نية حفظ القرآن الكريم – 10 آداب لحافظ القرآن
تحدثنا في مقال حفظ القرآن – أهميته – 10 مزايا لحافظ القرآن الكريم عن ماهية حفظ القرآن، وأهميته، ومزايا حافظ القرآن. وذكرنا في مقال طريقة حفظ القرآن – 10 خطوات لحفظ القرآن الكريم وبعض النصائح النافعة المعينة على الحفظ، وذكرنا خطوات الحفظ العشر.
ولكن بقي موضوع مهم للغاية لا بد من التطرق إليه، وهو إجابة على سؤال جوهري: ما نية حفظ القرآن الكريم ولماذا أحفظه؟ سنذكر في هذا المقال نية حفظ القرآن التي ينبغي أن ينويها طالب الحفظ قبل الدخول في هذا الطريق، ثم سنذكر أهم الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها حافظ القرآن الكريم. ولكن قبل ذلك ننوه إلى خطأ شائع يقع فيه كثير من الناس وهو جمع (نية) على (نوايا)، والصحيح أن جمع (نيَّة) هو (نيَّات).
نية حافظ القرآن
معلوم أن كل عمل صالح وعبادة مشروعة لا بد أن تصحبها نية سليمة وتوجه صادق نحو الله تعالى بأن هذا العمل خالص لوجهه الكريم، لا لأجل منفعة أو سمعة أو رياء…
وحفظ القرآن هو عبادة بذاته، يقصد لذاته، ويتعبد بحفظه، وقد فصّلنا ذلك في مقال حفظ القرآن – أهميته – 10 مزايا لحافظ القرآن الكريم.
وهو حجة للعبد يوم القيامة وشفيع له إذا ما تعلّمه وعلّمه بإخلاص وصدق نية.
ولكنه أيضاً قد يكون حجة على العبد يوم القيامة، وسبباً في وروده نار جهنم!
فما نية حافظ القرآن الصادقة التي ينبغي عليه أن يقصدها؟
نيات صالحة في حفظ القرآن الكريم
حفظ القرآن الكريم تشريف كبير، وتكليف عظيم من الله تعالى للعبد حيث جعل قلبه وعاء لخير كلام وأسمى خطاب.
لذلك ينبغي على العبد أن يستصحب نيات صالحة في حفظ القرآن الكريم، نذكر منها على سبيل العد لا الحصر:
- امتثال أوامر الله الداعية إلى كثرة ذكره وتلاوة كلامه.
- التوصل إلى محبة الله ورضوانه بمحبة كلامه.
- الحصول على الأجر العظيم الذي وُعد به التالون لكتاب الله.
- إشغال العمر بالعمل الصالح والنافع، وأيُّ عمل أنفع وأصلح من الاشتغال بكلام الله؟
- نفع الناس وتعليمهم كتاب الله.
- الاستعانة بالحفظ على الفهم والتدبّر.
- الصلاة بالمحفوظ من القرآن.
- العمل بالقرآن.
- التخلق بأخلاق القرآن.
فمن كانت نية حفظ القرآن الكريم عنده من نحو ما سبق صدق وأفلح، وكان أهلاً لأن يكون من حملة القرآن الكريم.
نيات فاسدة لحفظ القرآن الكريم
إذا كانت النية الصالحة شرطاً لصحة العبادة فإن النية الفاسدة سبب في فساد العمل ولو كان صالحاً.
فمن قرن حفظه القرآن الكريم بنية فاسدة فعمله معرض للبوار بقدر فساد النية المستصحبة.
وسنورد لكم نيات فاسدة لحفظ القرآن الكريم ليتجنبها الحفّاظ:
- الحفظ رياء وسمعة؛ كأن يحفظ لأجل أن يُذكر بين الناس ويُشار إليه.
- الحفظ لأجل الحصول على المكانة والصدارة بين الناس؛ فالناس في العموم تجلّ حافظ القرآن وتقدّره وتقدّمه.
- الحفظ لأجل التفاخر والتكبر على الأقران والأصحاب.
- الحفظ لأجل تحقيق أغراض غير مشروعة؛ كأن يحفظ القرآن ليجعله حجة له في نشر أفكار ضالة وفاسدة.
فمن كانت نية حفظ القرآن الكريم عنده من نحو ما سبق فعليه أن يراجع نفسه، وأن يسأل الله تعالى بصدق أن يصلح له ما فسد من نياته، فما أعظمَ جرم من قصد بكلام الله غير الله! وما أقبح من توصل بكتاب الله إلى غير ما يرضي الله.
سؤال مهم
وهنا يأتي سؤال مهم للغاية؛ وهو: قد يحصل لحافظ القرآن ما ذُكر من منافع دنيوية وذِكر بين الناس وتقدم وصدارة، فهل هذا دليل على أن نية حفظ القرآن عنده فيها فساد أو سوء قصد؟
جواب هذا السؤال ما يلي:
الحكم على النيات من أصعب الأعمال، بل إننا لسنا مطالبين بأن نحكم على نية أحد ونعيّن الصالح من الفاسد، وإننا مطالبون بأن ننظر في نياتنا بأنفسنا ونحاسبها إن كانت غير خالصة لله تعالى.
من الطبيعي أن يحصل لحافظ القرآن ما ذكر من منافع وذكر وإجلال وتقديم من الناس، بل هذا أمر حث عليه الشرع؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ من إجلالِ اللَّهِ إِكرامَ ذي الشَّيبةِ المسلمِ، وحاملِ القرآنِ غيرِ الغالي فيهِ والجافي عنْهُ، وإِكرامَ ذي السُّلطانِ المقسِطِ”.
فحصول هذه الأمور للحافظ ليس دليلاً على فساد نيته، فما المانع أن تكون تلك الأمور نعماً وعطايا من الله لعبده الحافظ؟
فليس من سبيل للحكم على نية الحافظ بما يحصل له، إنما على الحافظ نفسه أن يحاسب نفسه وينظر في صدق نيته، فإذا كانت نيته صادقة خالصة لله تعالى، ثم حصل له ما حصل من منافع ومكاسب دنيوية فهذا إكرام من الله تعالى له.
أما إن كانت نيته ابتداءً من حفظ القرآن أن يحصل على التقديم بين الناس والذكر الحسن والسمعة العطرة وتحصيل المكاسب الدنيوية فهذا دليل على فساد النية وضرورة تصحيحها وتقويمها.
حديث عن نية حفظ القرآن الكريم
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث مخيف جداً، تحدث فيه بشكل صريح عن نية حفظ القرآن الكريم وغيرها من الأعمال، فمن تفكر فيه وفهمه ووعى مقصده لم يجرؤ أن يحفظ القرآن قبل أن يصلح نيته مع الله تعالى:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ اللهَ إذا كان يومُ القيامةِ ينزلُ إلى العبادِ لِيقضيَ بينهم، وكلُّ أمةٍ جاثيةٌ، فأولُ مَن يدعو به رجلٌ جمع القرآنَ، ورجلٌ قُتِلَ في سبيل اللهِ، ورجلٌ كثيرُ المالِ، فيقولُ اللهُ للقارئ: ألم أُعلِّمْك ما أَنزلتُ على رسولي؟ قال: بلى يا ربِّ، قال: فماذا عمِلتَ فيما علمتَ؟ قال: كنتُ أقوم به آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ، فيقولُ اللهُ له: كذَبْتَ، وتقول له الملائكةُ: كذَبْتَ، ويقول اللهُ له: بل أردتَ أن يقال فلانٌ قارئٌ، فقد قيل ذلك…، يا أبا هريرةَ أولئك الثلاثةُ أوّلُ خَلْقِ اللهِ تُسَعَّرُ بهم النَّارُ يومَ القيامةِ” .
فهذا صنف من الأصناف الثلاثة الذين تُسعَّر بهم النار ويقضي الله تعالى بينهم أول ما يقضي، فيُدخلهم النار على الرغم مما عملوه من أعمال صالحة، وما ذلك إلا لأن نيتهم في ذلك العمل كانت فاسدة غير خالصة لله تعالى.
فمن تفكر في هذا الحديث، حاسب نفسه على نيته أشد المحاسبة، وراقبها وقوّم اعوجاجها لكيلا يكون القرآن حجة عليه يوم القيامة.
المنافسة في العلم
ذكرنا أن النية الصحيحة يجب أن تكون مصاحبة لطالب القرآن طوال رحلته، وتقدم معنا الحديث الذي يبين مصير من يقصد بحفظه القرآن غير وجه الله تعالى.
ولكن الإنسان بطبعه يحب المنافسة ومسابقة الأقران في كل المجالات، ومنها مجال طلب العلم، والذي يعد حفظ القرآن فرعاً منه، فهل حب التميز والسبق يتعارض مع نية حفظ القرآن الكريم الصادقة؟ وهل المنافسة في العلم أمر محمود أم مذموم؟
والجواب على ذلك يمكن استنباطه من الآيات التي تحض على المنافسة في وجوه الخير وتدعو إلى الاستكثار منها.
قال الله تعالى: ﴿وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ﴾ (الإنسان: 26)
﴿وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ﴾ (آل عمران: 133)
﴿سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ﴾ (الحديد: 21)
فلا حرج على المرء أن يسعى للمسابقة في هذا الميدان، على أن تكون نيته إرضاء الله تعالى، لا الحصول على الثناء والإطراء من الناس.
وذلك لأن التميز في وجوه الخير يبعث الهمة عند الناس ليصلوا إلى ما وصل إليه أقرانهم، وقد بيّن ذلك الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا حَسَدَ إلَّا في اثْنَتَيْنِ؛ رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُرْآنَ، فَهو يَتْلُوهُ آناءَ اللَّيْلِ، وآناءَ النَّهارِ، فَسَمِعَهُ جارٌ له، فقالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ ما أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ ما يَعْمَلُ، ورَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا فَهو يُهْلِكُهُ في الحَقِّ، فقالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ ما أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ ما يَعْمَلُ”.
فلو كان طلبة العلم وأصحاب المال خاملي الذكر ضعيفي الأثر بين الناس لما كان في ذكرهم باعثاً على إحياء النفوس وإيقاد العزم على العمل والسعي في طرق الخير.
10 آداب لحافظ القرآن
لا شك أن من سلك طريق حفظ القرآن، وجعل كلام الله محفوظاً في صدره قد حُمِّل أمانة عظيمة لا بدّ أن يكون أهلاً لحملها، فقد صار محط أنظار الناس، وقدوة لغير الحافظين منهم، فلا ينبغي أن يتصرف بما يتصرفه عامة الناس مما يحط قدره، ويسقط هيبته، ويخرم مروءته.
قال ابن عمر رضي الله عنه: ولا ينبغي لحامل القرآن أن يخوض مع مَن يخوض، ويحسدَ مع مَن يحسد، ويجهلَ مع مَن يجهل، ولكن يعفو ويصفح لحق القرآن لأن في جوفه كلام الله.
وسنذكر الآن عشرة من الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها حافظ القرآن الكريم سواء كان معلماً أو طالباً:
- التخلق بالأخلاق الحسنة والخلال الحميدة والصفات المرضية كالورع والتقوى والزهد وحب الخير للناس والحلم والصبر…
- كثرة ذكر الله وحمده على ما فضله به على غيره ونسب الفضل له وحده جل جلاله.
- التطهر والتزين بجميل الثياب وطيب العطور بما لا يخرج إلى حد الإسراف والبطر.
- الاعتناء بنظافة الجسد وسنن الفطرة من قص الشارب وإعفاء اللحية وتقليم الأظفار والسواك…
- التواضع للناس وبذل النصيحة لهم من الأقران والزملاء إن كان طالباً، وللمتعلمين والطلبة إن كان معلماً.
- الاستفادة من الوقت، وعدم هدره في وجوه اللهو والعبث الكثير ولو كان مباحاً.
- صون اللسان عن الكلام البذيء والغيبة والتكلم في أعراض الناس، فمن كان يخرج القرآن من فيه لا ينبغي أن يخرج معه الفحش والسوء.
- تقدير المعلم والمقرئ وستر عيوبه الخفية عن الناس، وإحسان الظن به، وذب الغيبة عنه، وتحمل جفوته، والصبر على شدته وقسوته إذا كان يحصل له مقابل ذلك الانتفاع والتعلم.
- الحرص على الاستزادة من العلوم وعدم التوقف عن الطلب، والاجتهاد في تحصيل النافع من العلوم والفنون.
- العزة بالإيمان ورفض الذل والهوان، والاعتماد على النفس في طلب الرزق لئلا يكون حامل القرآن عالة على الناس يتصدقون عليه فيذل نفسه لهم ويقبل أعطياتهم على الدوام.
والآداب المتعلقة بحامل القرآن كثيرة عديدة يصعب تناولها كلها في هذا المقال المختصر، لذا نحيل القارئ الكريم على الكتاب النافع الذي بلغت شهرته الآفاق، وانتفع به العباد، وهو كتاب الإمام النووي – عليه رحمات الله تترى – التبيان في آداب حملة القرآن، والذي فصل فيه الإمام النووي تفصيلاً كثيراً، وميز فيه بين آداب المتعلم والمعلم.
الأسئلة الشائعة عن نية حفظ القرآن الكريم
الجواب: لا، ليس دليلاً على ذلك.
الجواب: يمكن أن تتعارض ويمكن ألا تتعارض، فمن كانت نيته من المسابقة إشعال الهمة في النفس على المراجعة والتثبيت ومنافسة الحفاظ المهرة المتقنين فهذا أمر محمود، أما من كانت نيته لفت الأنظار إليه وانتظار المدح والثناء من الناس فهذا أمر مذموم.
الجواب: الأصل أنه لا يؤدي إلى إفساد نياتهم، بل هو من إكرام صاحب القرآن الذي حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
الكاتب: أ. مهند غزال
شارك المقال مع اصدقـائك: