fbpx

شهر رمضان المبارك

شهر رمضان هو الشهر التاسع في التقويم الهجري، وهو شهر مميز لدى المسلمين؛ إذ أُنزل فيه القرآن على النبيّ محمد صلىّ الله عليه وسلّم في ليلة القدر إحدى ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان.

شهر رمضان هو شهر هام في التقويم الإسلامي، إذ يعد شهر الخير والتقوى والإحسان، ونحن نستعد في هذه الأيام المباركة لاستقبال هذا الشهر العظيم المبارك، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتضاعف فيه الحسنات، وتُقال فيه العثرات، شهر تجاب فيه الدعوات، وترفع فيه الدرجات، وتغفر فيه السيئات،

شهر يجود الله فيه سبحانه على عباده بأنواع الكرامات، ويجزل فيه لأوليائه الأعطيات، شهر جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام، فصامه المصطفى ﷺ، وأمر الناس بصيامه، وأخبر أن من صامه  إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حُرم خيراً عظيماً.

 فكان استقبال هذا الشّهر الفضيل لدى المسلمين بالفرح والسرور والعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه والمسابقة فيه إلى الخيرات والمبادرة فيه إلى التوبة النصوح من سائر الذنوب والسيئات، والتناصح والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى كل خير ليفوزوا بالكرامة والأجر العظيم.

جدول المحتويات

أصل كلمة (رمضان)

أصل كلمة (رمضان) في اللغة العربية القائم على ثلاثي (رمض)، ومهما تغيّر ترتيب حروفه وتغيرت معه الكلمة يظل المعنى واحداً في جميع الأشكال، وجميعها تشير إما إلى نوع من الشدة، وإما النار والحر، وإما المكابدة والسقم.

وهو من جماليات اللسان العربي الذي يمنح لنوعية من الحروف سياقاً دلالياً شبه موحّد في عدد كبير من الكلمات، ومنها (الرمض) الذي جاء منها اسم الشهر الكريم(رمضان) شهر الصوم عند المسلمين، ويخرج منها بقلب الحروف وتبديل مواقعها الكلمات التالية: (رضَمَ، مضرَ، مرض، ضرم، ضمرَ)، فتصبح الكلمات ستاً مع رمض، ومع تغيير وقلب مكان جميع الحروف يظل المعنى في الشدّة أو ما هو من فئتها.

فـ(رمضَ) التي منها جاءت كلمة (رمضان)، فالرّمض هو شدّة وقع الشمس على الرمل وغيره، ويقال إنه حرّ الحجارة من شدة حرّ الشمس، ويقال هو الحرّ، والرمضاء اسم للأرض شديد الحرارة،

شهر رمضان

ثم اشتقت أفعال واستعارات، فالترمُّضُ هو صيد الظبي في وقت الهاجرة؛ يقول تاج العروس ويشرح: وهو أن تتبعه حتى إذا تفسخت قوائمه من شدة الحر أخذتَه. وإذا اشتدّ حر اليوم يقال: رمض يومنا. ورمضت قدماه، احترقتا من شدة الحر، والشمس رمضاء أيضاً، وكان اسم رمضان في اللغة القديمة -كما ينقل التاج- هو (ناتق)، فوافق ناتقٌ وهو اسم رمضان في اللغة القديمة أيام زمن الحر والرمض، فسمّي به.

وعن معنى (رمضان) في اللّغة العربيّة يمضي أقدم قواميس العربية(العين) قائلاً: الرمضُ حرّ الحجارة من شدة حر الشمس، والاسم الرمضاء.

ويقول تاج العروس: الرمضاء اسمٌ للأرض شديدة الحرارة، لكن إطلاق اسم رمضان على شهر الصوم وما اشتمله من معنى حرّ الشمس لا يتّسق مع حقيقة أن هذا الشهر قد يأتي في أحد فصول السنة الباردة أو الماطرة.

شهر رمضان شهر القرآن

نزل القرآن الكريم في شهر رمضان فَصَار أفضل الشّهور، يقول الداعية الإسلامي عبد الرشيد صوفي: “إن الله تبارك وتعالى اختص القرآن بأمر عظيم، فهو أعظم هدية وأكبر منّة على الأمة المحمدية، وعلى نبيها ﷺ الذي ختم الله به الأنبياء، وقد اختص الله هذه الأمة بهذه الآية الخالدة العظيمة القرآن الكريم”.

وعن سبب تسمية رمضان شهر القرآن قال صوفي: “لو تأملت أن الله ذكر في كتابه قصصاً من الأنبياء، أعطاهم الله سبحانه وتعالى معجزات، وهذه المعجزات كانت آنية وقتية وانتهت، مثل عصا موسى عليه السلام، ناقة صالح وغيرها”.

وأضاف: “بينما جعل الله معجزة نبينا محمد ﷺ ومنقبة هذه الأمة قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة، فالربط ها هنا بين شهر رمضان هو نزول القرآن فيه”.

وتابع: “وما صاحب القرآن شيء إلا وشرّفه، نزل في شهر رمضان فصار أفضل الشهور عند الله تبارك وتعالى وأعظمه، وخصّه الله بالذكر ما لم يخصّ به شعبان ولا ذي القعدة ولا غيرها” {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} ( البقرة : ١٨٥).

وأشار صوفي إلى أن الله سبحانه إذا خصّ شيئًا بالاسم كان له هذه المنقبة لصحبة القرآن.

وختم بقوله: “الله تعالى أنزل القرآن على مكة فصارت أفضل البلاد والمدينة، وأنزله على قلب نبينا محمد ﷺ فكان أفضل الأنبياء، وأنزله في ليلة معينة فكانت أفضل ليلة، فالبركة ها هنا تعود إلى القرآن”.

فوائد صيام شهر رمضان المُبارك

وفي الصيام فوائد كثيرة وحكم عظيمة، منها تطهير النفس وتهذيبها وتزكيتها من الأخلاق السيئة كالأشر والبطر والبخل، وتعويدها على الأخلاق الكريمة كالصبر والحلم والجود والكرم ومجاهدة النفس فيما يرضي الله ويقرب لديه.

ومن فوائد الصوم أنه يعرف العبد نفسه وحاجته وضعفه وفقره لربه، ويذكره بعظيم نعم الله عليه، ويذكره أيضاً بحاجة إخوانه الفقراء، فيوجب له ذكر شكر الله سبحانه، والاستعانة بنعمه على طاعته، ومواساة إخوانه الفقراء والإحسان إليهم، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذه الفوائد في قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:١٨٣]،

فأوضح سبحانه أنه كتب علينا الصيام لنتقيه سبحانه فدل ذلك على أن الصيام وسيلة للتقوى، والتقوى هي طاعة الله ورسوله بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه عن إخلاص لله عز وجل، ومحبة ورغبة ورهبة، وبذلك يتقي العبد عذاب الله وغضبه، فالصيام شعبة عظيمة من شعب التقوى، وقربى إلى المولى عز وجل، ووسيلة قوية إلى التقوى في بقية شؤون الدين والدنيا.

وقد أشار النبي ﷺ إلى بعض فوائد الصوم في قوله ﷺ: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء”. البخاري ٥٠٦٥، ومسلم ٤١٢ واللفظ له.

فبيَّن النبي ﷺ أن الصوم وجاء للصائم، ووسيلة لطهارته وعفافه، وما ذاك إلا لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، والصوم يضيق تلك المجاري ويذكر بالله وعظمته، فيضعف سلطان الشيطان ويقوى سلطان الإيمان وتكثر بسببه الطاعات من المؤمنين، وتقل به المعاصي.

وفي الصوم فوائد كثيرة غير ما تقدم تظهر للمتأمل من ذوي البصيرة، ومنها أنه يطهر البدن من الأخلاط الرديئة ويكسبه صحة وقوة، وقد اعترف بذلك الكثير من الأطباء وعالجوا به كثيراً من الأمراض.

وقد ورد في فضله وفرضيته آيات وأحاديث كثيرة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ۝ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ} [البقرة:١٨٣، ١٨٤] إلى أن قال عز وجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ  يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} البقرة:١٨٥ .

وفي الصحيحين [البخاري ٨، ومسلم ٧] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: “بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت.”

وقد ثبت عنه ﷺ أنه قال: “كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف، يقول الله عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك”. أخرجه مسلم ٢٧٦٠

وفي الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: “إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وسلسلت الشياطين”. أخرجه مسلم ٢٥٤٩.

وأخرج الترمذي ٦٨٢، وعن النبي ﷺ أنه قال: “إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة “.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: ” من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه”. البخاري ٣٨، ومسلم ١٨١٧

وثبت عنه ﷺ أنه كان في الغالب لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً، وثبت عنه ﷺ أنه في بعض الليالي صلى ثلاث عشرة ركعة.

وليس في قيام رمضان حد محدود، لقول النبي ﷺ لما سئل عن قيام الليل قال: “مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة واحدة توتر له ما قد صلى”. رواه أحمد ٤٤٩٢.

ولم يحدد ﷺ للناس في قيام الليل ركعات محدودة، بل أطلق لهم تلك، فمن أحب أن يصلي إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، أو ثلاثاً وعشرين، أو أكثر من ذلك أو أقل فلا حرج عليه، ولكن الأفضل هو ما فعله النبي ﷺ وداوم عليه في أغلب الليالي، وهو إحدى عشرة ركعة مع الطمأنينة في القيام والقعود والركوع والسجود وترتيل التلاوة، وعدم العجلة، لأن روح الصلاة هو الإقبال عليها بالقلب والخشوع فيها، وأداؤها كما شرع الله بإخلاص وصدق ورغبة ورهبة وحضور قلب.

قال سبحانه: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ۝ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:٢،١]

وقال النبي ﷺ: “وجعلت قرة عيني في الصلاة”، وقال للذي أساء في صلاته: ” إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها”. البخاري ٦٢٥٢، ومسلم ٩١٢.

هل شهر رمضان هو شهر الصّيام عن الطّعام والشّراب فقط؟

شهر رمضان شهرٌ عظيم جعله الله ميداناً لعباده، يتسابقون إليه فيه بالطاعات، ويتنافسون فيه بأنواع الخيرات، والإكثار فيه من الصلوات والصدقات وقراءة القرآن الكريم والإحسان إلى الفقراء والمساكين والأيتام، وقد كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وعلى المسلمين كذلك حفظ صيامهم عما حرمه الله عليهم من الأوزار والآثام، فقد صح عن النبي ﷺ أنه قال: “من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”. [رواه البخاري ١٩٠٣]،

وقال عليه الصلاة والسلام: “الصيام جنة، وإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ سابه أو شتمه فليقل: إني صائم”، وجاء عنه ﷺ أنه قال: “ليس الصيام عن الطعام والشراب وإنما الصيام من اللغو والرفث”. رواه الحاكم ١٥٧٠، والبيهقي.

وقال جابر عبدالله الأنصاري رضي الله عنه: “إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار وليكن عليك وقار وسكينة، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء”.

فينبغي للصائم الإكثار من الصلوات والصدقات والذكر والاستغفار، وسائر أنواع القربات في الليل والنار، اغتناماً للزمان ورغبة في مضاعفة الحسنات، ومرضاة فاطر الأرض والسماوات،

والحذر من كل ما ينقص الصوم، ويضعف الأجر، ويغضب الرب عز وجل من سائر المعاصي، كالتهاون بالصلاة والبخل بالزكاة وأكل الربا وأكل أموال اليتامى، وأنواع الظلم وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، والغيبة والنميمة، والكذب، وشهادة الزور، والدعاوى الباطلة، والأيمان الكاذبة، وتبرج النساء، وعدم تسترهن من الرجال، والتشبه بنساء الكفرة في لبس الثياب القصيرة، وغير ذلك مما نهى الله عنه ورسوله ﷺ.

وهذه المعاصي التي ذكرنا محرمة في كل زمان ومكان، ولكنها في رمضان أشد تحريماً، وأعظم إثماً، لفضل الزمان وحرمته.

ومن أقبح هذه المعاصي وأخطرها على المسلمين ما ابتلي به كثير من الناس من التكاسل عن الصلوات والتهاون بأدائها في الجماعة في المساجد، ولا شك أن هذا من أقبح خصال أهل النفاق ومن أسباب الزيع والهلاك، قال الله تعالى: {إنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:142]، وقال النبي ﷺ:  “من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر” رواه ابن ماجة ٧٩٣وابن حبان ٢٠٦٤ والحاكم ٨٩٤

وقال رجل أعمى: يا رسول الله إني بعيد الدار عن المسجد وليس لي قائد يلائمني، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي ﷺ: “هل تسمع النداء للصلاة؟” قال: نعم، قال: “فأجب”.

وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه(وهو من كبار أصحاب رسول الله ﷺ): “لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة في الجماعة إلا منافق معلوم النفاق أو مريض”.

وقال _ رضي الله عنه_: “لو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم”.

ومن أخطر المعاصي اليوم أيضاً ما بلي به الكثير من الناس من استماع الأغاني وآلات الطرب وإعلان ذلك في الأسواق وغيرها، ولا ريب أن هذا من أعظم الأسباب في مرض القلوب وصدها عن ذكر الله وعن الصلاة وعن استماع القرآن الكريم والانتفاع به، ومن أعظم الأسباب أيضاً في عقوبة صاحبه بمرض النفاق والضلال عن الهدى كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} لقمان:٦

ولقد فسر أهل العلم “لهو الحديث” بأنه الغناء وآلات اللهو وكل كلام يصد عن الحق، وقال النبي ﷺ: “ليكوننَّ من أُمَّتي أقوام يَستحلُّونَ الْحِرَ والحَريرَ والخمر والمعازِف” رواه البخاري ٥٥٩٠، وأبو داود ٤٠٤١.

والحر هو الفرج الحرام، والحرير معروف، والخمر هو كل مسكر، والمعازف هي الغناء وآلات الملاهي كالعود والكمان وسائر آلات الطرب، والمعنى أنه يكون في آخر الزمان قوم يستحلون الزنا ولباس الحرير وشرب المسكرات واستعمال الغناء وآلات الملاهي، وقد وقع ذلك كما أخبر به النبي ﷺ وهذا من علامات نبوته ودلائل رسالته عليه الصلاة والسلام.

وقال عبدالله بن مسعود _ رضي الله عنه_: “إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع”.

فاتقوا الله أيها المسلمون واحذروا ما نهاكم الله عنه ورسوله، واستقيموا على طاعته في رمضان وغيره، وتواصوا بذلك وتعاونوا عليه لتفوزوا بالكرامة والسعادة والعزة والنجاة في الدنيا والآخرة.

ذكر شهر رمضان الكريم في القرآن الكريم

ذُكر شهر رمضان مرة وحيدة في القرآن الكريم، وورد في سورة البقرة بالآية رقم ١٨٥، قال تعالى: { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}.

بيّن الله في هذه الآية فضل الشهر وأهميته في الإسلام، فهو الشهر الذي نزل فيه القرآن على سيدنا محمد، وبه يهدي الناس إلى الحق ويوضح لهم الأحكام والتشريعات والفرق بين الحلال والحرام والحق والباطل، ويأمر الله في الآية المسلمين الذين أدركوا الشهر أن يصوموا، مع رخصة للمريض والمسافر في الإفطار وقضاء أيام أخرى.

أما الصيام فورد في أكثر من موضع من القرآن الكريم، منها الخاص بصيام رمضان، ومنها عن الصيام في العموم.

ورد صيام رمضان في الآية رقم ١٨٥ من سورة البقرة فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

وذُكر الصيام أيضاً في سورة مريم في أمر الله السيدة مريم بالصيام عن الكلام في حال رؤيتها أي شخص، قال تعالى: {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ  صَوْمًا  فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا}.

وورد لفظ الصيام في سورة المجادلة في بيان كفارة الظهار قال تعالى: { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ  فَصِيَامُ  شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}.

أما عن الآيات التي نزلت في شهر رمضان فالقرآن الكريم نزل كاملًا من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في شهر رمضان بليلة القدر، ثم نزل على النبي مفرقًا، ونزلت العديد من الآيات القرآنية في شهر رمضان المبارك، فأول آيات نزلت على النبي كانت في رمضان وهي أول خمس آيات من سورة القَدر، وسورة الأنفال نزلت في رمضان وتحديداً في السنة الثانية من الهجرة عقب غزوة بدر، بسبب الخلاف على الغنائم واستثنى بعض العلماء عدداً من الآيات منها التي قيل إنها نزلت بعد ذلك في مكة.

غزوات وأحداث في رمضان

  1. غزوة بدر وحدثت في ١٧رمضان سنة ٢ هـ، وهي أولى غزوات النبي صلى الله عليه وسلم. 
  2. فتح مكة.
  3. عودة النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك.
  4. معركة بلاط الشهداء عام ١١٤هـ.
  5. فتح عمورية سنة٢٢٣هـ.
  6. فتح حارم.
  7. عين جالوت.
  8. غزوة تبوك إحدى أهم غزوات رمضان التي جرى جزء من أحداثها في شهر رمضان المبارك في العام التاسع الهجري، وهي أخر غزوة قادها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسميت غزوة تبوك بهذا الاسم نسبة إلى (عين تبوك) التي انتهى إليها جيش المسلمين واستقروا عندها في طريقهم لملاقاة جيش الروم.

ومن أعظم الفتوحات العظيمة في شهر رمضان المبارك أمّ المعارك الكبرى في تاريخ الإسلام العظيم (غزوة بدر الكبرى) التي حدثت في١٧ رمضان من العام الثاني للهجرة.

الخاتمة

في خاتمة مقالنا نتوجّه بالنّصح إلى كل مسلم صادق لاغتنام هذا الشهر الكريم في تنويع صور العبادة والقيام بأنواع الطاعات طلباً لرضى رب الأرض والسموات، فيكثر المسلم فيه من قراءة القرآن والذكر ولزوم المساجد والاعتكاف فيها

لا سيما العشر الأواخر منه، وكذلك على صلة الرحم في هذا الشهر المبارك والإكثار من التصدق والإحسان إلى الفقراء والمحتاجين، ونوصيهم وأنفسنا بالابتعاد عن أسباب الفساد والمعاصي التي تضيع الأوقات مثل التلفاز والجلوس على مواقع التواصل الاجتماعي في غير ما فائدة، سائلين الله جلّ وعلا أن يوفقنا وإيّاكم إلى كل خير، ويصرفنا عن كل شر إنه بكل خير كفيل وعلى كل شيء قدير.

نسأل الله أن يتقبل منا جميعاً صيامنا وقيامنا، وأن يصلح ولاة أمر المسلمين وأن ينصر بهم دينه ويخذل بهم أعداءه، وأن يوفق الجميع للفقه في الدين والثبات عليه والحكم به والتحاكم إليه في كل شيء إنه على كل شيء قدير، نسأل الله أن يعيننا جميعاً على صيامه وقيامه، وأن يتقبل منا فيه صالح الأعمال، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله  وصحبه أجمعين.

الأسئلة الشائعة عن شهر رمضان المبارك

ما أصل كلمة (رمضان)؟

أصل كلمة رمضان القائم على ثلاثي (رمض) يشير إما إلى نوع من الشدة، أو النار والحر، أو المكابدة والسقم، جاء منها اسم الشهر الكريم(رمضان) شهر الصوم عند المسلمين.

ما فوائد صيام شهر رمضان المُبارك؟

من فوائد الصوم أنه يعرف العبد نفسه، وحاجته وضعفه وفقره لربه، ويذكره بعظيم نعم الله عليه، ويذكره أيضاً بحاجة إخوانه الفقراء فيوجب له ذكر شكر الله سبحانه، والاستعانة بنعمه على طاعته وتقواه.

كم مرّة ذُكر شهر رمضان المبارك في القرآن الكريم، وفي أيّ سورة ذُكِر؟

ذُكر شهر رمضان في القرآن الكريم مرة واحدة فقط في سورة البقرة، وذلك في قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن }.

ما أهمّ الأحداث والغزوات التي حدثت في شهر رمضان؟

غزوة بدر وحدثت في ١٧ رمضان سنة ٢ هـ، وفتح مكة، وعودة النبي  _صلى الله عليه وسلم _ من غزوة تبوك، ومعركة بلاط الشهداء عام ١١٤هـ، وفتح عمورية سنة ٢٢٣هـ، وفتح حارم، وعين جالوت.

الكاتب: أ. شرهان صالح

شارك المقال مع اصدقـائك: