fbpx

طريقة حفظ القرآن - 10 خطوات لحفظ القرآن الكريم

تحدثنا في مقال حفظ القرآن عن ماهية حفظ القرآن، وأهميته، ومزايا حافظ القرآن.
ولكن كثيراً من الناس يستصعبون هذا الأمر، ويعدّون حفظ القرآن عملاً شاقاً يحتاج إلى جهد كبير وصبر عظيم، وكثير من الراغبين في الحفظ يسألون عن أفضل طريقة لحفظ القرآن الكريم، وكأنها وصفة سحرية مَن أتى بها تحقق له مراده.

سنتعرف في هذا المقال على طريقة حفظ القرآن تساعد الراغب في الحفظ على ترتيب حفظه وتنظيمه، ليكون مثمراً وفعالاً.

جدول المحتويات

خطوات حفظ القرآن

لا بدّ أن يُعلم أولاً أن حفظ القرآن الكريم هو توفيق من الله تعالى، فليس كل إنسان يصطفيه الله تعالى ليجعل كلامه محفوظاً في صدره، فلا بد من الاستعانة بالله تعالى، وإخلاص النية له قبل الشروع في هذا العمل العظيم.
ولا بد لمريد الحفظ من صدق النية وإخلاصها لله تعالى في الحفظ، وهذا ما بسطنا شرحه في مقال (نية حافظ القرآن).
كذلك لا بد لمريد الحفظ من إدامة الدعاء والتضرع لله تعالى بأن ييسّر عليه الحفظ، ويهوّن عليه المراجعة ليبقى هذا المحفوظ مستحضراً في الذهن.

وليتحرَّ الأوقات التي هي مظنّة الإجابة كوقت السحر، والساعة الأخيرة من الجمعة وغيرها…، وليعتقد الاعتقاد الجازم بأن التوفيق كلَّ التوفيق من الله تعالى، فمن حُرم هذا التوفيق بمعصية، أو سوء نية في الحفظ، أو إساءة لأحد الخلق فلن تنفع معه أي طريقة، ولن تجدي معه أي وسيلة لحفظ القرآن الكريم.

طريقة حفظ القرآن

طريقة حفظ القرآن الكريم

قبل ذكر طريقة حفظ القرآن الكريم التي يُنصح بها، يجب التنويه إلى أن حفظ القرآن الكريم ليس وصفة سحرية من أتى بجميع خطواتها نجح في الحفظ، ومن أخلَّ ببعض خطواتها فسيفشل في الحفظ، بل هو في المقام الأول توفيق من الله تعالى، وفضل ومنة كما أسلفنا، فقد يوفق الله عبداً لحفظ كتابه بأقل مجهود ودون أن يمر على بعض الخطوات التي سنذكرها، وفي المقابل قد يطبق عبدٌ جميع الخطوات المذكورة، ولكنه يفقد توفيق الله تعالى له بسبب معصية أو شيء ما.

وتلعب الظروف المحيطة بالحافظ دوراً مهماً في مسيرة الحافظ؛ من دعم عائلي، وتفرغ في الوقت، وقدرة في الذهن، وغيرها مما يتفاوت الناس فيه. إلا أن الخطوات التي سنذكرها تُعدّ خطوات تفيد عامة الراغبين في الحفظ على اختلاف ظروفهم، وتؤتي أكلها بحسب الظروف التي تطبق فيها.

ستكون الخطوات التالية شرحاً لنظم شعري نظمه الدكتور محمود بن محمد الكبش

نظم قواعد حفظ القرآن

هاك هُديت العزم للتعلُّمِ

 

قواعداً للحفظ والتفهُّمِ

ذكرها الشيخ العُصيمي الصالحُ

 

نصحاً لنا -حقَاً- فنعم الناصحُ

أوَّلها: التعيينُ للمحفوظِ

 

من عالمٍ بالمتنِ والملفوظِ

وثانياً: إفراده بحفظِكا

 

فلا تُرى مشتتاً مرتبكا

ثمَّ اختيار نسخةٍ مجوَّدةْ

 

مع التزامها؛ تكون مفردةْ

ليحصل التصوير في الذهن، وقدْ

 

جُعل من أقوى الأساس المعتمدْ

واعمد إلى تقسيم محفوظٍ بلا

 

تكثيره، وكن له مقلِّلا

وصححِ اللفظَ بنطقٍ لائقِ

 

قبل التزام حفظهِ، وسابقِ

سادسها: تحفُّظُ المحفوظِ

 

أي: طلبُ الحفظِ لذا الملفوظِ

وذا يكون كاملاً بأربعةْ

 

كتابةٍ، ورفعِ صوتٍ، واسمعهْ

وربطهُ ببعضه متَّصلا

 

كي لا يكون حفظه منفصلا

سابعها: التَّكرار للتثبتِ

 

وذا يكون بعد حفظٍ؛ فاثبتِ

واعلم بأنَّ العلمَ بالتعلُّمِ

 

فاصبر؛ فإنَّ الحِلمَ بالتحلُّمِ

ثامنها: العرضُ على الشيوخِ

 

أو القرينِ من ذوي الرسوخِ

والتاسعُ: -الأقوى- هو: المذاكرةْ

 

مع مَن تراه يكره المسامرةْ

كي تحفظ الوقت الثمينَ، واجتنبْ

 

مثبِّطاً في العلم أو من ينتحِبْ

ختامها: التوفيقُ للمراجعةْ

 

بُعيدَ حفظ بعضه، وراجعَهْ

عند انتهاء كلِّه كذلكاَ

 

واخترْ له وقتاً يُرى مباركا

شرح نظم قواعد حفظ القرآن الكريم

والآن نشرع في شرح النظم السابق:
ناظم الأبيات السابقة هو الدكتور محمود بن أحمد الكبش، وهي نظم لما ذكره الشيخ صالح العصيمي من قواعد عشرة لحفظ القرآن الكريم، وغيره من المتون العلمية.

القاعدة الأولى:

أوَّلها: التعيينُ للمحفوظِ من عالمٍ بالمتنِ والملفوظِ

تعيين المحفوظ بمعرفة ما يُحفظ أولاً وما يؤخّر حفظه، فلا يحفظ طالب العلم المبتدئ متناً علمياً للمتقدمين دون أن يمر على متون المبتدئين.

فلا يبدأ الطالب تعلم اللغة العربية بحفظ متن (الخلاصة) المعروف بألفية ابن مالك، دون أن يمر على الآجرومية.

ولا يبدأ الطالب تعلّم مصطلح الحديث بحفظ ألفية العراقي في الحديث قبل أن يمر على (البيقونية).

وهذا التدرج يحتاج الطالب إلى من ينبهه ويرشده إليه، وهو من سبقه في طلب العلم أو العالم.

أما بالنسبة لحفظ القرآن الكريم فيُنصح فيه أيضاً بالتدرج، فيبدأ الطالب بحفظ قصار السور، ثم السور المسنون تلاوتها: كالملك والسجدة والكهف وآية الكرسي وأواخر سورة البقرة وغيرها…

ثم يشرع في حفظ القرآن من أوله إلى آخره، (وبعض المدارس تنتهج نهج حفظ القرآن من آخره إلى أوله)، وفي كلٍّ خير.

القاعدة الثانية:

وثانياً: إفراده بحفظِكا فلا تُرى مشتتاً مرتبكا

إفراد المحفوظ بالحفظ: وهذا آكد في حق الطالب المبتدئ الذي لم يتمرس بعدُ على الحفظ، فينبغي في حقه أن يركز على شيء واحد يحفظه؛ فإن بدأ بحفظ القرآن فلا يجعل معه شيئاً آخر يحفظه، فيشغله عن حفظ القرآن.

لأن الحفظ – كما سيمر معنا – يحتاج إلى تكرار ومراجعة دائمة، وهذا قد يقلّ قدره إذا ما دخل مع حفظ القرآن حفظ شيء آخر.

إلا بعض الطلبة المتقدمين في الحفظ والذين صارت لهم دربة ومهارة في الحفظ، فلا يمنع أن يقرنوا بين محفوظين اثنين، لأنهم أتقنوا عملية الحفظ وعرفوا كيف يطبقوها على كل ما يريدون حفظه.

  1. القاعدة الثالثة:

ثمَّ اختيار نسخةٍ مجوَّدةْ مع التزامها؛ تكون مفردةْ
ليحصل التصوير في الذهن، وقدْ جُعل من أقوى الأساس المعتمدْ

اختيار نسخة مجوَّدة للحفظ: بأن يكون الكتاب الذي تحفظ منه كبيراً بشكل كافٍ، واضح الخط، سليم الطباعة، مضبوط الشكل، فلا يضطر الطالب إلى تدقيقه أو تصحيح ما فيه من خطأ.

وهذا في نسخ القرآن الكريم – غالباً – متحقق بسبب انتشار النسخ المتقنة الرسم الممتازة الطباعة.

وينبغي التنبه إلى اختيار نسخة واحدة من القرآن للحفظ، لأن بعض النسخ تتفاوت فيما بينها من حيث تموضع الكلام، وترتيب الصفحات، وحجم الخط ولونه، وغير ذلك…، إذ إن الحفظ يعتمد أساساً على تصور الشيء المحفوظ في الذهن، فالحافظ من نسخة واحدة سيجد نفسه بعد مدة متذكراً لموضع كل كلمة من الصفحة، وشكل حروفها ولونها (إن كان المصحف ملوناً)، أما إن كان يحفظ كل مرة من نسخة مختلفة فسيفقد هذه الميزة المهمة للحفظ؛ أعني ميزة تصور المحفوظ في الذهن.

ومما شاع في هذا العصر استخدام المصاحف الإلكترونية في الأجهزة الذكية، وهذا لا يُنصح به إلا حال الاضطرار لأن النسخ الإلكترونية غالباً صغيرة الحجم، ولأنه الحافظ لا بد أن يعرض له في جهازه ما يشغله أثناء الحفظ فينصرف عنه أو يتشتت ذهنه، فالأصل أن يحفظ الطالب من نسخة مطبوعة خاصة به.

القاعدة الرابعة:

واعمد إلى تقسيم محفوظٍ بلا تكثيره، وكن له مقلِّلا

تقسيم المحفوظ وتقليله: هاتان قاعدتان مجموعتان في قاعدة واحدة.

فتقسيم المحفوظ يعني أنك إذا أردت حفظ أي مقدار فلا بد من تقسيمه إلى أجزاء صغيرة، فمثلاً لو أردت حفظ وجه واحد من القرآن فيمكن تجزيئه بحسب الآيات إن كانت الآيات متوسطة الحجم (من سطر إلى سطرين) كما يمكن تقسيم الآيات الطويلة أيضاً إلى أجزاء صغيرة، فيبدأ بحفظ الجزء الصغير ولا ينتقل إلى الجزء الثاني حتى يتحقّق أنه قد حفظ الجزء الأول، ثم يجمع الجزء الأول والثاني قبل أن ينتقل إلى الثالث… وهكذا حتى يتم الوجه كاملاً، أما حفظ الوجه كله دفعة واحدة فيحتاج وقتاً أطول وجهداً أكبر لجمع كل هذا المحفوظ الجديد في الذهن.

أما تقليل المحفوظ فهذا أمر مهم للغاية، لأن الحفظ عملية يزيد حِملها مع الوقت، إذ كلما زاد المحفوظ زادت المسؤولية لتثبيته ومراجعته، والإنسان بطبعه قد يكون متحمساً للحفظ في البدايات، فيحفظ الصفحات الكثيرة في مُددٍ يسيرة، ولكنه بعد ذلك سيجد أن هذا الحفظ بدأ بالتفلت والنسيان، لأنه لم يعط المراجعة حقها، واهتم بالحفظ الكثير، فيشعر الحافظ عندها باليأس وربما يترك هذا الميدان بعد أن دخله متحمساً لقطعه في أسرع مدة، فإذا به يخرج منه بخفي حنين.

لذلك من الأهمية بمكان أن يُقلل الحفظ ويُهتم بالمراجعة أكثر، ليختبر الحافظ جلَده وصبره على هذا الطريق، فإذا ما كانت خطواته ثابتة راسخة زاد كمية الحفظ بشكل تدريجي على ألا يُخلَّ بجودة الحفظ وكثرة المراجعة.

وقد روت السيدة عائشة رضوان الله عليها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أحب العمل إلى الله أدومه وإن قلَّ”.

ويُنصح أن يُبدأ بحفظ الوجه الواحد فقط في اليوم، فإن أنهى الجزء الأول ووجد الحافظ نفسه مستحضراً لكامل محفوظه يمكنه أن يزيد في مقدار الحفظ إلى صفحتين، فإذا ما أنهى سورة البقرة وهو مستحضر لها بالكامل يمكنه زيادة الحفظ إلى ثلاث صفحات…، ولا حد لمقدار الزيادة، إنما القاعدة الذهبية هي أن تحفظ بشرط أن تكون مستحضراً لكل حفظك القديم، فإن لم يكن كذلك فتوقف عن الحفظ، وارجع إلى محفوظاتك السابقة، فثبتها خير لك.

وليُعلم أن الزيادة ليست واجبة؛ فيمكن للحافظ أن يلزم نفسه بمقدار ثابت من الحفظ من أول الختمة إلى آخرها ولا يزيد عليه أبداً، وهذا لا حرج فيه.

القاعدة الخامسة:

وصححِ اللفظَ بنطقٍ لائقِ قبل التزام حفظهِ، وسابقِ

تصحيح المحفوظ قبل حفظه: فهذه قاعدة سابقة للحفظ، وهي بمنزلة الوضوء من الصلاة، فالصلاة باطلة بغير وضوء، فكذلك الحفظ ضرره أكبر من نفعه لو حُفظ من دون تصحيح سابق له.

وتصحيح المحفوظ يعني قراءته قراءة صحيحة متقنة قبل حفظه، لأنه لو قُرئ خطأً فسيُحفظ خطأً، والحفظ الخطأ من أكثر ما يعاني منه الحفاظ؛ إذ إن الحفظ الأول هو أكثر ما يرسخ في الذهن، فإن كان فيه خلل بقي وعسُر كثيراً تصويبه، لذلك لا بد من البدء التزام تصحيحه.

ويكون ذلك بعدة طرق، منها: أن يقرأ الطالب ختماً كاملاً نظراً من المصحف يضبط فيه القراءة والتجويد ضبطاً تاماً ثم يشرع بعدها في عملية الحفظ، وهذا عمل طيب وجهد حسن وبه تأخذ كثير من مدارس التحفيظ؛ فلا تأذن لطلابها ببدء الحفظ قبل أن يقرؤوا ختمة الضبط والإتقان.

إلا أن هذا الأمر لا يعني أن الطالب لن يقرأ كلمة خطأً وقت الحفظ، لذلك لا بد من تصحيح المحفوظ بأمور أخرى كالاستماع للوجه المراد حفظه من شيخ متقن، أو عرض هذا المحفوظ قراءةً على حافظ له كشيخ أو طالب متقدم، فهذا يفيد كثيراً الطالب في التنبه إلى مواضع الخطأ قبل أن يشرع بالحفظ.

القاعدة السادسة:

سادسها: تحفُّظُ المحفوظِ أي: طلبُ الحفظِ لذا الملفوظِ
وذا يكون كاملاً بأربعةْ كتابةٍ، ورفعِ صوتٍ، واسمعهْ
وربطهُ ببعضه متَّصلا كي لا يكون حفظه منفصلا

تحفظ المحفوظ: يعد كل ما سبق قواعد سابقة للحفظ، والآن سنشرع في ذكر قواعد عملية الحفظ نفسها.

وهذه القاعدة لها أربعة أركان:

الركن الأول: الكتابة: وهذه عملية مهمة في الحفظ إلا أنه قلَّ من يتفطّن لها أو يعمل بها، وقد اشتهرت بلاد المغرب الإسلامي بتوارث هذه العادة في الحفظ، وهي أحد أسباب جودة حفظهم وشدة إتقانهم الذي لا ينكره أحد.

وعملية كتابة المحفوظ أهميتها تنبع من كون الحافظ يشرك أكثر من جارحة في عملية الحفظ؛ فالكاتب للمحفوظ يُشرك عينيه في عمليتي القراءة والكتابة، ويشرك يده في عملية الكتابة، ويشرك لسانه في نطق المكتوب، ويشرك عقله في التحقّق من صحة المكتوب ومطابقته للمنقول منه، فهذا كله مما يزيد الحفظ رسوخاً في الذهن.

ولكتابة القرآن الكريم فائدة لا تقل أهمية عن رفع جودة الحفظ، ألا وهي حفظ رسم المصحف إلى جانب حفظ منطوقه، فالذي لا يكتب المصحف أثناء حفظه ليس من السهل عليه استحضار كيفية رسم المصحف، بل لعله يخطئ في رسم بعض الكلمات لو طلب منه كتابتها رغم كونه حافظاً لها.

وما ذلك كله إلا لأنه لم يتمرس في عملية رسم المصحف التي تخالف في كثير من قواعدها الرسم الإملائي المتعارف عليه.

الركن الثاني: رفع الصوت: وهو امتداد للركن الأول، فقد ذكرنا أن إشراك أكثر من جارحة في عملية الحفظ يقوي الحفظ أكثر، ورفع الصوت فيه إشراك اللسان لنطق المحفوظ، وإشراك الأذنين في عملية الاستماع إلى النطق والحفظ الصحيح، ورفعُ الصوت بالمحفوظ قد ينبه الحافظ إلى كلمة ربما قرأها خطأً ولم يتفطن لها، ورفعُ الصوت والقراءةُ المتأنّية تُعوّد الحافظ على هذا النوع من القراءة، وهو أحد غايات الحفظ؛ إذا إن حفظ القرآن الكريم يكون للصلاة فيه، وإسماعه للناس، وهذا كله لا يكون بصوت خافت وسرعة في التلاوة. وكثيراً ما يأتي طالب يزعم أنه حفظ الوجه حفظاً متقناً، ولكنه أثناء عرض الوجه على الشيخ يقع في أخطاء كثيرة، وذلك لأنه حفظ بصوت خافت أو مضمر وبسرعة كبيرة.

الركن الثالث: سماع المحفوظ: وهو امتداد للركنين السابقين، وفيه إشراك للأذنين في عملية الحفظ.

وسماع المحفوظ له عدة غايات:

منها تصحيح المحفوظ كما بيَّنا في القاعدة الخامسة.

تصور صوت المحفوظ في الأذن، إذ إن كثيراً من الآيات التي يحفظها الحافظ مقرونة في السماع يتذكر الحافظ معها صوت القارئ كيف قرأها وتغنَّى بها.

لذلك يُنصح للحافظ أن يستمع إلى تلاوة قارئ واحد خلال عملية الحفظ للمقدار الواحد، ولا بأس في تنوع أصوات القرّاء في المحفوظات المتفرقة (أي إذا أردت حفظ وجه ما فاحفظه على صوت قارئ واحد ولا تنوع القراء لكي تحفظ صوت القارئ ونغمه في الوجه فيعينك على الحفظ، ولا حرج أن تسمع في اليوم الثاني الوجه الثاني بصوت آخر، فالمهم أن يكون الوجه أو المقدار الذي تحفظه في المرة الواحدة مسموعاً بتلاوة واحدة).

ومن المُسَلَّم به أن الاستماع يجب أن يكون لقارئ متقن للفظ مجوٌد للحرف غير مبالغ في الأداء، وليس إلى أولئك الذين يزعمون أنفسهم قراء فيجعلون القرآن أغنية يرفعون ويخفضون فيها صوتهم، وينغمون أداءهم بما يطرب الآذان، ويصرف القلب عن التفكر إلى حقيقة القرآن دون مراعاة لتجويد الحروف، ومراعاة الوقوف، أصلحهم الله وهداهم.

الركن الرابع: ربط المحفوظ بعضه ببعض: ربط المحفوظ بعضه ببعض: وهذا يكون على مستويين:

مستوى الوجه الواحد كما ذكرنا في القاعدة الرابعة في فقرة تقسيم المحفوظ؛ حيث ينبغي ربط هذه الأقسام بعضها ببعض أثناء حفظها، ولا ينتقل من قسم لآخر إلا بعد ربطه بكل ما سبقه.

مستوى المحفوظ كله: فعندما ينهي الحافظ حفظ وجهٍ ما يجب عليه أن يربطه بما سبقه من وجوه وبما بعده، فلا يكون الوجه كقطعة مستقلة منعزلة عما حولها.

وكثيراً ما يعاني الطلبة من هذه المشكلة، إذ تجد أكثرهم يحفظ الواجه حفظ متقناً من أوله إلى آخره، ولكنه لو طُلب منه تذكر الوجه السابق أو الوجه التالي، تفكر كثيراً، وأجهد عقله في التذكر، فإما أن يصل وإما لا.

أو عندما يُسأل هذا الطالب – كما في الاختبارات والمسابقات – من وسط الوجه أو آخره لم يعرف الطالب أين يقرأ وكيف يتابع، وذلك لأنه حافظ للوجه كقطعة واحدة منعزلة عمّا حولها.

لذلك لا بد من مراعاة هذا الأمر على صعيد المستويين، والثاني منهما آكد وأصعب ويحتاج جهداً أكبر لضبطه، ويُنصح للطالب أثناء حفظه للوجه أن يقرأ معه دائماً آخر آية من الوجه السابق وأول آية من الوجه التالي ليبقي حفظه متصلاً مترابطاً.

القاعدة السابعة:

سابعها: التَّكرار للتثبتِ وذا يكون بعد حفظٍ؛ فاثبتِ
واعلم بأنَّ العلمَ بالتعلُّمِ فاصبر؛ فإنَّ الحِلمَ بالتحلُّمِ

التَّكرار: بفتح التاء (فمن الشائع كسرها، وهذا خطأ)

التكرار هو إعادة قراءة الوجه المحفوظ مرات كثيرة عديدة لتثبيته في الذهن، ونقله من الذاكرة قصيرة الأمد إلى الذاكرة طويلة الأمد.

فعملوم أن ذاكرة الإنسان على نوعين: ذاكرة قصيرة الأمد، وتتميز بسرعة وسهولة تخزينها للمعلومة، ولكنها في المقابل لا تحتفظ كثيراً في المعلومات المخزنة؛ فإما أن تتخلص منها أو تنقلها إلى الذاكر طويلة الأمد التي تتميز ببطء وصعوبة تخزينها للمعلومة، ولكنها في المقابل تحتفظ بها لمدة طويلة.

وكثير من الحفاظ اليوم يحفظون الوجه ويكررونه بضع مرات فيحسبون أنفسهم حافظين له، إلا أنهم في الحقيقة حفظوه في الذاكرة قصيرة الأمد، فتراهم بعد مدة يسيرة قد تفلّت منهم ذلك الحفظ على رغم أنهم كانوا قبل ذلك يقرؤونه دون أي خطأ.

ولكن الحافظ المتقن هو الذي يكرر محفوظه مرات كثيرة دون كلل ولا ملل حتى ينقل حفظه إلى الذاكرة الطويلة الأمد ليتمكن من استرجاعه واستحضاره في أي وقت شاء.

ويقال في القاعدة الأصولية: “الغنم بالغرم”؛ أي: مقدار كسبك يكون بمقدار تعبك ومشقتك، فالحفظ المتقن يأتي بالتكرار المتعب والمشقة المضنية، بينما الحفظ المهلهل يأتي بالجهد اليسير.

ومعلوم أن التكرار عملية مملة للمرء الذي يحب دائماً التجديد، إلا أن العاقل يعرف قيمة التكرار في إتقان العمل وجودة الحفظ، لذلك حرص الناظم على دعوة الحافظ إلى الثبات على هذا الأمر لما يُعلم من معاناة الطلبة منه، وأوصانا الناظم بحكمة بليغة مشتقة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما العلم بالتعلّم، وإنما الحلم بالتحلّم”، فعملية التكرار عملية شاقة، ولكنها مع الدربة والممارسة تهون وتسهل على الحافظ حتى تصير بالنسبة له شيئاً يسيراً مذللاً.

أما عن مقدار التكرار فهذا لا حدّ له، وإنما يرجع إلى قدرة الطالب، ومقدار فراغه، ووجود من يُلزمه بهذا العمل…، ولكن لا شك أنه كلما زاد التكرار زاد الإتقان، فهما شيئان متناسبان طرداً يزدان معاً وينقصان معاً.

ولعل أهل شنقيط من موريتانيا يُعَدُّون من أحفظ أهل هذا الزمان، وليس ذلك بمستغرب إذا علمت أن التكرار عندهم قد يصل إلى حد خمسمئة مرة للوجه الواحد!

القاعدة الثامنة:

ثامنها: العرضُ على الشيوخِ أو القرينِ من ذوي الرسوخِ

العرض على الشيخ: بعد أن يطبق الطالب ما سبق من قواعد ويتقن محفوظه، يصل إلى مرحلة عرض المحفوظ على الشيخ المتقن، وهذا العرض عمود الحفظ، إذ به يختبر الطالب جودة حفظه، وإتقان أدائه، ومقدار التزامه بما سبق من قواعد.

والشيخ المتقن يستطيع بعد الدربة والممارسة اكتشاف مستوى حفظ طالبه، فيقومه إن كان مخطئاً، ويشجعه إن كان مقصراً، ويعززه إن كان مثابراً، ويختبره بين الحين والآخر ليضمن مدى التزامه بمراجعته، واحتفاظه بمحفوظه القديم.

ويقوم مقام الشيخ – حال عدم وجوده أو تفرغه – الطالب النجيب السابق في هذا الطريق.

أما من يحفظ من تلقاء نفسه فغالباً لا يصل إلى نهاية الطريق، وإن وصل فإنه يصل منهكاً متعباً بعد جهد عظيم ووقت طويل، وسوف يكون نتاج حفظه ضعيفاً مهلهاً فوق كل ذلك، لعدم وجود من يتابعه في طريقه، فيرشده إن ضل ويدفعه إن قصر، ويعبد له الطريق…

القاعدة التاسعة:

والتاسعُ: -الأقوى- هو: المذاكرةْ مع مَن تراه يكره المسامرةْ
كي تحفظ الوقت الثمينَ، واجتنبْ مثبِّطاً في العلم أو من ينتحِبْ

المذاكرة: بعد أن يأتي الحافظ بشروط الحفظ، ويحفظ وِرده، ويكرره حتى ينقله إلى الذاكرة الطويلة الأمد، ومن ثَمّ يعرضه على شيخه، فيجيزه شيخه فيه تنتهي عملية الحفظ لهذا الوِرد، وتبدأ عملية جديدة أهم من الحفظ؛ ألا وهي المذاكرة والمراجعة للمحفوظ.

فالمذاكرة: هي قراءة المحفوظ مع قرين يحفظ مثل مقدار حفظك بشكل تقريبي.

ويُنصح أن تكون المذاكرة مع قرين عالي الهمة محب للعلم حريص على الوقت، ليشد عزمك وتشد عزمه، وينتبه إلى خطئك وتنتبه إلى خطئه، وإياك أن يكون قرينك ضعيف الهمة قليل العزيمة، يثبطك عن المراجعة، ويقعدك عن العمل.

وهذه المذاكرة مهمة خصوصاً في البدء لما فيها من إلزام الحافظ بالمراجعة، وهي متعلقة بالقاعدة التالية التي سنبسط فيها الشرح لأهميتها.

القاعدة العاشرة:

ختامها: التوفيقُ للمراجعةْ بُعيدَ حفظ بعضه، وراجعَهْ
عند انتهاء كلِّه كذلكاَ واخترْ له وقتاً يُرى مباركا

المراجعة: وهي عملية تكرار المحفوظ بشكل دائم، وهي مشروع مستقل بذاته يحتاج إلى شروط وأركان ينبغي مراعاتها من قبل الحافظ.

فأول شرط للمراجعة هو الحفظ المتقن من البدء، لأن المراجعة لا ينبغي أن تكون لحفظ مهلهل ضعيف، فتلك حينئذ إعادة حفظ للمحفوظ، وليست مراجعة.

ثانياً: يبنغي أن تكون المراجعة مكثفة في أول الأمر، وتخف كثافتها مع الوقت، فمثلاً يبدأ الحافظ – بعد أن يعرض المحفوظ على الشيخ – بمراجعة حفظه بشكل يومي، وذلك لمدة أسبوع على أقل تقدير، ثم تصير المراجعة كل يومين كذلك لمدة أسبوع، ثم مرتين في الأسبوع إلى أن تصير المراجعة مرة في الأسبوع، لأن الحفظ الجديد – وإن كان متقناً في البدء – سريع التفلّت، فتكون المراجعة المكثفة قيداً ومانعاً له من التفلّت، ومع الوقت يرسخ هذا الحفظ في الذهن فتقلّ الحاجة إلى تكثيف المراجعة.

وقد قيل: “من قرأ في سبع لم ينس”؛ أي: من راجع كل حفظه في سبعة أيام بقي حفظه راسخاً في الذهن لا يُنسى.

وهذه المراجعة لا تتعلق بمقدار المحفوظ، فمن يحفظ جزءاً واحداً أو من يحفظ كامل القرآن فعليه أن يراجع كل محفوظه خلال أسبوع واحد، وهذا حد الكمال، ولكن قد تتقاصر الهمم وتضعف النفوس عن تلك المراجعة فتزيد مدة مراجعة كامل المحفوظ، ومعلوم أنه كلما زادت المدة قل الضبط للمحفوظ.

وهذه المراجعة كما أسلفنا ليست سهلة، بل تحتاج إلى جهد ومصابرة ليحصل المأمول، فمن لازم ذلك من البدء صار الأمر هيناً عليه مع الوقت، أما من قصر في ذلك فإنه سيأتي بعد مدة ليراجع حفظه، فيجده قد تفلّت منه، فيعود إلى حفظه من جديد، مما يؤدي به إلى إهدار الوقت والجهد أكثر مما لو كان التزم بالمراجعة بادئ الأمر.

ولتكن المراجعة هي المستهلكة لغالب الوقت المخصص للحفظ، ولو اضطر الحافظ إلى إنقاص الوقت لشغل عارض أو أمر مفاجئ، فليكن الإنقاص من نصيب الحفظ لا من نصيب المراجعة.

والمذاكرة المذكورة في القاعدة التاسعة معينة للحافظ على التزام المراجعة فليحرص عليها.

وأخيراً على مريد حفظ القرآن اختيار الوقت المبارك للحفظ الذي يكون فيها الذهن صافياً، والعقل متنشطاً، والبدن مستريحاً، كأوقات السحر وبعد الفجر، ولا ينبغي للحافظ أن يجعل وقت الحفظ آخر أولوياته بحيث يجعله في ما فضلَ من وقته، ولو كان ذلك آخر المساء حيث يكون متعب الذهن منهك الجسد، بل عليه أن يخصص له أفضل أوقات يومه.

فهذه قواعد عشرة تشرح طريقة الحفظ التي ينبغي أن يسير عليها الطالب، بغض النظر عن وسيلة الحفظ أو مقداره أو كثافته، ولا يهولنَّكم بسط الشرح وطول الكلام في هذه القواعد، فالحفظ والمراجعة يسيرة على من يسرها الله له، وقد أتقن الحفظ عدد كبير من الناس، فلماذا لا تكون أنت واحداً منهم أيضاً؟

الأسئلة الشائعة عن حفظ القرآن

كيف أحفظ القرآن بمفردي في البيت؟

لا يفضل حفظ القرآن بشكل فردي، بل لا بد من وجود شيخ أو معلم يتابع خطة الحفظ ويسمع من الطالب حفظه ويختبره بشكل دوري. فإن كان ولا بد فيمكن حفظ القرآن من البيت وعرض المحفوظ على شيخ يُقرئ عن بعد.

من أين يبدأ من يريد حفظ القرآن الكريم؟

يبدأ بقصار السور فالسور المسنون تلاوتها، ثم يبدأ ختمة من بداية القرآن. راجع القاعدة الأولى.

كيف أحفظ القران في 100 يوم؟

ليس واجباً عليك أن تحفظ في 100 يوم ولا أقل ولا أكثر، إنما العبرة بإتقان الحفظ وعدم نسيانه ولو أخذ الأمر منك وقتاً طويلاً.

نصيحة لمن أراد حفظ القران؟

ولا بد لمريد الحفظ من صدق النية وإخلاصها لله تعالى في الحفظ، وإدامة الدعاء والتضرع لله تعالى بأن ييسّر عليه الحفظ، ويهوّن عليه المراجعة ليبقى هذا المحفوظ مستحضراً في الذهن. راجع خطوات حفظ القرآن.

كيف تحفظ القران الكريم بسهولة دون نسيان؟

في البداية امشِ خطوة في الحفظ وخطوة في المراجعة، وكلما أنهيت جزءاً زد خطوة في المراجعة (مثلا: عند الجزء 15 يجب أن تمشي خطوة في الحفظ و15 خطوة في المراجعة) ولا تزد في مقدار الحفظ إلا إذا كان محفوظك القديم كاملُه متقناً.

كيف تحفظ دون أن تنسى؟

في البداية امشِ خطوة في الحفظ وخطوة في المراجعة، وكلما أنهيت جزءاً زد خطوة في المراجعة (مثلا: عند الجزء 15 يجب أن تمشي خطوة في الحفظ و15 خطوة في المراجعة) ولا تزد في مقدار الحفظ إلا إذا كان محفوظك القديم كاملُه متقناً.

كم مرة أكرر كي أحفظ؟

كرر حتى ينفجر حلقك. راجع القاعدة السابعة.

ما أسرع طريقة لحفظ القرآن الكريم؟

لا توجد طريقة أسرع من أخرى، إنما يعتمد الأمر على مدى تفرغك، والتزامك ببرنامج الحفظ والمراجعة. كم مره اكرر عشان احفظ؟

كم سنة يستغرق حفظ القرآن؟

بحسب تفرغك ومقدار حفظك؛ من حفظ 5 صفحات في الأسبوع أنهى القرآن في سنتين وثلاثة أشهر تقريباً. وكلما زدت مقدار الحفظ قصرت مدة الختم، بشرط إتقان الحفظ.

نصيحة لمن يجد صعوبة في حفظ القرآن؟

انظر من حولك إلى من حفظ القرآن تجد نفسك لست أقل منهم قدرة وتفرغاً، فاستهن بالله ولا تعجز وطبق القواعد العشرة المذكورة تجد نتيجة طيبة إن شاء الله.

هل حفظ القرآن صعب؟

صعب على الكسول، سهل على المُجدّ.

هل أستطيع ان احفظ القران لوحدي؟

تستطيع ولكن لا يُنصح بذلك.

كيف يمكن حفظ القران الكريم بسهولة؟

بالحفظ القليل والمراجعة الكثيرة والالتزام التام.

دعاء لمن يريد حفظ القرآن؟

لا يوجد دعاء مخصوص، ادع الله بما شئت من نحو: اللهم ذكرنا من القرآن ما نُسِّينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، واجعلنا من العباد الذين اصطفيتهم لحمل كتابك في صدورهم.

الكاتب: أ. مهند غزال

شارك المقال مع اصدقـائك: