fbpx

فضل القرآن الكريم

القرآن الكريم هو كلام الله المنزل على قلب رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، المتعبد بتلاوته، المتحدى بأقصر سورة فيه، المحفوظ بوعد من الله بحفظه.

قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]

لم ينقص منه حرف أو يزد فيه حرف منذ أُنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم حتى الآن، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، وهو المعجزة الخالدة الباقية، المستمرة على تعاقب الأزمان والدهور إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.

جاءَ النبِيّونَ بِالآياتِ فَاِنصَرَمَت

وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ

آياتُهُ كُلَّما طالَ المَدى جُدُدٌ

يَزينُهُنَّ جَلالُ العِتقِ وَالقِدَمِ

يَكادُ في لَفظَةٍ مِنهُ مُشَرَّفَةٍ

يوصيكَ بِالحَقِّ وَالتَقوى وَبِالرَحِمِ

جدول المحتويات

فضل القرآن الكريم

إن فضل القرآن الكريم على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، وقد مدح الله تبارك وتعالى كتابه في أول سورة البقرة وأشار إلى كماله بقوله: { ذلك الكتاب} ومن المعلوم أن(ذلك) اسم الإشارة للبعيد، وقد جاءت في هذا الموضع للإشارة إلى علو المنزلة ورفعة القدر، و(ال)التعريف في الكتاب هي (ال) الكمالية التي تفيد أنه الكتاب العظيم الكامل الذي لا يوازيه أي كتاب آخر، فهو الكتاب الحق الذي يقال عنه (كتاب) وغيره ليس كذلك.

القرآن الكريم منهج حياة

إن القرآن الكريم جاء تبياناً لكل شيء يهدي إلى الحق والرشد وإلى طريق مستقيم، يخرج الناس من الظلمات الى النور، فيه أخبار الأولين، وهو حبل الله المتين، من تمسك به نجا ومن حاد عنه كبا، من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر.

إنه مصدر أساسي لمعرفة الله تعالى؛ فهو كلامه المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

والإنسان ذلك المخلوق المكرم العاقل أحوج ما يكون إلى منهج يسير عليه، يضبط عمله وسلوكه ويضمن سلامته الروحية والجسدية والعقلية في الدنيا والآخرة، يبيّن له سر وجوده فوق هذه الأرض.

إنه يحتاج إلى كتاب يبين له حقيقة الدنيا، و سر الحياة، ومهمته على هذه الأرض، ومبادئ سعادته، يحتاج منهجاً يبيّن له الأسس التي تبعده عن الخطأ وتضمن له السلامة.

{فمن اتّبع هداي فلا يضلّ ولا يشقى}

فبالقرآن تحيا القلوب، وإذا حيي القلب انتفع به سائر البدن ونجا من كل سوء، وإذا مات القلب تعذبت الجوارح بموته.

فضل القرآن الكريم

أثر القرآن في حياة الإنسان

للقرآن أثر كبير على حياة الإنسان ولكن لا ينتفع بأثره إلا بالتدبر والتأمل لآياته.

أرأيت لو أن إنساناً بقي يسبح على شط البحر طول عمره هل يجني الدرر من أعماقه؟ كذلك القرآن لا ينتفع بكنوزه إلا من غاص في أعماقه وبحث عن درره.

ويتجلى أثر القرآن في حياة الإنسان فيما يلي:

١) يربي الإنسان على حسن الخلق، ويضبط سلوكه ويقوم أخلاقه، فيتعلم التقوى وحسن التوكل على الله، والصبر عند البلاء والشكر عند العطاء، مستحضراً مراقبة الله له، مخبتاً قانتاً محققاً لعبودية الله.

٢) يخاطب العقل ويغذيه بحقائق الإيمان:

من خلال التأمل لآيات الله ودوام قراءتها وتدبرها وفهمها.

٣) يشبع الروح ويغذيها :

فالروح كالبدن تحتاج إلى طاقة إيمانية تنميها وتهذبها، ويبقى في قلب الإنسان وحشة وفراغ لا يملؤه إلا حب الله وذكره وعبوديته والأنس به، ومفتاح ذلك تدبر القرآن.

٤) يحثه على العمل، لأنه يعلم أن الله الذي أوجده على هذه الأرض لم يخلقه عبثاً ولهواً، إنما أوجده لغاية الاستخلاف وإعمار الأرض بذكر الله.

٥) يورثه انشراح النفس، وطمأنينتها، والشعور بالراحة، ويحدث العكس من ذلك إذا ابتعد عن القرآن؛ جاءه ضيق الصدر والوحشة والكآبة.

٦) يعطيه الثقة بالله التي تشحن الإنسان بطاقة إيجابية للبناء والعمل والسعي والصبر والنصر والتأييد.

٧) يكسبه الفصاحة وقوة اللغة وحسن البيان وجودة التعبير وقوة الذاكرة.

٨) الحياة الطيبة التي يعيشها قارئ القرآن:

فهو أصبر عند المصاب، وأقدر على تحمل البلاء، وأكثر إدراكاً لنعم الله، وأقرب إلى الشكر، وأبعد عن المعصية، لأنه يشعر بمراقبة الله في كل أوقاته لإيمانه بآياته وتصديقه ويقينه.

القرآن الكريم يشفع لصاحبه في الآخرة

والقرآن يحيي الإنسان حياة طيبة في دنياه، كذلك ينجيه من عذاب القبر ويشفع له يوم القيامة.

فعن أبي أُمامةَ رَضِيَ الله عنه قال: سَمِعتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: “اقرَءوا القُرآنَ؛ فإنَّه يَأتي يَومَ القيامةِ شَفيعًا لأصحابِه”.

وعن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول:

” َإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ. فَيَقُولُ لَهُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا. فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذِهِ ؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًا”.

رواه أحمد في “المسند” (394) وابن ماجه في “السنن” (3781) وحسنه البوصيري في الزوائد والألباني في “السلسلة الصحيحة” (2829)

يقول السيوطي في شرح الحديث (2/1242) :

” (كالرجل الشاحب) هو المتغير اللون، وكأنه يجيء على هذه الهيئة ليكون أشبه بصاحبه في الدنيا، أو للتنبيه له على أنه كما تغير لونه في الدنيا لأجل القيام بالقرآن كذلك القرآن يسعى لأجله يوم القيامة حتى ينال صاحبه الغاية القصوى في الآخرة”.

وسورة (الملك) من سور القرآن العظيمة التي صح الحض على ملازمة تلاوتها، وورد الأثر بأنها تقي صاحبها من عذاب القبر.

روى أبو داود (1400) والترمذي (2891) وحسنه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ” وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.

أحاديث صحيحة في فضل قراءة القرآن الكريم وحفظه

وردت في السنة المشرفة الكثير من الأحاديث في فضل قراءة القرآن الكريم وحفظه ومن ذلك:

١ـ  عن أَبي أُمامَةَ رضي اللَّه عنهُ قال: سمِعتُ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ: “اقْرَؤُا القُرْآنَ فإِنَّهُ يَأْتي يَوْم القيامةِ شَفِيعاً لأصْحابِهِ”. رواه مسلم

٢ـ وعن عمرَ بن الخطابِ رضي اللَّه عنهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: “إِنَّ اللَّه يرفَعُ بِهذَا الكتاب أَقواماً ويضَعُ بِهِ آخَرين”. رواه مسلم

٣ـ عنِ ابن عمر رضي اللَّه عنهما عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: “لا حَسَدَ إلاُّ في اثنَتَيْن: رجُلٌ آتَاهُ اللَّه القُرآنَ ، فهوَ يقومُ بِهِ آناءَ اللَّيلِ وآنَاءَ النَّهَارِ، وَرجُلٌ آتَاهُ اللَّه مالا، فهُو يُنْفِقهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النهارِ”. متفقٌ عليه.

٤ـ عن أَبي موسى الأشْعريِّ رضي اللَّه عنهُ قال: قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مثَلُ المؤمنِ الَّذِي يقْرَأُ القرآنَ مثلُ الأُتْرُجَّةِ: ريحهَا طَيِّبٌ وطَعمُهَا حلْوٌ، ومثَلُ المؤمنِ الَّذي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمثَلِ التَّمرةِ: لا رِيح لهَا وطعْمُهَا حلْوٌ، ومثَلُ المُنَافِق الذي يَقْرَأُ القرْآنَ كَمثَلِ الرِّيحانَةِ: رِيحها طَيّبٌ وطَعْمُهَا مرُّ، ومَثَلُ المُنَافِقِ الذي لا يَقْرَأُ القرآنَ كَمَثلِ الحَنْظَلَةِ: لَيْسَ لَها رِيحٌ وَطَعمُهَا مُرٌّ”. متفقٌ عليه.

٥ـ عن ابن مسعودٍ رضيَ اللَّه عنهُ قالَ: قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “منْ قرأَ حرْفاً مِنْ كتاب اللَّهِ فلَهُ حسنَةٌ، والحسنَةُ بِعشرِ أَمثَالِهَا، لا أَقول: الم حَرفٌ، وَلكِن أَلِفٌ حرْفٌ، ولامٌ حرْفٌ، ومِيَمٌ حرْفٌ”. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح

أما الأحاديث التي جاءت في الحض على حفظ القرآن الكريم فمنها:

١ـ عنِ ابنِ عباسٍ رضيَ اللَّه عنهما قال: قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إنَّ الَّذي لَيس في جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرآنِ كالبيتِ الخَرِبِ”. رواه الترمذي وقال:  حديث حسن صحيح

٢ـ عن عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرو بن العاصِ رضي اللَّه عَنهما عنِ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: “يُقَالُ لِصاحبِ القرآن: اقْرأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَما كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا، فَإنَّ منْزِلَتَكَ عِنْد آخِرِ آيةٍ تَقْرَؤُهَا”. رواه أبو داود ، والترْمذي وقال: حديث حسن صحيح.

تدبر القرآن الكريم وأقوال أهل العلم فيه

يميل الكثير من الناس إلى قراءة القرآن دون تدبر ولا فهم، وتراهم يتنافسون بعدد الختمات في شهر رمضان، فهذا يختم خمس مرات وهذا عشر مرات…، ولا شك أن في القراءة خير عظيم، ولكن التدبر في القراءة هو غاية نزول القرآن، ويميز العلماء بين ثواب القراءتين القراءة التدبرية والقراءة السريعة فيقولون:

إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجلّ وأرفع قدراً، وثواب كثرة القراءة أكثر عدداً:

فالأول: كمن تصدق بجوهرة عظيمة، أو أعتق عبداً قيمته نفيسة جداً.

والثاني: كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم، أو أعتق عدداً من العبيد قيمتهم رخيصة.

وأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم – بأنه سيخرج ناس يقرؤون القرآن دون تدبر، فقال صلى الله عليه وسلم: سيخرج أقوام من أمتي يشربون القرآن كشربهم اللبن. رواه الطبراني وحسنه الألباني. قال المناوي في فيض القدير في شرح هذا الحديث: أي يسلقونه بألسنتهم من غير تدبر لمعانيه، ولا تأمل في أحكامه، بل يمر على ألسنتهم كما يمر اللبن المشروب عليها بسرعة.

وقال ابن مسعود: لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.

– والهذّ: سرعة القراءة، والدَّقَل: رديء التمر.

وقال عبد الله أيضاً: إذا سمعت الله يقول: يأيها الذين آمنوا) فأصغ لها سمعك، فإنه خير تؤمر به، أو شر تصرف عنه.

وذكر أهل العلم أنّ ممّا يعين القارئ على معرفة دلائل الآيات الوقوف أمام الآية التي يقرؤها وقفةً متأنيةً فاحصة، مع استحضار معنى الجمل والكلمات المكونة لها، مكرِّراً النظر في مورد سياق الكلام السابق واللاحق، واستحضار الموضوع العام للسورة أو المقطع، والبحث عن حكمة الترتيب، ووجه التعقيب في آخر الآية، والغاية التي تدور حولها الآيات، والنظر في ذلك كله عن طريق كتب التفاسير المأثورة والمعتمدة كتفسير (ابن كثير) وتفسير(الطبري) وتفسير (السعدي)…

يقول إياس بن معاوية رحمه الله: “مَثَلُ الذين يقرؤون القرآن ولا يعرفون التَّفسير: كمَثَل قومٍ جاءهم كتاب من مَلِكِهم ليلاً، وليس عندهم مصباح، فتداخلتهم روعةٌ لا يدرون ما في الكتاب، ومَثَلُ الذي يعرف التَّفسير: كمَثَل رجلٍ جاءهم بمصباح، فقرؤوا ما في الكتاب”.

قال ابن القيِّم رحمه الله: «فلو عَلِمَ النَّاس ما في قراءة القرآن بالتَّدبُّر، لاشتغلوا بها عن كلِّ ما سواه، فإذا قرأه بتفكُّر حتَّى إذا مرَّ بآيةٍ – وهو محتاج إليها في شفاء قلبه – كرَّرها ولو مئة مرَّة، ولو ليلة، فقراءة آيةٍ بتفكُّر وتفهُّم، خير من قراءة ختمةٍ بغير تدبُّر وتفهُّم، وأنفعُ للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان، وذوقِ حلاوة القرآن.

وعن عبَّاد بن حمزة رحمه الله قال: “دخلتُ على أسماءَ رضي الله عنها وهي تقرأ: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾ [الطور: 27]، فَوَقَفَتْ عليها، فجعَلَتْ تستعيذُ وتدعو، قال عبَّاد: فذهبتُ إلى السُّوق فقضيتُ حاجتي، ثمَّ رجعتُ، وهي فيها بَعْدُ، تستعيذُ وتدعو”.

وممَّا يعين على تدبُّر القرآن، والتَّأمُّل في آياته ومواعظه وعبره، صلاةُ اللَّيل والقراءة فيه، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴾ [المزمل: 6]

عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: “وقولُه: ﴿وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾ هُوَ أَجْدَرُ أَنْ يَفْقَهَ في القُرآنِ؛ لأنَّ قيام اللَّيل أصوبُ قراءة، وأصحُّ قولاً من النَّهار؛ لسكوت الأصوات في اللَّيل، فيتدبَّر في معاني القرآن”.

وذكر ابن عاشور رحمه الله الحِكْمةَ من اختصاص اللَّيل بالقيام، فقال: “والمعنى: أنَّ صلاة اللَّيل أوفقُ بالمصلِّي بين اللِّسان والقلب، أي بين النُّطق بالألفاظ، وتفهُّم معانيها؛ للهدوء الذي يحصل في اللَّيل، وانقطاع الشَّواغل، وأعون على المزيد من التَّدبُّر”.

ومن يشكو من قسوة القلب وعدم التلذذ بالقرآن فعليه أن يعالج ذلك بالإكثار من ذكر الله، والحذر من الذنوب والمعاصي، والتوبة إلى الله مما سلف، مع الصدق في ذلك، فإذا صدق مع الله في التوبة من المعاصي، وفي الإكثار من ذكر الله، وفي الإقبال على قراءة القرآن مع استحضار عظمة الله، وأنه يراقبه، ويعلم صدقه في الإقبال عليه وطلب الهداية والتوفيق والسداد فإن الله يوفقه ويهديه؛ قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}.

وكما أسلفنا يجب عليه فهم معاني الآيات والطمأنينة عند قراءتها واستشعار أنها كلام رب العالمين الحكيم العليم، والإقبال على القراءة في ساعات الفجر أو السحر حيث يسكن الناس ويقل الضجيج ويحل الهدوء، فإن تحقق له حسن التدبر والفهم وحصلت له لذة القراءة  فليحمد الله، فهو في خير عظيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

القرآن الكريم شفاء من كل داء

كتاب الله تعالى كله شفاء لما يعرض للإنسان من أمراض ظاهرة أو باطنة، فقد قال الله تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} [يونس:57]

وروى مسلم (2192) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ: نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْ يَدِي.

وروى ابن حبان (6098) عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَامْرَأَةٌ تُعَالِجُهَا، أَوْ تَرْقِيهَا، فَقَالَ: (عَالِجِيهَا بِكِتَابِ اللَّهِ).

قال ابن القيم رحمه الله: ” قال الله تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} [الإسراء/ 82] .

والصحيح: أن (مِن) هاهنا لبيان الجنس، لا للتبعيض.

فالقرآن: هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية، والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة.

وما كل أحد يؤهَّل ولا يوفق  للاستشفاء به.

وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه لم يقاومه الداء أبداً.

وكيف تُقاوِم الأدواء كلام رب الأرض والسماء، الذي لو نزل على الجبال لصدَّعها أو على الأرض لقطعها.

وهناك سور نصت السنة على دورها في الشفاء وكونها رقية كفاتحة الكتاب، وعن أهميتها ودورها في الشفاء يقول ابن القيم في كتابه (الداء والدواء): “لو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيرًا عجيبًا في الشفاء.

ومكثتُ بمكة مدّةً تعتريني  أدواء، ولا أجد طبيبًا ولا دواء، فكنتُ أعالج نفسي بالفاتحة، فأرى لها تأثيرًا عجيبًا، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألمًا، وكان  كثير منهم يبرأ سريعًا”.

ولكن ها هنا أمر ينبغي التفطّن له، وهو أن الأذكار والآيات والأدعية التي يستشفى بها ويرقى بها، هي في نفسها نافعة شافية، ولكن تستدعي قبول المحلّ، وقوة همة الفاعل وتأثيره، فمتى تخلّف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل، أو لعدم قبول المنفعل، أو لمانع قوي فيه يمنع أن ينجع فيه الدواء، كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الحسية، فإنّ عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة لذلك الدواء، وقد يكون لمانع  قوي يمنع من اقتضائه أثره.

ويشير ابن القيم في كتابه (مفتاح دار السعادة) إلى دور القرآن في الشفاء من العلل والأمراض، ويلفت نظر المتأمل إلى أن القرآن لايزيد الضال إلا ضلالاً وانغماساً في الضياع والخسران فيقول:

“كتاب الله هو الشفاء النافع وهو أعظم الشفاء، وما أقل المُستشفين به! بل لا يزيد الطبائع الرديئة إلا رداءةً ولا يزيد الظالمين إلا خساراً، وكذلك ذكرُ الله والإقبالُ عليه والإنابةُ إليه والفزعُ إلى الصلاة، كم قد شُفي به من عليل! وكم قد عُوفي به من مريض! وكم قام مقام كثير من الأدوية التي لا تبلغ قريباً من مبلغه في الشفاء! وأنت ترى كثيراً من الناس بل أكثرهم لا نصيب لهم من الشفاء بذلك.

الحمد لله الذي جعل كتابه كافياً من كلِّ ما سواه، شافياً من كلِّ داء، هادياً إلى كل خير؛ فآيات القرآن تحيي القلوب كما تحيى الأرضُ بالماء، وتُحرقُ خبثها وشبهاتها وشهواتها وسخائمها كما تُحرقُ النارُ ما يلقى فيها…”.

و قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله – في تفسيره: “فالقرآن مشتمل على الشفاء والرحمة وليس ذلك لكل أحد، وإنما ذلك للمؤمنين به المصدقين بآياته، العاملين به.

وأما الظالمون بعدم التصديق به أو عدم العمل به فلا تزيدهم آياته إلا خساراً، إذ به تقوم عليهم الحجة”.

كيفية الاستشفاء بالقرآن الكريم

أما عن كيفية الرقية بالقرآن، أو الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ورد عن أهل العلم ذكرهم  لكيفيات متنوعة، فمنها أن يقرأ القرآن أو الدعاء ثم ينفث في يديه – والنفث عبارة عن نفخ مع ريق يسير – ثم يمسح بهما الجسد أو مكان الألم.

ومنها أن يضع يده على محل الألم وقت الرقية، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص.

ومنها أن ينفث على محل الألم ثم يمسح عليه بيده.

ومنها أن يقرأ الرقية الشرعية على إناء فيه ماء أو نحوه ثم ينفث.

قال العلامة ابن مفلح: ربما اعتللت فيأخذ أبي قدحاً فيه ماء فيقرأ عليه ويقول لي: اشرب منه واغسل وجهك ويديك. ونقل عبد الله أنه رأى أباه يعوذ في الماء ويقرأ عليه ويشربه ويصب على نفسه منه.

ولا بد من التذكير بأن الثقة بالله تعالى وبآياته مهمة جداً في الشفاء، والصبر مهم أيضاً.

الخاتمة

 إن فهم القرآن وتدبره مواهب من الكريم الوهاب يعطيها لمن صدق في طلبها وسلك الأسباب الموصلة إليها بجد واجتهاد، أما المتكئ على أريكته المشتغل بشهوات الدنيا ويريد فهم القرآن فهيهات هيهات ولو تمنى على الله الأماني.

فطوبى لجهود بذلت لأجل القرآن، وبورك بوقت صُرِف من أجل القرآن.

اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وعلمنا منه ما جهلنا وفقهنا فيه.

يَا أُمَّةَ القُرْآنِ إِنَّ كِتَابَكُمْ

لَهُوَ الشِّفَاءُ وَصِحَّةُ الأَبْدَانِ

وَهُوَ الدَّوَاءُ لِكُلِّ جُرْحٍ غَائِرٍ

وَهُوَ المُحَارِبُ نَزْغَةَ الشَّيْطَانِ

وَهُوَ البَلاَغَةُ وَالفَصَاحَةُ كُلُّهَا

وَهُوَ الحَضَارَةُ فِي عُلُوِّ مَكَانِ

اقْرَأْ كِتَابَ اللهِ وَافْهَمْ حُكْمَهُ

تُدْرِكْ عَطَاءَ اللهِ فِي إِحْسَانِ

يَهْدِي إِلَى الخَيْرِ العَمِيمِ وَإِنَّهُ

أَمْنُ القُلُوبِ وَرَاحَةُ الأَبْدَانِ

الأسئلة الشائعة عن فضل القرآن الكريم

ما صحة أحاديث فضائل السور القرآنية؟

ـ ما يروى من حديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في فضل سور القرآن سورة سورة، موضوع مكذوب لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما الأحاديث الصحيحة الثابتة في فضائل بعض سور القرآن: فقد

صح في سورة الفاتحة، وسورة الإخلاص، والمعوذتين، والكافرون، والملك، وحديث البقرة وآل عمران، أنهما الزهراوان.

ما الحديث الذي ورد في فضل حفظ القرآن؟

ـ عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقال لقارئ القرآن: “اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها”.

ما أجملُ ما قيل عن حلقات القرآن؟

قالوا عنها: (تسهم في حفظ المسلم من الفتن والضلالات، وتجعله متمسكاً بكتاب الله الذي هو النور والهداية).

ماذا قال رسول الله عن حافظ القرآن؟

ـ “مثل الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ وهو حافِظٌ له، مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، ومَثَلُ الذي يَقْرَأُ وهو يَتَعاهَدُهُ، وهو عليه شَدِيدٌ؛ فَلَهُ أجْرانِ”.

الراوي : عائشة أم المؤمنين / صحيح البخاري

ما صحة حديث (زوجتكها بما معك من القرآن)؟

ـ حديث صحيح

الراوي: سهل بن سعد الساعدي  المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري

ما الآيات التي ورد في فضلها أحاديث؟

ـ الآيتان الأخيرتان من سورة البقرة، ففي الصحيحين وغيرهما أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال في شأنهما: من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه.

ـ آية الكرسي ففي صحيح مسلم وغيره من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: يا أبا المنذر! أي آية من كتاب الله معك أعظم، قال: قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم، قال: فضرب في صدري وقال: والله ليهنك العلم أبا المنذر.

ما صحة تسمية سورة الرحمن بعروس القرآن؟

ـ تسميتها بعروس القرآن ذكره السيوطي في الإتقان في علوم القرآن، لما رواه البيهقي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن.

 وحديث البيهقي ضعيف كما في السلسلة الضعيفة للشيخ الألباني.

هل حديث سورة الواقعة صحيح؟

ـ ورد في فضل سورة الواقعة حديث صحيح وحديث ضعيف.

أما الحديث الصحيح: فهو ما رواه الترمذي والحاكم عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت. وهذا الحديث صححه الألباني في صحيح الجامع.

وأما الحديث الضعيف: فهو ما رواه البيهقي عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله وسلم قال: من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً.

ما الحديث الذي يذكر فضائل قراءة القرآن الكريم؟

ـ عن أَبي أُمَامَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وسلم يَقُولُ: “اقْرَؤُواْ القُرْآنَ؛ فَإنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعاً لأَصْحَابِهِ” رواه مسلم

ما الحديث الوارد في فضل تعلم القرآن وتعليمه؟

ـ عن عثمان – رضي الله عنه – قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”. حديث صحيح

الكاتبة: آ. هيفاء علي

شارك المقال مع اصدقـائك: