fbpx

وظائف الرسول

هل تساءلت يوماً: لماذا لم ينزل الله تعالى كتبه وأوامره ونواهيه إلى كل فرد من البشر على حدة؟ ما الحاجة لإرسال الوحي إلى بشر واحد هو النبي أو الرسول لينشره بين باقي الناس؟ ما مهمة الرسل ووظائفهم؟ ما دور النبي؟ ما وظائف الرسول؟

سنسعى من خلال مقال (وظائف الرسول) الإجابة عن هذه الأسئلة المطروحة، وتوضيح وظائف الأنبياء والرسل، وصفاتهم، وخصائص رسالتهم. إن ميراث النبوة هو الكنز الثمين الذي ينبغي ألا يفرط به علماء ودعاة الأمة الإسلامية أبداً، وخاصة في هذا الزمان الذي هاجت وماجت فيه الفتن.

أود أن أسلط الضوء على شيء من ذلك الميراث العظيم في هذه المقالة التي استلهمت اسمها من آي القرآن العظيم

جدول المحتويات

الآيات التي ذُكرت فيها وظائف الرسول

يقول الله سبحانه وتعالى: من دعاء الخليل إبراهيم وابنه إسماعيل عليها السلام لهذه الأمة: ﴿ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم﴾ (البقرة ١٢٩)

فاستجاب المولى الجليل: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ (آل عمران ١٦٤)

وفي موضع آخر: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (الجمعة ٢)

وظائف الرسول

وظائف الرسول الأساسية

لقد تقرر في الآيات أن أهم الوظائف أو المهام لرسول الله صلى الله عليه وسلم تندرج تحت أربعة محاور أساسية:

المهمة الأولى: التبليغ (تلاوة آيات الله)

نعم هي وظيفة الرسل الأولى أن يتلقوا الوحي الإلهي ويبلغوه كما هو من دون زيادة ولا نقصان مبشرين ومنذرين

بالوحي الذي يدعو لعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، ونبذ الخرافات، وتقليد الآباء والأجداد على غير هدى، ولذلك اصطفى الله تعالى أحسن عباده أمانةً وصدقاً ليحمل تلك الأمانة وينقلها للبشر لعلهم يعقلون.

ورد في صحيح مسلم كتاب الإيمان – باب فِي قوله تَعَالَى: وأنذر عشيرتك الْأقربين – عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ:

” لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ (الشعراء ٢١٤)، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا، فَاجْتَمَعُوا، فَعَمَّ، وَخَصَّ، فَقَالَ: يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا” أَيْ أَصِلُكُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَالْبَلَالُ جَمْعُ بَلَلٍ، وَقِيلَ: هُوَ كُلُّ مَا بَلَّ الْحَلْقَ مِنْ مَاءٍ أَوْ لَبَنٍ أَوْ غَيْرِهِ. (شرح السيوطي لسنن النسائي  ص ٢٤٩)

جاء في المستدرك للحاكم النيسابوري – كتاب التفسير – مدح كلام الله من لسان الكافر

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ” فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ”، فَكَأَنَّهُ رَقَّ لَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا جَهْلٍ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: يَا عَمُّ، إِنَّ قَوْمَكَ يَرَوْنَ أَنْ يَجْمَعُوا لَكَ مَالا، قَالَ: لَمَ؟ قَالَ: لِيُعْطُوكَهُ، فَإِنَّكَ أَتَيْتَ مُحَمَّداً لِتُعْرِضَ لِمَا قِبَلَهُ، قَالَ: قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالا، قَالَ: فَقُلْ فِيهِ قَوْلاً يَبْلُغُ قَوْمَكَ أَنَّكَ مُنْكِرٌ لَهُ أَوْ أَنَّكَ كَارِهٌ لَهُ، قَالَ: وَمَاذَا أَقُولُ: “فَوَاللَّهِ مَا فِيكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمَ بِالأَشْعَارِ مِنِّي، وَلا أَعْلَمَ بِرَجَزٍ وَلا بِقَصِيدَةٍ مِنِّي، وَلا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ، وَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئاً مِنْ هَذَا، وَوَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ حَلاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلاوَةً، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلاهُ مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلَى وَإِنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ”.

فالواجب على كل مصلح أن يُولي القرآن أهمية كبرى في دعوته تلاوة وتدبراً تأسياً بمنهج المرسلين.

كيف نقوم بمهمة التبليغ؟

  • تعلم القرآن
  • تعليم القرآن
  • تلاوة القرآن وتسجيله بالوسائل الحديثة
  • طبع وتوزيع المصاحف
  • ترجمة القرآن للغات أخرى
  • دعم القائمين على العمل القرآني
  • نشر التلاوات عبر وسائل التواصل والإعلام
  • الدعوة إلى الإسلام
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

المهمة الثانية: التربية (التزكية)

وهي ترقية النفس بتخليتها من سيئ الأخلاق، وتسلط الأهواء، وتحليتها بأحسن الأخلاق، وطيب الخصال.

قال تعالى:

﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾ (سورة الشمس ٩)

﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى﴾ (سورة الأعلى ١٤)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.

أخرجه مالك في موطئه وأحمد في مسنده

وفي الحديث الذي جمع أصول الدين عندما أتى جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام، والإيمان، ثم قال: ” مَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ”.

صحيح البخاري -كتاب الإيمان – باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام.

وقد ورد في القرآن الكريم ثلاثة أنواع من النفوس (الأمّارة – اللوامة – المطمئنة)

يستطيع الإنسان أن يرتقي بنفسه بالتدريج ليصبح ذا نفس مطمئنة، ويصل لدرجة الإحسان التي هي أعلى مراتب العبودية، وحسن الخلق.

وتحتل تزكية النفوس في مجال الدعوة إلى الله وتمكين الدين في الأرض أهمية عظمى، فلا بد للقوم الذين يريدون قيادة البشرية لبر الأمان أن يتحلوا بأفضل الأخلاق، وأرفع المقامات عند خالقهم لكي تتحقق غاية الخلافة التي أرادها الله تعالى من بني آدم في الأرض، ولكي يتجلى جمال الدين بنفوسهم الطيبة، فيكون سلوكهم هو أسمى مثال للاقتداء به.

ما وسائل التزكية

  • ذكر الله تعالى
  • الصلاة
  • الصيام
  • مجالس العلم
  • تلاوة القرآن
  • زيارة المقابر
  • ذكر الموت والدار الآخرة
  • اتخاذ مربٍّ ناصح
  • مجاهدة النفس على كل ما سبق

المهمة الثالثة: التعليم (تعليم الكتاب)

لا يخفى على أحد من الناس أهمية العلم، وخاصة في هذا الزمان الذي تطورت فيه العلوم بكافة المجالات، ولكن ذلك التطور كانت آثاره في أغلبها سلبية؛ تدمير، وقتل، وتشريد، وسجن.

فالعلم عندما يستقل عن توجيه الوحي لا يعمل لصالح البشرية، بل لخرابها.

لقد كانت من مهام الرسول الأساسية أن يجمع صحابته في دار الأرقم عندما كانوا في مكة قبل الهجرة، وفي المسجد النبوي في المدينة بعد الهجرة، يجمعهم ليعلمهم القرآن الكريم ليكون لهم هدى ونوراً، وينطلقوا بعد ذلك ليعيشوا حياتهم بمنهج رباني لا اعوجاج فيه.

في صحيح ابن حبان عَنْ أَبِي الدرداء قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ: “مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَطْلُبُ فِيهِ عِلْماً سَلَكَ الِلَّهِ بِهِ طَرِيقاً مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَالْمَلائِكَةُ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضاً لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ، وَمَنْ فِي الأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَلا دِرْهُمَا ، وَأَوْرَثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ “.

وإذا أردنا أن نتشبه بخير القرون فعلينا أن نفعل فعلهم، علينا أن نتعلم كتاب ربنا بشكل أساسي بجانب العلوم الدنيوية الأخرى.

فالعلم يُمكِّننا من أسباب القوة، ونحن مأمورون بذلك {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}

ما وسائل العلم

  • حضور دروس المساجد وحلقات العلم.
  • التسجيل في المعاهد والجامعات.
  • الاشتراك بالبرامج العلمية عبر شبكة الإنترنت.
  • مشاهدة سلاسل علمية على منصة يوتيوب وغيرها.
  • قراءة الكتب والمقالات.

ولعلنا نتكلم عن طلب العلم في العصر الحديث بشكل مفصل في مقال آخر

المهمة الرابعة: تعليم الحكمة

الحكمة تعني في اللغة: وضع الأمور في نصابها الصحيح، أو التصرف المناسب في الوقت المناسب مع الشخص المناسب.

أما الحكمة التي وردت في الآيات الكريمة فقد قال المفسرون: إنها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والسنة: هي كل ما ورد عن رسول الله من قول، أو فعل، أو تقرير.

والخير كل الخير باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ليس فقط بالسنن الشكلية، بل بتعبد النبي، وجهاده، ودعوته، وأخلاقه، وسياسته، وإلى ما هنالك، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الحكماء قولاً وفعلاً، وبتلك الحكمة – بعد توفيق الله تعالى له – استطاع نشر الدين، وإقامة الدولة على الرغم من كل العقبات التي اعترضت طريقه، والأعداء الذين تربصوا به وبأصحابه.

فمن الحكمة:

  • تعلم أساليب الدعوة والتعليم
  • بناء الشخصية الاجتماعية القيادية.
  • المعرفة بالواقع والتكيف مع الظرف المحيط.
  • تعلم طرق التعامل مع المواقف الصعبة.
  • اكتساب مهارات أمنية وحربية.

كيف نكتسب الحكمة

  1. مطالعة سير الحكماء.
  2. مصاحبة الحكماء والقادة.
  3. القراءة في التاريخ.
  4. متابعة الأحداث السياسية والاقتصادية والحربية.

وأختم بقولي: إن ما ذكرناه من وظائف الرسول في هذا المقال ليس طلباً للمعرفة النظرية فقط، بل لنقتفي أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونهتم بتلك الوظائف التي كلفه الله بها، ونحاول قدر المستطاع العمل بها باعتبار أننا طلاب علم، وأتباع النبي صلى الله عليه وسلم وأحبابه، وكلنا يريد إعادة إحياء الدين في النفوس، وإقامته في الأرض كما فعل الصحابة وتابعوهم رضي الله عنهم وعنا أجمعين.

نسأل الله تعالى أن ينفعنا بالعلم، وأن يؤتينا الحكمة والفهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والحمد لله رب العالمين.

الأسئلة الشائعة عن وظائف الرسول

ما وظائف الرسل عليهم السلام؟

كل الرسل قد بُعثوا من الله ليقوموا بالوظائف نفسها، والتي منها ما ذكرناه بالمقال (وظائف الرسول)، ولكن تختلف الشرائع بحسب اختلاف الأقوام والأزمنة، وكل رسول يركز بعد التوحيد على جانب معين في قومه ليصلحه.

ما مهنة كل نبي؟

إن الأنبياء كانوا يعملون بحِرَف مختلفة، وأكثر المهن شيوعاً بين الأنبياء رعي الغنم.

ونذكر أمثلة على مهن بعض الأنبياء: فمثلاً كان داوود حدّاداً، وعمل نوح وزكريا بالنجارة، وإدريس بالخياطة، وإبراهيم بالبناء، ولوط بالزراعة، ويوسف كان وزيراً مالياً، وسليمان حاكماً، وعيسى طبيباً، وعمل موسى ومحمد بالتجارة ورعي الغنم عليهم صلوات ربي وسلامه أجمعين.

ما صفات الأنبياء والرسل، وما وظائفهم؟

إن الأنبياء والرسل بشر كباقي البشر، ولكنهم يتصفون بالصفاء الروحي والأخلاق الحسنة، والجمال الخلقي أكثر من غيرهم لذلك اختارهم الله تعالى ليكونوا رسله إلى الناس، فهم خير العباد، وصفوة الخلق، تشابهوا بالوظائف، واختلفوا في الشرائع بحسب كل قوم وزمان، فمن وظائفهم تبليغ الوحي والدعوة إلى الله ونشر الأخلاق الفاضلة.

الكاتب: أ. عبدالله الأعسر

شارك المقال مع اصدقـائك: