ عبد الرحمن الثالث بمجادلة الفاطميين والممالك الإسبانية في الشمال عقب تأسيسه الوحدة والسلام في الدولة، وفي نهاية المطاف دخلت مدينتا(ليون وبامبلونا) في حمايته بقبولها دفع الجزية.

قام أيضاً لمواجهة الفاطميين بتوسيع رقعة نفوذه من خلال تحالفه مع بعض القبائل البربرية في إفريقيا الشمالية، وأقام علاقات سياسية مع الإمبراطوريتين البيزنطية والألمانية، وعمد عبد الرحمن الثالث إلى فتح أبواب الدولة أمام كل الطبقات والفئات بإزالة التنافس الذي كان دائما يلعب دوراً هاماً في الانقسامات الداخلية بين قبائل العرب، وأشاد في قرطبة الآثار المعمارية الرائعة، وبلغت إيرادات بيت المال حداً لم يشهد له مثيل من قبل.

ثم ولِيَ(الحكَمُ الثاني) مكان عبد الرحمن الثالث بعد وفاته سنة ٩٦١م ، وفي هذه الفترة (٩٦١ – ٩٧٦) صِينَ الاستقرار الموفر سابقاً، كما تمت المحافظة أيضاً على الأفضلية التي تميز بها الأمويون على الإسبانيين، وأما عن المستجدات الرئيسة في زمن الحكَم الثاني في ميدان العلم والفن فقد أضحت الأندلس في هذه الفترة أنشط مراكز حضارة الإسلام، وفتحت ۲۷ مدرسة داخلية للطلاب الفقراء في قرطبة وحدها، إضافة إلى إنشائه أضخم مكتبة في العالم حيث تحتوي ٤٠٠,٠٠٠ كتاباً.

وهكذا نمت وتسارعت حركة العلم والفن، ونشأ العديد من مفكري الإسلام في المدارس الأندلسية وغدوا وسيلة لنقل الأفكار النيّرة إلى بلادهم بالاستفادة من الدراسات العلمية، وبعد وفاة الحكَم الثاني قام الحاجب بن أبي عامر وَابْناه باستخدام الصلاحيات العائدة للخليفة مستفيدين من جلوس هشام الثاني على العرش وهو لا يزال صغير السن (۹۷٦ – ۱۰۰۹ ، ۱۰۱۰ – ۱۰۱۳).

وواصل هؤلاء سلطتهم السياسية على الأندلس ثلاثين سنة، إلا أن الاستقرار الذي كان قد ساهم فيه عبد الرحمن الثاني في الأندلس إنما فسد بانتقال عبد الرحمن أحد ولدَي الحاجب بعد أخيه عبد الملك، وكان لطموحات عبد الرحمن النصيب الأكبر في هذا، وفي عام ۱۰۱٦ استولى شيعة الحمودية(الذين ادّعَوا انحدارهم من سلالة سيدنا علي)على قرطبة والعرش مستفيدين من ضعف وعجز السلطة الأموية، وعلى الرغم من الهدوء المسيطر على الأجواء في البداية إلا أنهم لم يساهموا في حل أي من الأمور، وفي ١٠٢٢ نُفُوا عن قرطبة من قِبل أهلها.

أما السنوات السبع التالية فقد انقضت بتصارع سلالة الأسرة الأموية الحاكمة من أجل العرش، فعمد أشراف قرطبة وأهلها إلى نفي المنتمين إلى السلالة الأموية عن المدينة بإلغائهم للخلافة، وبهذا وفي تاريخ ٧٥٦ انهارت دولة الأندلس الأموية المؤسَّسة كإمارة مستقلة.

الأندلس ما بعد الأمويين (ملوك الطوائف) (١٠٣١ - ١٤٩٢ )

ظهرت الممالك المستقلة في كل مقاطعة ومحافظة منذ ضَعْف الدولة الأموية ووقوعها فريسة للاضطرابات الداخلية، كما أعلن عدد من المدن استقلالها عن قرطبة، وكانت إحدى أهم الأحداث السياسية في الأندلس في هذه الفترة تلك المعارك التي نشبت بين ملوك الطوائف واستمرت حتى بلغت حدّاً أضعف الجميع، وكانت طموحات وغايات الولاة والوزراء والقادة هي السبب في بلوغ الأمور هذا الحدّ المزري،

فكانوا في غفلة عما يستفيد منه المسيحيون من الطموح المتنامي بالفرقة والعداوة الكائنة بينهم غير واضعين في الحسبان ما سيصيبهم، ولا آخذين بعين الاعتبار المصالح العامة بسبب الخلافات والمشاحنات فيما بينهم، ثم إن هذا الوضع أدى إلى تدهور حال المسلمين ووهنهم أكثر فأكثر، ومنح الممالك المسيحية فرصة لتحقيق ما يسمى بـ (حروب الاسترداد) وأما الولاة فلا يجتمعون أبداً، ولا يتحدون في مواجهة العدو الخارجي، يتهجم بعضهم على بعض، ويواصلون تهديدهم فيما بينهم.

كانت المملكتان المؤسَّسَتان في إشبيلية وطليطلة هما الوحيدتين الأكثر محاولة أثناء فترة انهيار أمويي الأندلس لإحياء الخلافة، غير أن استيلاء ملك قشتالة(ألفونسو السادس) على طليطلة أكبر مدن الأندلس بعد قرطبة في ١٠٨٥م كان أقوى ضربة تعرّض لها المسلمون من النصارى حتى ذلك اليوم، مما أجبر بعض الأمراء الذين استشعروا اقتراب هذا الخطر بطلب يد المساعدة من المرابطين السائد حكمهم في إفريقيا الشمالية، وذلك نزولاً عند تشجيع العلماء والعامة.

عهد المرابطين (١٠١٩ - ١١٤٧)

انتقل يوسف بن تاشفين ملك المرابطين بدعوة من الأمير المعتمد ابن عبّاد بجيش عظيم إلى الأندلس وذلك بعد مضي سنة على الاستيلاء على طليطلة، فألحق هزيمة نكراء بألفونسو السادس في معركة (الزلاقة) وكان ألفونسو قد هدد بطليوس، وبمعركة الزلاقة توقفت حركة المسيحية المنتشرة باتجاه الجنوب مدة من الزمن، ثم ما لبث يوسف بن تاشفين أن رجع إلى المغرب بعدما أوصىٰ الأندلسيين بالتوحد ضد الأعداء،

غير أن النصارى الذين رأوا في تخاصم الأندلسيين فرصة سانحة لهم أعادوا الكرة وهجموا عليهم، ولذا عاد يوسف بن تاشفين إلى الأندلس مرة ثانية، وفي قدومه هذه المرة غدا حاكماً على الأندلس بدعمِ وحضِّ بعض الأمراء والعلماء، وصيَّرها مقاطعة مرتبطة بالمرابطين، واستمر حكم المرابطين في الأندلس زهاء ستين سنة، ثم عاودت الاضطرابات ظهورَها في السنوات اللاحقة، وهنا انخفض الدعم المقدم للمرابطين بسبب تقليل الأمراء الأندلسيين مساندتهم، وإغراق الأهالي بالضرائب.

وفسدت وحدة الأندلس السياسية مجدداً إثر انهيار المرابطين عام (١١٤٧م)، فنظم ملك قشتالة – مستغلاً هذه الفرقة – جيشاً صليبياً ألفه من أراغونيين(أراغون) وبيزاويين(بيزا) وجنويين(جنوى) واستولى على ميريدا (١١٤٧م) ومقاطعة كتالونيا و(١١٤٨م) ولا ريدا(١١٤٩م) ، وهُرع الموحدون لنجدة الأندلس في هذه الفترة التي بدأت فيها بالتفكك وتكالبت الممالك النصرانية عليها للحصول على أراضيها.

عهد الموحدين (١١٤٧م - ١٢٢٩م)

انتقلوا إلى الأندلس تحت رغبة بعض أصدقائهم من الأمراء في مساعدتهم بحمايتهم من خصومهم، ففرض الموحدون ابتداءً سيطرتهم على مدن كبلنسية وإشبيلية وشِلْب، واستولوا على بلنسية وقرمونة وبياسة وغرناطة، إلا أن المسيحيين انتقلوا إلى الحركة مجدداً بعد عودة الموحدين إلى إفريقيا الشمالية، وهذه المرة انتقل أبو يوسف المنصور مجدداً إلى الأندلس، لعرقلة تقدم المسيحيين وحقق نصراً مؤزّراً في سنة ١١٩٥م أمام قوات قشتالة في الموقع المسمى(الأرك)الواقع شمالي قرطبة،

كما حاصر طليطلة بَيْد أن محاولته لم تثمر، وفي وقت لاحق ألحق ملك قشتالة هزيمة نكراء بجيش الموحدين في معركة (العقاب)المشهورة بجيشه العظيم المكون من قوات برتغالية وفرنسية، وهذه الهزيمة أدت إلى ضعف سلطة الموحدين في إفريقيا الشمالية والأندلس، ودخلت(حروب الاسترداد) التي كانت متوقفة جزئياً إثر انتقال المرابطين والموحدين إلى الأندلس في فترة سريعة مجدداً.

إمارة بني الأحمر في غرناطة (١٢٣٨ - ١٤٩٢)

لم ينجح في التخلص من حملات الاستيلاء التي تخوضها الممالك المسيحية بصورة سريعة إلا دولة بني الأحمر المؤسسة في غرناطة، الحاكمة في القطاع الساحلي الضيق الممتد من البيرا إلى روندا الواقعتين جنوب الأندلس.

ثم إنهم تمكنوا من الخروج على مسرح التاريخ لأكثر من عقدين ونصف رغم الظروف بالغة الصعوبة، وهذه الدولة تحتل مكانة متميزة لأنها آخر من يمثل الحكم الإسلامي في الأندلس، ومن جهة كونها تمثل فترة تظهر أروع نماذج العمارة الإسلامية كــ (قصر الحمراء).

اعتمد أغلب أمراء غرناطة عدم اتباع سلوك سياسي مرِن في علاقاتهم الخارجية مع الممالك المسيحية، وأقاموا علاقات مع المرينيين في إفريقيا الشمالية خشية أن يبقوا لوحدهم أمام أي خطر قد يواجهونه من هذه الممالك، فقضوا فترة جيدة نسبياً حتى سنة ١٤٦٢م، حيث عمد الإسبانيون بعد سنة ١٤٦٢م مستفيدين من الاضطربات الداخلية التي ظهرت إلى تحقيق(حروب الاسترداد) فسيطروا على جبل طارق الممرِّ الوحيد لعبور المسلمين من إفريقيا إلى الأندلس الشمالية، وفي عام ١٤٦٩م سرّع زواج إيزابيلا ملكة قشتالة بملك أراجون فرناندو الثاني انتشار المسيحية من خلال تحقيق التحالف الإسباني،

وسقطت كل المدن ما عدا عاصمة إمارة غرناطة، وحين جاء دور غرناطة دافع عنها المسلمون بأقصى جهدهم، إلا أنهم استسلموا في تاريخ (١٤٩٢م) بسبب التدمير الناجم عن الحصار الخانق، وبعد هذا التاريخ ساءت أحوال المسلمين الباقين في إسبانيا فإما أن يكونوا قد أجبروا على قبول الدين المسيحي مكرَهين، أو غدَوا عرضة للتهجير أو محاكم التفتيش أو القتل، حتى الذين رضوا بالتنصر تعرضوا للشدائد وألوان التعذيب، وفي النهاية أُخرج مَن تبقى مِن المسلمين في الأندلس في عام ١٦٠٩م ، ومنذ ذلك الحين أصبح لفقدان الأندلس آثار عميقة على المسلمين، وبات أحد الموضوعات الشائعة في مختلف فروع الأدب الإسلامي.

يُعد قصر الحمراء أروع الآثار التي شيدت في الأندلس أيام هذه الدولة، إنه بزخارفه الأنيقة والغنيّة، وحدائقه الغناء وحياضه أشبه بسحر، إلا أن (شارل كوينت) لما استولى على الأندلس هدم قسماً من القصر وأراد بناء قصر بطراز عصر النهضة، كما لحق الخراب بالقصر أيضاً جراء زلزال ضربه عام ١٥٢٢م، وانفجار حدث عام ١٥٩٠م لكنه ومنذ أواسط القرن التاسع عشر جُعل تحت الحماية وبقي كذلك حتى يومنا هذا.

وقد كان قصر الحمراء حاضراً في شعر نزار قباني(الشاعر الدمشقي الشهير)إذ كتب قصيدة وثق فيها ما دار بينه وبين فتاة إسبانية (أندلسية) وهذه القصيدة مطلعها:

في مدخل الحمراء كان لقاؤنا

ما أطـيب اللقـيا بلا ميعاد

عينان سوداوان في حجريهما

تتوالـد الأبعاد مـن أبعـاد

هل أنت إسبانية ؟ ساءلـتها

قالت: وفي غـرناطة ميلادي

غرناطة؟ وصحت قرون سبعة

في تينـك العينين.. بعد رقاد

نهاية عهد الإسلام في الأندلس (١٤٩٢)

بعد تأسيس دولة بني الأحمر التجأ إليها المسلمون المضطهدون على يد المسيحية في المدن الأندلسية الأخرى، وأُوليَ كل من العلم والفن والتجارة خصوصاً اهتماماً من قِبل دولة بني الأحمر التي اتبعت سياسة سلمية، غير أن مسيحي أوروبا لم يستطيعوا تقبل وجود مسلمين في الأندلس مطلقاً، وكانوا يتحينون الفرص للقضاء عليهم.

وحين تزوج فرناندو ملك الأراجون بإيزابيلا ملكة قشتالة برزت دولة مسيحية قوية في إسبانيا، وضمت القوات المسيحية الأخرى إليها وعمدت إلى مهاجمة دولة بني الأحمر في جنوب إسبانيا، ثم إن المسيحيين الذين احتلوا غرناطة في تاريخ ١٤٩٢م قتلوا كل من ظهر أمامهم من مسلمي المدينة بوحشية وهمجية، إلى جانب ذلك فقد دمروا وخربوا ما أوجده المسلمون من نتاج الحضارة طوال مائة سنة، وأحرق عدد لا يحصى من الكتب، وهدمت المكتبات والمدارس والجوامع والقصور وسُوِّيت مع الأرض.

 سقطت غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس في الثاني من كانون الثاني ١٤٩٢م (٨٩٧ هجري) ، بتوقيع آخر ملوكها أبي عبد الله الصغير معاهدة استسلام مهينة مع الملكين الكاثوليكيين فرديناند وإيزابيلا، وانتهت بذلك الخلافة الإسلامية في الأندلس.

ومما يُحكى ــ مع الشك في صحة الحكاية ــ أن أبا عبد الله الصغير وقف على تلة تطلّ على أراضي غرناطة بعد تسليمها يبكي ليسمع أمه الأميرة عائشة الحرة تقول: “ابكِ كالنساء مُلكاً لم تحافظ عليه مثل الرجال”.

وقد رثا الأندلسَ أبو البقاء الرّندي في قصيدةٍ بديعةٍ جميلةٍ كان مطلعها:

لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ

فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ

هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ

مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ

ومن أبياتها أيضاً:

تَبكِي الحَنيفِيَّةُ البَيضَاءُ مِن أَسَفٍ

كَما بَكى لِفِراقِ الإِلفِ هَيمَانُ

عَلى دِيارٍ منَ الإِسلامِ خالِيَةٍ

قَد أَقفَرَت وَلَها بالكُفرِ عُمرانُ

حَيثُ المَساجِدُ قَد صارَت كَنائِس ما

فيهِنَّ إِلّا نَواقِيسٌ وصلبانُ

حَتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامِدَةٌ

حَتّى المَنابِرُ تَبكي وَهيَ عيدَانُ

مكانة الأندلس في الثقافة والحضارة الإسلامية

برزت في الأندلس نتائج بالغة الأهمية للفكر والثقافة والفن الإسلامي على الرغم من الاضطرابات الداخلية المتنوعة، والضغوطات المسيحية الخارجية، وقد قام الحكَم الثاني بحماية وتطوير المناخ العلمي الذي أرسى أسُسَه أبوه عبد الرحمن الثالث، حيث تحولت كل المدن الإسلامية وبلداتها على رأسها المدينة الزهراء وإشبيلية وغرناطة أماكن مزدهرة ذات حضارة ورخاء.

وأنتجت الأندلس أعلاماً كباراً في العلوم والفنون مازالت أسماؤهم تتردد على أسماعنا حتى الآن، وما ابن باجة وابن طفيل و ابن رشد والإدريسي وابن عربي وابن حزم وابن حلبون وغيرهم كثير إلا نماذج لمن قطن الأندلس أو نشأ فيها.

وهكذا فقد غدت الأندلس مشعلاً لأفكار وآراء هؤلاء العلماء الذين قدموا آثاراً هامة في العديد من الفروع كالعلوم الإسلامية والفلسفة والطب وعلم النبات والجغرافيا والتاريخ لسائر الدول الإسلامية و أوروبا أيضاً.

المسلمون بعد سقوط الأندلس (الموريسكوس)

وفي الختام يحسن أن ننقل المقولة المشهورة التي تقول: “العبرة بنوعية الرجال لا بعددهم” فالأندلس التي فُتحت باثني عشر ألف رجل

سقطت وفيها أكثر من مليون مسلم كما يُقال؛ وذاك السقوط يمثل غصة في قلب كل ذي غيرة على أمجاد المسلمين وعزتهم وحضارتهم العريقة في تلك البلاد التي تشهد لها الدنيا بأسرها.

خاتمة

وفي الختام يحسن أن ننقل المقولة المشهورة التي تقول: “العبرة بنوعية الرجال لا بعددهم” فالأندلس التي فُتحت باثني عشر ألف رجل

سقطت وفيها أكثر من مليون مسلم كما يُقال؛ وذاك السقوط يمثل غصة في قلب كل ذي غيرة على أمجاد المسلمين وعزتهم وحضارتهم العريقة في تلك البلاد التي تشهد لها الدنيا بأسرها.

الأسئلة الشائعة عن دولة الأندلس الأموية

من فاتح الأندلس؟

ـ طارق بن زياد.

متى فتحت الأندلس؟

ـ في (٢٨ رمضان٩٢ه‍ـ، ١٥ تموز ٧١١م).

في زمن أي خليفة فتحت الأندلس؟

ـ في عهد الوليد بن عبد الملك.

ما الاسم القديم لجبل طارق؟
جبل كالبي.
من الذي قاد الحملة الاستطلاعية التي أرسلها موسى بن نصير بهدف الاستطلاع إلى السواحل الجنوبية للأندلس؟

ـ طريف بن مالك.

ما جزيرة طريف، وأين تقع، ولماذا سميت بذلك؟

ـ هي إحدى بلديات مقاطعة قادس، التي تقع في منطقة الأندلس جنوب إسبانيا وسميت على اسم القائد الفاتح طريف بن مالك الذي مر بها.

كم كان عدد جيش المسلمين في معركة وادي لكة مقابل جيش لذريق؟

ـ ١٢٠٠٠ جندي مسلم مقابل ١٠٠٠٠٠ جندي قوطيّ.

كم استمرت معركة وادي لكة؟

ـ ثمانية أيام

كم استمر الحكم الإسلامي في الأندلس؟

ـ ثمانية قرون.

من القائد الذي أنقذ الأندلس من خطر النصارى ووحدها مع المغرب؟

ـ يوسف بن تاشفين.

من قائد المسلمين في معركة الزلاقة؟

ـ يوسف بن تاشفين.

من آخر حاكم في الأندلس؟

ـ أبو عبد الله الصغير.

من المؤسس الثاني للدولة الأموية؟

 ـ عبد الرحمن الثالث.

إلى كم دولة قسمت الأندلس في عهد ملوك الطوائف؟

ـ إلى ٢٣ دولة.

ما أهم دول الطوائف؟

 ـ غرناطة وإشبيلية وطليطلة وسرقسطة.

ما محاكم التفتيش؟

ـ المحاكم الكاثوليكية التي ارتكبت الفظائع بمسلمي الأندلس بأفعالها وقراراتها، ومارست عليهم شتى أنواع التعذيب والقتل.

الكاتب: أ. بشار حمو

شارك المقال مع اصدقـائك:

zuolfa app

سجل معنا وابدأ تجربة تطبيق زلفى لتعلم القرآن واللغة العربية

إذا كنت ولي أمر ترغب في تعلم ولدك أو تعلمك بنفسك تلاوة القرآن الكريم أو اللغة العربية عن طريق تطبيق زلفى
شارك معنا اسمك ورقم هاتفك (وتساب) وترقب تواصلنا معك لنمنحك فرصة تجريب التطبيق

تسجيل سريع

لوغو منصة زلفى التعليمية

نسعى نحو العلوم زلفى
تعلم – استمتع – نافس

لنبقى على تواصل
حمل تطبيق زلفى الآن

جميع الحقوق محفوظة © 2025 منصة زلفى