علم التفسير
يُعدّ القرآنُ الكريمُ المورد الأول الذي تُنهلُ منه أوامرُ اللّٰه ونواهيه وأحكامُه وتشريعاتُه وسنَنُه في الكون، ولكي يصلَ المسلمُ إلى رضوانِ ربّه تبارك وتعالى يجب عليه أن يَعِيَ كلامَه، ثم يطبق أحكامَه؛ وغايته هذه لا تتحقّقُ إلا بالعلم الذي يشرح ويوضّحُ كلامَ اللّٰه تبارك وتعالى، ألا وهو علم التفسير.
تعريف علم التفسير
التفسير لغةً
الشرح، والتوضيح، والكشف، والتبيان.
قال ابنُ فارس في (مقاييس اللغة) مادة (سفر):
“الفاء والسين والراء كلمة واحدة تدلّ على بيان شيء وإيضاحه”.
وقال ابن منظور في (لسان العرب) مادة (ف س ر)، ومادة (سفر): “الفَسْرُ: الْبَيَانُ، فَسَر الشيء يفسره، بالكسر، ويُفْسُرُه، بِالضَّمَ، فَسْراً وفَسَّرَهُ: أبانه، والتفسيرُ مِثْلُهُ. قال تعالى : ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ (الفرقان : ٣٣)”
وقيل: أصله مِن ( سفر )، وهو الكشف، وسفرت المرأة وجهها إذا كشفت النقاب عن وجهها، وقيل للكاتب سافر، وللكتاب سِفر لأن معناه أنه يبين الشيء ويوضحه.
ويُقال: أسْفَر الصبح إذا انكشف وأضاء إضاءة لا يشك فيه”
قال تعالى:{والصبح إذا أسفر}
وجاء في(القاموس المحيط) لصاحبه الفيروز آبادي: التفسير منَ (الفَسْر) وهو الإبانة وكشف المغطىٰ.
اصطلاحاً
تعدّدت تعاريف العلماء لمصطلح (التفسير) لتعدد وجهات النظر له، مِن ذلك:
قال الزّركشي في كتابه (البرهان في علوم القرآن):
“التفسير: علمٌ يُعرف به فهم كتاب اللّٰه المنزل على نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحِكَمه، واستمداد ذلك من علم اللغة والنحو والتصريف وعلم البيان وأصول الفقه والقراءات، ويحتاج لمعرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ”.
أما الزرقاني ـ رحمه اللّٰه ـ فقد عرَّفه في كتابه (مناهل العرفان في علوم القرآن) بقوله:
“علمٌ يُبحثُ فيه عن القرآنِ الكريم مِن حيثُ دلالتُه على مُراد اللّٰه تعالى بقدر الطاقة البشرية”.
وأما أبو حيان الأندلسيّ في كتابه (البحر المحيط) فقال:
“التفسير علم يُبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب، وتتمات لذلك”.
مصادر علم التفسير
يستمد علم التفسير مواده من عدد كبير من العلوم، من أهمها:
- اللغة من النحو والصرف والبلاغة؛ لأن معرفة الألفاظ القرآنية واستعمالاتها تتأتىٰ من لغة العرب؛ فقد نزل القرآن بلغتهم وعلى أساليبها.
- مصادر الأدب والتذوق البلاغي العربي، وهو ما يُعين المفسر على الوقوف على بلاغة القرآن، وأوجه إعجازه اللغوي.
- علوم الحديث الشريف والوقوف على قواعد قبول الروايات، فالتفسير جله مأثور كالحديث، بالإضافة لما جاء من تفسير نبوي فيه.
- المصنفات في علم التفسير، كتفاسير كبار أئمة التفسير.
- علوم القرآن الكريم، كعلم القراءات، والرسم، وغيره.
- علم أصول الفقه: وهو القواعد والأسس العامة في فهم النصوص القرآنية.
- علم العقيدة؛ فإن القرآن يتضمن أصولها التي تحتاج إلى الفهم الصحيح والسليم.
- المصادر التاريخية وعلومها؛ فالقرآن يتضمن من القصص والتاريخ ما يحتاج المفسر معه إلى هذه العلوم.
- العلوم الكونية الحديثة كالفلك والطب والهندسة والجغرافيا، فلا يخفىٰ ما يتضمنه القرآن من الآيات الدالة على تلك العلوم، وما فيه من إعجاز علمي غير مسبوق.
حكم تعلم التفسير وأهميته
- بالنسبة للأمة: يجب على الأمة تعلُّم التفسير بشكل عام، ولا ينبغي أن تخلو الأمة من عالم يعلم التفسير، وإلا تكون الأمة آثمة.
- أما بالنسبة لأفراد الأمة بأعيانهم: فتَعلُّم ما يصحح فرائضهم وعباداتهم واجب عيني على كل منهم.
والغاية من تعلم علم التفسير الوصول إلى الفهم الصحيح لكلام الله تعالى، والوقوف على مقاصد القرآن وعلومه الأساسية.
قال ابن تيمية في مقدمة تفسيره: “ومن المعلوم أن كل كلام المقصود منه فهم معانيه دون مجرد ألفاظه، فالقرآن أولى بذلك. وأيضاً فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتاباً في فن من العلم كالطب والحساب ولا يستشرحوه، فكيف بكلام الله تعالى الذي هو عصمتهم، وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم؟”.
ولذلك من الأهمية بمكان تعلم علم التفسير للأغراض الآتية:
- فهم القرآن الكريم، ومعرفة المراد منه، ومعرفة مقاصده، وإعجازه.
- معرفة أصول العقيدة وأركان الإيمان، من خلال فهم الآيات الدالة عليها.
- معرفة الأحكام الشرعية التعبدية التي نص عليها القرآن الكريم.
- معرفة أحداث السيرة النبوية، من خلال النظر في أسباب النزول والأحداث والوقائع التي مرت بها السيرة النبوية.
- معرفة أخبار الأمم السابقة، من خلال القصص القرآني للأمم السابقة وقصص الأنبياء، وربط الأحداث بالواقع المعيش.
التأويل والفرق بينه وبين التفسير
– التأويل لغة: ذَكر ابن منظور في (لسان العرب) في مادة: (أ و ل): أنه مأخوذ من الأوْل، وهو الرجوع إلى الأصل، يقال آل إليه أوْلاً ومآلاً؛ أي: مرجعاً، ويقال: أوّل الكلام تأويلاً، وتأوّله: أي دبّره وقدّره وفسّره.
– اصطلاحاً: هو صَرف اللفظ عن الاحتمال الظاهر إلى احتمال مرجوح لاعتضاده بدليل يصير به أغلب الظن من المعنى الذي دل عليه الظاهر،
أو هو بيان مدلول اللفظ بغير المتبادر منه لدليل، وهو ترجيح أحد المحتملات بدون قطع.
[انظر: مناهل العرفان، الزرقاني (٦/٢)، والتفسير والمفسرون الذهبي (۱۷/۱) والإتقان للسيوطي، (۱۷۳/۲) والتعريفات الجرجاني، (٥٠) ]
الفرق بين التأويل والتفسير
وردت لفظة التأويل في قوله تعالى: ﴿فأمّا الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله﴾ (آل عمران:۷)
فالتأويل في هذه الآية يعني التفسير.
أما في قوله تعالى: ﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا﴾ (النساء : ٥) فالتأويل فيها بمعنى (العاقبة والمصير).
ومن هنا يمكن أن نعرف أن التأويل يأخذ معاني متعددة لذلك اختلف العلماء في تحديد الفرق بين التفسير والتأويل على أقوال، هذه بعضها:
- التفسير والتأويل بمعنى واحد، وهما مترادفان.
- التفسير أعمّ من التأويل، وأكثر ما يستعمل التفسير في الألفاظ، والتأويل في المعاني، والتأويل يستعمل أكثر في الكتب الإلهية، والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها.
- التفسير القطع والشهادة على الله تعالى على أن المراد من اللفظ هذا المعنى، والتأويل ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة على الله.
- التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة وإما مجازاً، كتفسير الصراط بالطريق، والتأويل تفسير باطن اللفظ، فهو إخبار عن حقيقة المراد، والتفسير إخبار عن دليل المراد.
- التفسير هو الكلام في أسباب نزول الآية وشأنها وقصتها، والتأويل هو صرف الآية إلى معنى محتمل يوافق ما قبلها وما بعدها، غير مخالف للكتاب والسنة من طريق الاستنباط.
- التفسير يتعلق بالرواية، والتأويل يتعلق بالدراية.
- التفسير هو بيان المعاني التي تستفاد من وضع العبارة، والتأويل هو بيان المعاني التي تستفاد بطريق الإشارة .
[انظر: البرهان الزركشي (١٤٩/٢) والإتقان السيوطي (۱۷۳/۲)، والتفسير والمفسرون الذهبي (۱۸/۱) وأصول التفسير وقواعده، خالد عبد الرحمن العك (٥٢).]
تاريخ علم التفسير ونشأته وأبرز علمائه
نزل القرآن الكريم على النبي – عليه الصلاة والسلام – بلسان القوم الذين سيُخاطبون به ابتداء أي (العرب)، وكان القرآن الكريم يحتوي على أساليب المجاز والحقيقة والتصريح والكناية والتشبيه والإطناب وألوان البلاغة وغير ذلك مما يستعمله العرب في كلامهم، فلم يجدوا صعوبة في فهم القرآن الكريم إلا ما خرج عن الاستعمال اللغوي إلى حقيقة شرعية؛ كالصلاة التي تعني في أصلها الدعاء والصيام والزكاة وغير ذلك مما يحتاج إلى وحي لإدراكه ولا تكفي اللغة وحدها، فكانوا يأتون رسول الله – عليه الصلاة والسلام – ليبين لهم ما عَسُر فهمه، وأشكَل حكمه، وصعُب وعيُه.
وهكذا بقي الصحابة يتلقّوْنَ عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ما يوضحه لهم من تفسير القرآن الكريم وأسراره مِن غير تدوين ولا كتابة إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى.
وهنا وقعت على عاتقهم أمانة نقل ما نهلوه وفهموه إلى مَن بعدَهم، وبرز عدد منهم عُرفوا بحذقهم وتمكنهم في علم التفسير، قال الإمام جلال الدين السيوطي في كتابه (الإتقان في علوم القرآن): “اُشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة: الخلفاء الأربعة، وابن مسعود وابن عباس وأُبَيّ بن كعب وزيد بن ثابت وأبو موسىٰ الأشعري وعبد الله بن الزبير”.
ونجد هؤلاء الصحابة قد اختلفوا إلى الأمصار، وتوزعوا بينها، وأسسوا مدارسهم، وصار لهم تلامذتهم، من ذلك:
١- مدرسة مكة المكرمة:
وتقوم على الصحابي الجليل ابن عباس، ومن أشهر تلامذته: سعيد بن جبير ومجاهد بن جبر، وعكرمة، وطاووس بن كيسان اليماني، وعطاء بن أبي رباح.
٢- مدرسة المدينة المنورة:
وتقوم على الصحابي الجليل أُبَي بن كعب، ومن أشهر تلامذته: أبو العالية، ومحمد بن كعب القرظي، وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن.
٣- مدرسة العراق في الكوفة:
وتقوم على الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود، ومن أشهر تلامذته: علقمة بن الأسود، ومسروق بن الأجدع، وعامر الشعبي، والحسن البصري، وقتادة السدوسي.
وهكذا صار ينتقل هذا العلم من الصحابة إلى التابعين من خلال هذه المدارس التي تغذي البلاد الإسلامية الموجودة فيها، وكانت وسيلة أخذ هذا العلم الحفظ في الصدور على عادتهم آنذاك، وكان التفسير يأخذ شكل رواية الحديث، ولم يُدوّن في عصرهم، وإنما كان يُحفَظ سماعاً كما أفاد مقاتل بن سليمان في تفسيره.
ثم بدأت مرحلة التدوين الجزئي لهذا العلم، فكان التفسير باباً من أبواب الحديث الشريف و رواياتهما مختلطة ببعضها، شأنه في ذلك شأن العلوم الأخرى التي لم يعرف لها استقلال عن غيرها إلا في مراحل متقدمة، ومن أشهر مَن صنف في هذه المرحلة:
يزيد بن هارون السلمي المتوفى سنة ١١٧هـ، وشعبة بن الحجاج المتوفى سنة ١٦٠هـ ، ووكيع بن الجراح المتوفى سنة ١٩٧هـ وسفيان بن عيينة المتوفى سنة ۱۹۸ هـ ، و رَوْح عن عبادة البصري المتوفى سنة ٢٠٥هـ، وعبد الرزاق بن همام المتوفى سنة ۲۱۱ هـ ، وآدم بن أبى إياس المتوفى سنة ٢٢٠هـ، وعبد بن حميد المتوفى سنة ٢٤٩ هـ وغيرهم.
[المدخل إلى علوم القرآن وأصول التفسير، د.حسام سكاف]
ومع بدء القرن الثاني الهجري – أي في أواخر عهد بني أمية وأول عهد العباسيين – بدأت مرحلة التدوين المستقل لعلم التفسير.
ولم يعرف على وجه الدقة أول من أفرد تصنيفاً في التفسير، فقيل:
- سعيد بن جبير – رضي الله عنه – جمع تفسير القرآن في كتاب، وأخذه من الكتاب عطاء بن دينار، ومعروف أن سعيد بن جبير قتل سنة ٩٤ هـ.
- عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة، كتب تفسيراً للقرآن عن الحسن البصري، ومعلوم أن الحسن توفى سنة ١١٦ هـ.
- الفراء المتوفى سنة ٢٠٧ هـ.
- عبد الملك بن جريج المتوفى سنة ١٥٠ هـ ، فقد نقل ابن تيمية، وابن خلكان، أنه أول من دون التفسير.
[يُنظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ووفيات الأعيان، ابن خلكان]
ومن أشهر من صنف هذه المرحلة
ابن ماجه المتوفى سنة ٢٧٣هـ، وابن جرير الطبري المتوفى سنة ۳۱۰هـ ، وأبو بكر بن المنذر النيسابوري المتوفى سنة ٣١٨هـ، وابن أبي حاتم المتوفى سنة ٣٢٧هـ، وأبو الشيخ بن حبان المتوفى سنة ٣٦٩هـ، والحاكم المتوفى سنة ٤٠٥هـ، وأبو بكر بن مردويه المتوفى سنة ٤١٠هـ ، وغيرهم.
ثم تتابعت التآليف والتصانيف في هذا العلم إلى عصرنا الحالي وممن برز في هذا العصر:
مصطفى صادق الرافعي، ومحمد بن أحمد الإسكندراني، والشيخ محمد علي الصابوني الحلبي، ومحمد رشيد رضا، والمراغي وغيرهم.
وللتفسير مراتب، قال حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنها:
“التفسير أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، ووجه لا يعذر أحد بجهالته، ووجه تعلمه العلماء، ووجه لا يعلمه إلا الله تعالىٰ”.
١ – فأما الذي تعرفه العرب: فهو الذي يرجع فيه إلى لسانهم، وذلك شأن اللغة والإعراب، فعلى المفسر معرفة معاني اللغة، ومسميات أسمائها ولا يلزم ذلك القارئ.
ثم إن كان ما تتضمنه ألفاظها يوجب العمل دون العلم، كفى فيه خبر الواحد والاثنين والاستشهاد بالبيت والبيتين، وإن كان مما يوجب العلم لم يكف ذلك، بل لا بد أن يستفيض ذلك اللفظ، وتكثر شواهده من الشعر.
أما الإعراب فما كان اختلافه محيلاً للمعنى وجب على المفسر والقارئ تعلمه، ليتوصل المفسر إلى معرفة الحكم، وليسلم القارئ من اللحن، وإن لم يكن محيلاً للمعنى وجب تعلمه على القارئ ليسلم من اللحن، ولا يجب على المفسر لوصوله إلى المقصود دونه، على أن جهله نقص في حق الجميع.
٢ – ما لا يعذر واحد في جهله: وهو ما تتبادر الأفهام إلى معرفة معناه من النّصوص المتضمنة شرائع الأحكام، ودلائل التوحيد، وكل لفظ أفاد معنى واحداً جلياً لا سواه يعلم أنه مراد الله تعالى .
فهذا القسم لا يختلف حكمه، ولا يلتبس تأويله، إذ كل أحد يدرك معنى التوحيد من قوله تعالى : ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد : ١٩]. وأنه لا شريك له في الألوهية، وإن لم يعلم أن (لا) موضوعة في اللغة للنفي، و(إلا) للإثبات، وأن مقتضى هذه الكلمة الحصر، ويعلم كل أحد بالضرورة أن مقتضىٰ قوله تعالى ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَوَةَ وَاتُوا الزَّكَوةَ﴾ (البقرة: ١٤٣) ونحوها من الأوامر طلب إيجاب المأمور به، وإن لم يعلم أن صيغة (افعل) مقتضاها الترجيح وجوباً أو ندباً فما كان من هذا القسم، لا يقدر أحد أن يدعي الجهل بمعاني ألفاظه، لأنها معلومة لكل أحد بالضرورة.
٣- ما لا يعلمه إلا الله تعالى وهو ما يجري مجرى الغيوب، نحو الآي المتضمنة قيام الساعة ونزول الغيث وما في الأرحام، وتفسير الروح والحروف المقطعة.
وكل متشابه في القرآن عند أهل الحق لا مساغ للاجتهاد في تفسيره، ولا طريق إلى ذلك إلا بالتوقيف من أحد ثلاثة أوجه:
أ – نص من التنزيل.
ب – بيان من رسول الله .
ج – إجماع الأمة على تأويله.
فإذا لم يرِدْ فيه توقيف من هذه الجهات علمنا أنه مما استأثر الله تعالىٰ بعلمه.
٤ – ما يرجع إلى اجتهاد العلماء: وهو الذي يغلب عليه إطلاق التأويل، وهو صرف اللفظ إلى ما يؤول إليه، وذلك استنباط الأحكام وبيان المجمل وتخصيص العموم.
وكل لفظ احتمل معنيين فصاعداً فهو الذي لا يجوز لغير العلماء الاجتهاد فيه، وعلى العلماء اعتماد الشواهد والدلائل، وليس لهم أن يعتمدوا مجرد رأيهم فيه.
(١) [انظر: البرهان الزركشي (١٦٤/٢) ، والإتقان السيوطي
العلوم التي يحتاج إليها المفسر
- علم اللغة.
- علم النحو.
- علم الصرف.
- علم الاشتقاق.
- علم البلاغة (المعاني، البيان، البديع).
- علم القراءات.
- علم أصول الدين.
- علم أصول الفقه.
- علم أسباب النزول.
- علم القصص.
- علم الناسخ والمنسوخ.
- الأحاديث المبينة لتفسير المجمل والمبهم.
- علم الموهبة: وهو علم يورثه الله لمن عمل بما علم.
- الإلمام بمسلمات العلوم الحديثية.
[انظر: الإتقان، السيوطي ـ وعلوم القرآن، للدكتور نور الدين عتر]
شروط المفسر وعلومه
جاء في إتقان السيوطي – سالف الذكر – أنّ من أراد تفسير كتاب الله تعالى فعليه بما يلي:
١- أن يطلب التفسير أولاً من القرآن الكريم نفسه، فما أجمل في موضع فصّل في موضع آخر، وما أطلق في مكان فقد قيد في مكان آخر.
٢ – ثم يطلب التفسير من السنة، فإن لم يجد رجع إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال عند نزوله، ولما اختصوا به من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح.
٣ – ومن شروط المفسر أن تتوافر عنده صحة الاعتقاد.
٤ – وأن يكون ملتزماً بدين الله، فإن من كان متهماً في دينه لا يؤتمن على الدنيا فكيف على الدين، وكيف يؤتمن في الإخبار عن مراد الله تعالى، ثم إنه لا يُؤمَن إن كان متهماً بالإلحاد أن يبغي الفتنة ويغري الناس، وإن كان متهماً بهوى لم يُؤمَن أن يحمله هواه لما يوافق بدعته.
٥ – أن تتوافر في المفسر صحة المقصد فيما يقول، وإنما يخلص له القصد إذا زهد في الدنيا.
٦- أن يكون ممتلئاً من عدة الإعراب، لا يلتبس عليه اختلاف وجوه الكلام.
أقسام التفسير وكتبه
التفسير بالمأثور
-؛معناه: يشمل هذا النوع من التفسير على كل ما جاء به القرآن الكريم نفسه، أو السنة النبوية فيما نقل عن النبي، أو ما جاء عن الصحابة – رضي الله عنهم – من أقوال، أو ما نقل عن التابعين الذين هم أتباع الأصحاب، فيما يتعلق بتفسير القرآن ونصوص التنزيل.
و مصادر التفسير المأثور من حيث المصنفات فيه:
– تفسير سفيان الثوري.
– تفسير إسحاق بن راهويه
– تفسير الإمام أحمد بن حنبل.
– تفسير البخاري.
– تفسير جامع البيان في تأويل القرآن للطبري.
– تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.
– تفسير القرآن العظيم لابن كثير .
– تفسير الدر المنثور للسيوطي.
– أبواب التفسير في كتب الحديث كما في الصحيحين، وصحيح ابن حبان، والمستدرك، والموطأ، وسنن الدرامي، والسنن الأربعة، وغيرها.
التفسير بالرأي
هو تفسير نصوص القرآن الكريم بالاجتهاد، معتمداً على العلوم الأساسية التي يحتاجها المفسر.
مصادره:
– مفاتيح الغيب للفخر الرازي.
– أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي.
– مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي.
– البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي.
– لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن.
– تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي.
– إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود.
– روح المعاني للألوسي.
أساليب تناول العلماء للتفسير
ويقصد به الأساليب التي عرض المفسرون تفاسيرهم من خلالها، وطبقوا مناهجهم عليها، ولذلك تسمى أحياناً بمناهج المفسرين، وهي:
١- التفسير الإجمالي:
وهو تقديم المعنى الإجمالي للآيات، من دون توسع، أو إطناب، أو استطرادات في اللغة أو العقيدة أو الفقه، ومن أشهر هذه التفاسير (تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي).
٢- التفسير التحليلي:
وهو التفسير التفصيلي لآي القرآن، من حيث اللغة والعقيدة والأحكام الفقهية والأخلاق وعلوم القرآن، كتفسير الكشاف للزمخشري، والتفسير الكبير للفخر الرازي، وتفسير أنوار التنزيل للبيضاوي، وغيرها…
٣- التفسير المقارن:
وهو عبارة عن دراسات مقارنة، يقوم الباحث بمقارنة بعض المسائل أو الآيات بين تفسير وآخر، ويقف من خلاله على موضوعات اللغة والفقه والعقيدة والمناهج، ويخرج بعدها الباحث بعدد من النتائج كتفسير الطبري.
٤- التفسير الموضوعي:
وهو الاهتمام بمتابعة موضوع ما من مواضيع القرآن الكريم و دراسته مفصلاً، أو دراسة سورة من القرآن موضوعياً، أو دراسة أحد مصطلحات القرآن.
ومن نماذج كتبه: مباحث في التفسير الموضوعي مصطفى مسلم، ومنهجية البحث في التفسير الموضوعي زياد الدغامين.
الإسرائيليات في التفسير
الإسرائيليات: جمع مفرده إسرائيلية، وهي قصة أو حادثة تروى عن مصدر إسرائيلي، والنسبة فيها إلى إسرائيل وهو نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم أبو الأسباط الاثني عشر، وإليه ينسب اليهود، فيقال: (بنو إسرائيل).
ولفظ الإسرائيليات – وإن كان يدل بظاهره على القصص التي تروى أصلاً من مصادر يهودية – يستعمله علماء التفسير والحديث ويطلقونه على ما هو أوسع وأشمل من القصص اليهودي، فهو في اصطلاحهم يدل على كل ما تطرق إليه التفسير والحديث من أساطير قديمة منسوبة في أصل روايتها إلى مصدر يهودي أو نصراني أو غيرهما…
بل توسع بعض المفسرين والمحدثين فعدوا من الإسرائيليات ما دسه أعداء الإسلام من اليهود وغيرهم على التفسير والحديث من أخبار لا أصل لها في مصدر قديم، وإنما هي أخبار من صنع أعداء الإسلام، دسوها على التفسير والحديث ليفسدوا بها عقائد المسلمين.
وإنما أطلق علماء التفسير والحديث لفظ الإسرائيليات على كل ذلك من باب التغليب للّون اليهودي على غيره، لأن غالب ما يروى من هذه الخرافات والأباطيل يرجع في أصله إلى مصدر يهودي، واليهود قوم بهت، وهم أشد الناس عداوة وبغضاً للإسلام والمسلمين.
وقد استغل أهل الكتاب اشتمال القرآن الكريم على كثير مما جاء في التوراة والإنجيل، لا سيما ما يتعلق بقصص الأنبياء، وأخبار الأمم، ولكن القصص القرآني يجمل القول مستهدفاً مواطن العبرة والعظة من دون ذكر للتفاصيل الجزئية كتاريخ الوقائع، وأسماء البلدان والأشخاص، أما التوراة فإنها تتعرض مع شروحها للتفاصيل والجزئيات.
فحمل أهل الكتاب ثقافتهم الدينية من الأخبار والقصص الديني، ونقلوها إلى الصحابة رضوان الله عليهم، فكان الصحابة رضي الله عنهم يتوقفون فيما يلقى إليهم فلا يحكمون عليه بصدق أو بكذب مادام يحتمل كلا الأمرين امتثالاً لوصية رسول الله: “لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا : ﴿وَامَنَا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ﴾” (البقرة ١٣٦).
لم يسألوا – رضي الله عنهم- عن شيء مما يتعلق بالعقيدة أو يتصل بالأحكام، لأنه إذا ثبت الشيء عن الرسول ﷺ فليس لهم أن يعدلوا عنه إلى غيره.
وكانوا – رضي الله عنهم – لا يسألون عن الأشياء التي يشبه أن يكون السؤال عنها نوعاً من اللهو والعبث، كالسؤال عن لون كلب أهل الكهف.
أما التابعون فقد توسعوا في الأخذ عن أهل الكتاب، فكثرت على عهدهم الروايات الإسرائيلية في التفسير.
ثم جاء بعد عصر التابعين من عظم شغفه بالإسرائيليات، وأفرط في الأخذ منها إلى درجة جعلتهم لا يردون قولاً، ولا يحجمون عن أن يلصقوا بالقرآن كل ما يروى لهم وإن كان لا يتصوره عقل.
وكان لهذه الإسرائيليات أثر سيئ في التفسير، حيث دخله كثير من القصص الخيالي المخترع، مما جعل الناظر في كتب التفسير التي هذا شأنها يكاد لا يقبل شيئاً مما جاء فيها لاعتقاده أن الكل من واد واحد.
ويجب على المفسر أن يكون يقظاً إلى أبعد حدود اليقظة، ناقداً إلى نهاية ما يصل إليه النقاد من دقة وروية، حتى يستطيع أن يستخلص من هذا الهشيم المركوم من الإسرائيليات ما يناسب روح القرآن، ويتفق مع العقل والنقل، كما يجب عليه أن لا ينقل عن أهل الكتاب إذا كان في سنة نبينا محمد ﷺ بيان لمجمل القرآن .
كذلك يجب على المفسر أن يلحظ أن الضروري يتقدر بقدر الحاجة، فلا يذكر في تفسيره شيئاً من ذلك إلا بقدر ما يقتضيه بيان الإجمال.
على أن من الخير للمفسر أن يعرض كل الإعراض عن هذه الإسرائيليات، وأن يمسك عما لا طائل تحته مما يعد صارفاً عن القرآن وشاغلاً عن التدبر في حكمه وأحكامه.
أحد عشر: حكم الإسرائيليات ومحله في كتب التفسير:
يُقسّم العلماء الأخبار الإسرائيلية إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما يُعلم صحته بأن نقل عن النبي وهذا القسم صحيح ومقبول.
الثاني: ما عُلم كذبُه بأن خالف أصلاً أو معلوماً، فهذا لا تقبل روايته مطلقاً.
الثالث: ما هو مسكوت عنه، وحكمه التوقف فلا نصدّقه ولا نُكذّبه، لقوله عليه الصلاة والسلام: “لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليهم”.
وقد وُجدت هذه الإسرائيليات في تفسير ابن كثير والطبري، وكان من رواتها محمد بن كعب القرظي ووهب بن منبه وابن جريج وابن إسحاق وغيرهم.
خاتمة
وفي نهاية المطاف، ينبغي لنا أن نعرف أن هذا العلم من أساسيات الدين لأنه الوسيلة التي نفهم فيها أوامر الله ونواهيه، وهذه مقدمات تسهل دراسته والولوج فيه، لأنه بحر زاخر كلما أبحرنا به وجدنا أننا على وجه مائه وأنه أعمق بكثير.
الأسئلة الشائعة عن علم التفسير
هو علمٌ يُبحثُ فيه عن القرآنِ الكريم مِن حيثُ دلالتُه على مُراد اللّٰه تعالى بقدر الطاقة البشرية.
تفسير الطبري، والقرطبي، وابن كثير، وتفسير السمرقندي، وفتح القدير للشوكاني، والكشاف للزمخشري، وروح المعاني للألوسي، وتفسير ابن عاشور وهو من أروع التفاسير.
من خلال الرجوع إلى كتب التفاسير والبحث فيها، أو قراءتها عند شيخ متقن لهذا العلم.
هما نوعان: التفسير بالمأثور، التفسير بالرأي.
فهم القرآن الكريم، ومعرفة المراد منه، ومعرفة مقاصده، وإعجازه.
الإمام الطبري.
أربعة مراحل:
١- التفسير في زمن نزول القرآن في عهد النبي – عليه الصلاة والسلام – وأصحابه.
٢- التفسير في عهد التابعين.
٣- التفسير في عهد التدوين والتصنيف.
٤- التفسير في العهد الحديث والمعاصر.
أربعة مناهج: التفسير الإجمالي، والتحليلي، والمقارن، والموضوعي.
عبد الملك بن جريج المتوفى سنة ١٥٩ هـ بحسب ابن تيمية وابن خلّكان.
محاسن التأويل، وتفسير الشعراوي، ومختصر تفسير ابن كثير، وصفوة التفاسير للشيخ محمد علي الصابوني.
هو التفسير الذي يتحدث عن الاصطلاحات العلمية للقرآن، ويجتهد في استخراج مختلف العلوم والآراء الفلسفية منها.
أ- مفاتيح الغيب للرازي.
ب- إعجاز القرآن لمصطفى صادق الرافعي.
ج- الإسلام والطب والحديث لعبد العزيز إسماعيل.
هو التفسير الذي يهتم باستفادة الأحكام الشرعية والمسائل الفقهية من آيات القرآن الكريم وهو الذي يسمى: (أحكام القرآن، أو تفسير آيات الأحكام).
أ- أحكام القرآن للجصاص الحنفي.
ب- أحكام القرآن للكيا الهراسي الشافعي.
ج- أحكام القرآن لابن عربي المالكي.
د- أحكام القرآن لأبي يعلى ابن الفراء الحنبلي.
تفسير المنار، وتفسير المراغي، وتفسير جزء (عم) محمد عبدو.
الكشاف للزمخشري.
الكاتب: أ. بشار حمو
شارك المقال مع اصدقـائك: