علو الهمة لبلوغ القمة
الحياة ميدان تنافس لا يدرك المجد فيه إلا من علت همته وسما هدفه، فالأمم العظيمة لا تبنى إلا بعلو الهمم والسعي الدؤوب نحو المعالي. وإن النفس البشرية بطبيعتها تتطلع إلى الأفضل، غير أن ذلك التطلع يحتاج إلى محفز ودافع يُذكي شعلة الطموح. ولعلنا إذا تأملنا تاريخ العظماء وسيرهم نجد أن الهمة العالية كانت مفتاح إنجازاتهم وسر تفوقهم.
في هذا المقال، نتناول مفهوم علو الهمة وأهميتها، ونستعرض مؤهلات اكتسابها وأنواعها، ونلقي الضوء على التحديات التي قد تعوق الإنسان عن بلوغها. كما نعرض نماذج مشرقة من سير الصالحين وأصحاب الهمم العالية، ونقتبس من تراث العلماء وحكمتهم ما يدفعنا إلى السعي والعمل لنكون من السابقين إلى الخيرات.
ما المقصود بعلو الهمة
العُلوُّ ضِدُّ السُّفلِ، وهو مَصدَرٌ مَن عَلا الشَّيءُ، ويُقالُ: عَلا فلانٌ الجَبَلَ: إذا رَقِيَه، والعَليُّ: الرَّفيعُ،وأصلُ هذه المادَّةِ يدُلُّ على السُّموِّ والارتفاع (العين للخليل بن أحمد)
الهمّة في اللغة
الهمَّةُ: ما همَّ به الإنسانُ مِن أمرٍ ليفعَلَه، تَقولُ: إنَّه لعَظيمُ الهَمِّ، وإنَّه لصَغيرُ الهِمَّةِ، وإنَّه لبَعيدُ الهِمَّةِ والهَمَّةُ، بالفتحِ
(لسان العرب) لابن منظور
الهمَّةُ اصطِلاحاً
الهمَّةُ في الاصطِلاحِ هي: تَوجُّهُ القَلبِ وقَصدُه بجَميعِ قواه الرُّوحانيَّةِ إلى جانِبِ الحَقِّ؛ لحُصولِ الكَمالِ له أو لغَيرِه.
(التعريفات) للجرجاني
وعرَّف ابن القيم رحمه الله علو الهمَّة فقال: “علو الهمَّة ألاّ تقف -أي النفس- دون الله، ولا تتعوَّض عنه بشيء سواه، ولا ترضى بغيره بدلاً منه، ولا تبيع حظَّها من الله وقُربه والأُنس به والفرح والسرور والابتهاج به بشيءٍ من الحظوظ الخسيسة الفانية”.
مؤهلات علو الهمّة
لكل همّة عالية دافع لا ينفكّ عنها، فترى صاحب الهمة العالية من أكثر الناس توقداً واجتهاداً، ومن هذه المؤهلات:
طبيعة الشخص
فالناس يتباينون، فبعضهم جُبِل على الطموح والعزيمة، فلا يرضى بالدون، بل يسعى إلى الكمال، قال عمر بن عبد العزيز: إن لي نفساً تواقة؛ لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلما نلتها تاقت إلى الخلافة، فلما نلتها تاقت إلى الجنة.
تربية الوالدين
فاهتمام الأم والأب بالطفل وتشجيعه ينمي فيه السعي والإرادة، وهذا ملاحظ في سير أصحاب الهمم من العلماء، فقد كانت أمهاتهم سبباً في نبوغهم كالأمام الشافعي الذي شاء الله أن ينشأ يتيمًا، فلم تمض على ولادته غير سنتين حتى توفّي أبوه، وبقي في كفالة أمّه التي ما انفكّت تسعى جاهدة في تربيته وتعليمه بهمّة ترى كبريات الأمور صغارًا،
تجوب به البلدان وتقدمه إلى الشيوخ، وتلتمس له مكانًا في الحلقات، حتى صار الشافعي هو الشافعي الذي ملأ الدنيا علمًا، والإمام أحمد بن حنبل الذي كان السِّرُّ الأكبر وراء تفوُّقه وتميُّزه هو أمَّه صفية بنت ميمونة الشيبانية، فقد آثرت الترمل على الزواج لرعاية ابنها، ترك له أبوه ديارًا صغيرة يؤجرها تدر عليه مالًا قليلًا فدفعته أمه لمجالس العلم واللغة والخطِّ فحفظ القرآن الكريم وتعلم اللغة العربية، وتدرَّب على الكتابة والخط الجميل فنبغ وكان نورًا في العلم والفهم.
مرافقة أصحاب الهمم الذين يسعون إلى المعالي
فيشد القوي الضعيف، ويحض المبادر الفاتر، ويأخذ بعضهم بزمام بعض ليصلوا جميعاً إلى تحقيق أهدافهم.
مطالعة سير الصالحين وأصحاب الهمم
لأنها تشكل دافعاً حقيقياً بما تسطره من أخبار القدوات وسيرة حياتهم وتنقّلهم وصبرهم في طلب العلم، فيقتدي القارئ بهم، ويتمثل سلوكهم، ويسعى كسعيهم.
الدعاء والذكر
اللجوء إلى الله بالدعاء والذكر والتضرع وإخلاص النية يوفق الإنسان ويبارك سعيه.
يقول ابن تيمية رحمه الله: “إن المسألة لتغلق عليّ، فاستغفر الله ألف مرة أو أكثر أو أقل، فيفتحها الله علي”.
أنواع الهمم
علوّ الهمة في العبادة
كان صلى الله عليه وسلم القدوة في الهمة العالية في العبادة.
عن عائشة رضي الله عنها: “أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدًا شكورًا” (رواه البخاري [4837]، ومسلم [2819] واللفظ للبخاري).
وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحثّ الصحابة على السعي والجد، ووردت الكثير من الأحاديث التي تبعث على الهمة والترغيب بالمسارعة إلى فضائل الأعمال، ومن ذلك:
– قوله صلى الله عليه وسلم: “لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا”.
– وقوله صلى الله عليه وسلم: “يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارق، ورتل كما كنت ترتل في دار الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها”.
وضرب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الهمة العالية،
فهذا ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه كان يأتي إلى النبي عليه السلام وهو غلام، فيُقرِّب له وَضوءه وحاجته، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يكافئه يوماً، فقال له: سلني يا ربيعة، فسكت ربيعة قليلاً، ثم قال: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: أوَ غير ذلك؟ قال: هو ذاك، فقال عليه السلام: فأعِنِّي على نفسك بكثرة السجود. (رواه مسلم)
فكان ربيعة على صِغَر سنه لا يُرى إلا مصلياً أو ساجداً، لم يُفوِّت من عمره ساعة، ولم يُفقَد في صلاة جماعة.
علو الهمة في طلب العلم
من مظاهر علو الهمة الاهتمام بطلب العلم، فبالعلم تعلو الهمة، ويُرفع طالبه، قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: ١١]
قال الشوكاني في الحث على علو الهمة في طلب العلم: “فإن الله سبحانه قد قرن العلماء في كتابه بنفسه وملائكته فقال: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ}” [آل عمران:١٨]
ومن الأمثلة العظيمة في علُوِّ الهمة في طلب العلم حَبْر الأمة وترجمان القرآن عبدالله عباس رضي الله عنهما، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قلتُ لرجل من الأنصار: هلمَّ فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العلم؛ فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبًا لك يـا بن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم؟! قال: فتركت ذاك -يعني: لم يفت في عزمه ولم يبالِ بتثبيطه، فانصرف عنه ابن عباس مع صغر سِنَّه رضي الله تعالى عنه- يقول: فتركت ذاك، وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وإن كان يبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل -يعني: في وقت القيلولة قبل صلاة الظهر، فيكره أن يوقظه من القيلولة- فأتوسَّد ردائي على بابه، فتسف الريح عليَّ من التراب، فيخرج فيراني، فيقول: يا بن عَمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جاء بك؟! هلّا أرسلت إليَّ فآتيك؟! فأقول: لا، أنا أحَقُّ أن آتيك، فأسأله عن الحديث، فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألونني، فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني.
وعن إسماعيل بن يحيى، قال: سمِعت الشافعي يقول: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر سنين.
وقال سعيد بن المسيب: كنت لأسيرُ الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد.
ومن يصطبر للعلم يظفر بنيله === ومن يخطب الحسناء يصبر على البذل
ومن لم يذل النفس في طلب العلى === يسيرا يعش دهرا طويلا أخا ذل
تآليف الأئمة في رفع الهمة
زخرت كتب العلماء بأسماء المبرزين من العظماء، فسجلوا أسماءهم وأخبارهم تقديراً لجهودهم، وسبيلاً للاقتداء بهم، والنفع بعلمهم، ومن هذه المؤلفات:
تذكرة الحفاظ للذهبي
أشهر وأهم كتاب ألف في تراجم الحفاظ، وتذكرة الحفاظ تتناول الحافظ من المحدثين دون سواهم ممن برزوا في الحفظ في العلوم الأخرى، وقد رتب الإمام الذهبي كتابه على الطبقات، فجعله في إحدى وعشرين طبقة، فبدأ بالصحابة -فهم أولى الطبقات-، وانتهى به إلى عصره، وكان آخر من ترجم له هو شيخه ورفيقه الحافظ المزّيّ رحمه الله، فبلغ مجموع تراجم الكتاب (1176) ترجمة.
كتاب سير أعلام النبلاء
هو كتاب صُنّف وتخصص في علم التراجم والسير الذاتية لأبرز الشخصيات الإسلامية من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم.
فالكتاب يحتوي على توثيق كبير وهائل لقدوات وشخصيات عظيمة من الصحابة الكرام، ثم يتطرق الكتاب للحديث عن الخلفاء والقيادات السياسية وأصحاب الملل والنحل والعلوم والفلاسفة، فالكتاب بمجمله هو عبارة عن تاريخ ضخم.
طبقات المفسرين
هو أحد كتب تراجم المفسرين، ألفه الحافظ جلال الدين السيوطي (849-911)، رتب المؤلف كتابه تراجم المفسرين ترتيبًا هجائيًا، ثم بدأ بذكر كل مفسر والإسهاب فيه، وبلغ عدد التراجم في الكتاب مئة وستاً وثلاثين ترجمة.
موانع اكتساب علو الهمة
إن للهمة العالية أهلها، وللعزيمة طلابها، وكم اختطفت الملاهي آمال الأفذاذ وحالت العوائق أمام نفوس كادت أن تكون مشاعل نور ومواكب انتصار وفخار! ونذكر من هذه العوائق:
الانشغال بالدنيا
الانقياد للترهات، والانصياع لسفاسف الأمور، واتباع الهوى وملذات الجسد سبيل للخور وضعف الهمة.
وإن في الدنيا لصوارف تلهيك عن عظيم المطالب، فمن انشغل بملذاته، واتبع هواه باء بالكسل والعجز وتخلف عن اللحاق بالركب من أصحاب الهمم وصدق الشاعر حين قال:
وما للمرء خير في حياة === إذا ما عد من سقط المتاع
الهم والحزن
استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الهموم والأحزان لأنها تكدر الحياة، وتوقع الوهن في النفس، والجسد، والعقل، والقلب.
والانشغال بالهم والحزن يفوِّتان على العبد الكثير من الخير لأنهما يخيمان على تفكير المرء وعقله وقلبه حتى لا يكاد يهنأ له عيش ولا يطيب له خاطر، فيتوقف عن السعي والعمل.
الفقر والغنى
إنّ الفقر الشديد والغنى الشديد يعوقان صاحب الهمة عن السعي والعمل، وفي التوسط بين الحالين خير لطالب العلم وصاحب الهمّة، وفي ذلك يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر:
“ليس في الدنيا أنفع للعلماء من جمع المال للاستغناء عن الناس، فإنه إذا ضم إلى العلم حيز الكمال. وإن جمهور العلماء شغلهم العلم عن الكسب، فاحتاجوا إلى ما لا بد منه. وقل الصبر فدخلوا مداخل شانتهم وإن تأولوا فيها، إلا أن غيرها كان أحسن لهم.
فعليك يا طالب العلم بالاجتهاد في جمع المال للغنى عن الناس، فإنه يجمع لك دينك، فما رأينا في الأغلب منافقًا في التدين والتزهد والتخشع، ولا آفة طرأت على عالم إلا بحب الدنيا، وغالب ذلك الفقر”.
التشاؤم واليأس
ليس أضر على الإنسان من أن يتسرب اليأس إلى نفسه، أو يصيبه الوهن والضعف، فهاتان المصيبتان تفتكان بالهمة، وتقعدان المرء عن الوصول للقمة لأنهما بمنزلة قيد ثقيل يمنع صاحبه من حرية الحركة، فيقبع في مكانه غير قادر على العمل والاجتهاد لتغيير واقعه.
الذنوب والمعاصي
ارتكاب الذنوب والمعاصي يحبط الروح والبدن ويضعف الهمم:
قال ابن القيم رحمه الله: “فالذنب يحجب الواصل، ويقطع السائر، وينكس الطالب، والقلب إنما يسير إلى الله بقوته، فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي ستسيره، فإذا زالت بالكلية انقطع عن الله انقطاعاً يبعد تداركه”.
مجالسة ضعاف الهمم والكسالى
لأن الأخلاق تعدي، وكما قالوا: “الصاحب ساحب، فانظر من تصاحب”.
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “المرءُ على دينِ خليلِه، فلينظرْ أحدُكم مَن يُخاللُ”.
ما قاله الشعراء في الهمم العالية وأصحابها
زخرت أشعار الأولين والآخرين بقصائد عن الهمم العالية وأصحابها، وتتصدر أبيات قالها ابن هانئ الأندلسي قائمة شعر الهمم والعزائم، ومن ذلك قوله:
ولم أجِد الإِنسانَ إِلا ابن سعيِه === فمن كان أسعَى كان بالمجدِ أجدرا
وبالهمةِ العلياءِ يرقَى إِلى العُلا === فمن كان أرقَى هِمَّةً كان أظهرا
ولم يتأخرْ مَن يريدُ تقدمًا === ولم يتقدمْ مَن يريدُ تأخرا
وفي قصيدة منسوبة إلى الزمخشري أنه قال فيها واصفاً تلذذ العلماء بإيقاظ ليلهم من طول سهرهم:
سهري لتنقيح العلوم ألذ لي === من وصل غانية وطيب عناق
وتمايلي طربا لحل عويصة === أشهى وأحلى من مدامة ساق
وصرير أقلامي على أوراقها === أحلى من الدوكاء والعشاق
وألذ من نقر الفتاة لدفها === نقري لألقي الرمل عن أوراقي
أأبيت سهران الدجى وتبيته === نومًا وتبغي بعد ذاك لحاقي
والدوكاء: الحجر الذي يسحق به الطيب
أما في العصر الحديث فلعل قصيدة أبي القاسم الشابي الشاعر التونسي المعروف تصور السعي والعزيمة لتحقيق الهدف وإزالة العقبات وبناء المجد أجمل تصوير، وفيها يشجع على السعي ويندد بالذل والخضوع والرضا بالدون، ومن ذلك قوله:
إِذا مَا طَمحْتُ إلى غايةٍ === رَكِبتُ المنى ونَسيتُ الحَذرْ
ولم أتجنَّبْ وُعورَ الشِّعابِ === ولا كُبَّةَ اللَّهَبِ المُستَعِرْ
ومن لا يحبُّ صُعودَ الجبالِ === يَعِشْ أبَدَ الدَّهرِ بَيْنَ الحُفَرْ
أُباركُ في النَّاسِ أهلَ الطُّموحِ === ومَن يَسْتَلِذُّ ركوبَ الخطرْ.
طرائف مع أصحاب الهمم
وفي خضم البحث والتدريس والعلم والتعلم تظهر فواصل جميلة يسطرها التاريخ تثير الفرح والدعابة، وتزركش الكراريس، وقد ذكرت كتب الإمام الذهبي بعضاً منها ومن ذلك قوله:
يقول المحدث الإمام هشام بن عمار رحمه الله: “باع أبي بيتًا له بعشرين دينارًا وجهزني للحج، فلما صرت إلى المدينة أتيت مجلس مالك ومعي مسائل أريد أن أسأله عنها، فأتيته وهو جالس في هيئة الملوك، وغلمان قيام، والناس يسألونه، وهو يجيبهم، فلما انقضى المجلس قلت له: حدثني. فقال: اقرأ. فقلت: لا، بل حدثني. فقال: اقرأ. فلما أكثرت عليه،
قال: يا غلام، تعال اذهب بهذا، فاضربه خمسة عشر، فذهب بي فضربني خمس عشرة درة فبكيت، فقال لي: ما يبكيك؟ أوجعتك هذه الدرة؟ قلت: إن أبي باع منزله، ووجه بي إليك كي أتشرف بك، وبالسماع منك، فضربتني بغير جرم، ولا أجعلك في حل! فقال مالك: فما كفارته؟ قلت: كفارته أن تحدثني بخمسة عشر حديثًا، قال: فحدثني بخمسة عشر حديثًا، فقلت له: زد من الضرب، وزد في الحديث، فضحك مالك وقال: اذهب” (سير أعلام النبلاء)
– وقد ذكر الإمام ابن هشام في مغني اللبيب بعض الطرائف التي جرت مع تلاميذه ومن ذلك قوله:
وَقلت يَوْمًا: ترد الْجُمْلَة الاسمية الحالية بِغَيْر وَاو فِي فصيح الْكَلَام خلافًا للزمخشري كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَيَوْم الْقِيَامَة ترى الَّذين كذبُوا على الله وُجُوههم مسودة}.
فَقَالَ بعض من حضر: هَذِه الْوَاو فِي أَولهَا.
– وروي عن الخليل أنه كان رجلًا صالحًا عاقلًا وقورًا كاملًا، وكان متقللاً من الدنيا جدًا، صبورًا على خشونة العيش وضيقه، وكان يقول: لا يجاوز همي ما وراء بابي، وكان ظريفًا حسن الخلق، وذكر أنه اشتغل رجل عليه في العروض وكان بعيد الذهن فيه. قال: فقلت له يومًا: كيف تقطع هذا البيت؟
إذا لم تستطع شيئا فدعه === وجاوزه إلى ما تستطيع
فشرع معي في تقطيعه على قدر معرفته، ثم إنه نهض من عندي فلم يعد إلي، وكأنه فهم ما أشرت إليه.
إنّ الحديث عن الهمم لا ينتهي، فيأبى الله أن تضيع أمانة الدين والعلم لذلك يسخر لها حماتها وأصحابها من أصحاب الهمم والطموح والسعي الحثيث.
وخير ما نختم به قول ربنا عز وجل: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾ [الواقعة 10].
قال السعدي: أي: السابقون في الدنيا إلى الخيرات، هم السابقون في الآخرة لدخول الجنَّات.
ضفجاهد نفسك على أن تكون من السابقين
فتنال رضا الله وتفوز بجنات ونعيم.
الأسئلة الشائعة عن علوّ الهمّة
بمرافقة أصحاب الهمم، وترك الكسالى والمتقاعسين، وبيان أهمية الهدف وقراءة سير العلماء والصالحين أصحاب العزائم والهمم، والدعاء المستمر بالثبات والصبر.
إذا اقترنت الهمة العالية بالظروف المعينة والتوفيق والسداد، وتوافقَ الدافع الداخلي بالمؤهلات الخارجية.
لا بد من معرفة أن سرعة الحفظ موهبة تتفاوت من طفل لآخر.
يقول ابن الجوزي: “من علامة كمال العقل علو الهمة، والراضي بالدون دنيء
ولم أر في عيوب الناس عيبا *** كنقص القادرين على التمام
تعلو الهمة أكثر بالتشجيع والتحفيز والتمسك بالقدوة الصالحة وبيان عظيم أثر أصحاب الهمم وفضلهم على الأمة في حياتهم وبعد مماتهم.
بيان أثر ضعف الهمة السلبي على النفس، وتقدير الذات، والشعور بالهوان على الخلق وقلة التقدير، وبالمقابل بيان أثر السعي والعزيمة في رفعة المكانة والتوازن النفسي والثقة بالذات، وكذلك لا بد من ملازمة أصحاب الهمم وترك الكسالى والمتقاعسين.
قال ابن هانئ الأندلسي:
ولم أجِد الإِنسانَ إِلا ابن سعيِه *** فمن كان أسعَى كان بالمجدِ أجدرا
وبالهمةِ العلياءِ يرقَى إِلى العُلا *** فمن كان أرقَى هِمَّةً كان أظهرا
الكاتبة: آ. هيفاء علي
شارك المقال مع اصدقـائك: